فسخ العقد : نقضه ، وحل الرابطة التي تربط بين الزوجين ، وقد يكون الفسخ بسبب خلل وقع في العقد ، أو بسبب طارئ عليه يمنع بقاءه . مثال الفسخ بسبب الخلل الواقع في العقد : 1 - إذا تم العقد وتبين أن الزوجة التي عقد عليها أخته من الرضاع ، فسخ العقد . 2 - إذا عقد غير الاب والجد للصغير أو الصغيرة ، ثم بلغ الصغير أو الصغيرة ، فمن حق كل منهما أن يختار البقاء على الزوجية أو إنهاءها ، ويسمى هذا خيار البلوغ ، فإذا اختار إنهاء الحياة الزوجية كان ذلك فسخا للعقد .
مثال الفسخ الطارئ على العقد : 1 - إذا ارتد أحد الزوجين عن الاسلام ولم يعد إليه ، فسخ العقد بسبب الردة الطارئة . 2 - إذا أسلم الزوج وأبت زوجته أن تسلم ، وكانت مشركة ، فإن العقد حينئذ يفسخ . بخلاف ما إذا كانت كتابية فإن العقد يبقى صحيحا كما هو ، إذ أنه يصح العقد على الكتابية ابتداء . والفرقة الحاصلة بالفسخ غير الفرقة الحاصلة بالطلاق ، إذ أن الطلاق ينقسم إلى طلاق رجعي وطلاق بائن . والرجعي لا ينهي الحياة الزوجية في الحال ، والبائن ينهيها في الحال . أما الفسخ ، سواء أكان بسبب طارئ على العقد ، أم بسبب خلل فيه ، فإنه ينهي العلاقة الزوجية في الحال . ومن جهة أخرى . فإن الفرقة بالطلاق تنقص عدد الطلقات ، فإذا طلق الرجل زوجته طلقة رجعية ، ثم راجعها وهي في عدتها ، أو عقد عليها بعد انقضاء العدة عقدا جديدا ، فإنه تحسب عليه تلك الطلقة ، ولا يملك عليها بعد ذلك إلا طلقتين . وأما الفرقة بسبب الفسخ فلا ينقص بها عدد الطلقات ، فلو فسخ العقد بسبب خيار البلوغ ، ثم عاد الزوجان وتزوجا ملك عليها ثلاث طلقات . وقد أراد فقهاء الاحناف أن يضعوا ضابطا عاما لتمييز الفرقة التي هي طلاق ، من الفرقة التي هي فسخ ، فقالوا : إن كل فرقة تكون من الزوج ، ولا يتصور أن تكون من الزوجة فهي طلاق . وكل فرقة تكون من الزوجة لا بسبب من الزوج ، أو تكون من الزوج ويتصور أن تكون من الزوجة فهي فسخ .
الفسخ بقضاء القاضي : من الحالات ما يكون سبب الفسخ فيها جليا لا يحتاج إلى قضاء القاضي ، كما إذا تبين للزوجين أنهما أخوان من الرضاع ، وحينئذ يجب على الزوجين أن يفسخا العقد من تلقاء أنفسهما . ومن الحالات ما يكون سبب الفسخ خفيا غير جلي ، فيحتاج إلى قضاء القاضي ، ويتوقف عليه ، كالفسخ بإباء الزوجة المشركة الاسلام إذا أسلم زوجها ، لانها ربما لا تمتنع فلا يفسخ العقد .
اللعان تعريفه : اللعان مأخوذ من اللعن ، لان الملاعن يقول في الخامسة : " أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " . وقيل هو الابعاد . وسمي المتلاعنان بذلك ، لما يعقب اللعان من الاثم والابعاد ، ولان أحدهما كاذب ، فيكون ملعونا . وقيل : لان كل واحد منهما يبعد عن صاحبه بتأييد التحريم .
وحقيقته : أن يحلف الرجل - إذا رمى امرأته بالزنا أربع مرات إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، وأن تحلف المرأة عند تكذيبه أربع مرات ، إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن عليها غضب الله إن كان من الصادقين . مشروعيته : إذا رمى الرجل امرأته بالزنا ، ولم تقر هي بذلك ، ولم يرجع عنه رميه . فقد شرع الله لهما اللعان ( 1 ) . روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما : " أن هلال ( 2 ) بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البينة ، أو حد في ظهرك . فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة ، وإلا حد في ظهرك " . فقال : والذي بعثك بالحق إلي لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرى من
( هامش ) ( 1 ) كان ذلك في شهر شعبان سنة 59 ه وقيل : كان في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( 2 ) كان أول رجل لا عن في الاسلام .
الحد ، فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه قوله تعالى : " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين . والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين . والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " ( 1 ) . فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعلم ( 2 ) أن أحد كما كاذب . فهل منكما تائب ؟ " فشهدت . فلما كانت عند الخامسة وقفوها ( 3 ) ، وقالوا إنها الموجبة ( 4 ) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فتلكأت ونكصت ، حتى ظننا أنها ترجع . ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين ( 5 ) ، سابغ الاليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء " . فجاءت به كذلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو لا ما مضى ( 6 ) من كتاب الله كان لي ولها شأن . " قال صاحب بداية المجتهد : وأما من طريق المعنى . فلما كان الفراش موجبا للحوق النسب ، كان للناس ضرورة إلى طريق ينفونه به إذا تحققوا فساده . وتلك الطريق هي اللعان . فاللعان حكم ثابت بالكتاب والسنة والقياس والاجماع . إذ لا خلاف في ذلك عامة .
( هامش ) ( 1 ) سورة النور : الايات 6 - 9 ( 2 ) هذا دليل على أن الزوج إذا قذف امرأته ، وعجز عن إقامة البينة وجب عليه حد القاذف ، وإذا وقع اللعان سقط الحد عنه . ( 3 ) فيه استحباب تقديم الوعظ للزوجين قبل اللعان لما سيأتي . ( 4 ) أشاروا عليها بالوقوف عن تمام اللعان فتلكأت وكادت تعترف ولكنها لم ترض بفضيحة قومها . وفي هذا دليل على أن مجرد التلكؤ لا يعمل به . ( 5 ) في هذا دليل على أن المرأة كانت حاملا وقت اللعان ، والاكحل الذي أجفانه سوداء كأن فيها كحلا . وسابغ الاليتين : أي عظيمهما ، وخدلج : ممتلئ . ( 6 ) لو لا ما مضى من كتاب الله ، أي أن اللعان يرفع الحد عن المرأة . ولو لا ذلك لاقام الرسول صلى الله عليه وسلم الحد .
متى يكون اللعان ؟ ويكون اللعان في صورتين : ( الصورة الاولى ) أن يرمي الرجل امرأته بالزنا ، ولم يكن له أربعة شهود يشهدون عليها بما رماها به . ( الصورة الثانية ) أن ينفي حملها منه . وإنما يجوز في الصورة الاول إذا تحقق من زناها ، كأن رآها تزني ، أو أقرت هي ، ووقع في نفسه صدقها . والاولى في هذه الحال أن يطلقها ولا يلاعنها . فإذا لم يتحقق من زناها ، فإنه لا يجوز له أن يرميها به . ويكون نفي الحمل في حالة ما إذا ادعى أنه لم يطأها أصلا من حين العقد عليها ، أو ادعى أنها أتت به لاقل من ستة أشهر بعد الوطء ، أو لاكثر من سنة من وقت الوطء . . الحاكم هو الذي يقضى باللعان : ولا بد من الحاكم عند اللعان . وينبغي له أن يذكر المرأة ويعظها ، بمثل ما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وصححه ابن حبان والحاكم : " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فليست من الله في شئ ، ولن يدخلها الله الجنة ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الاولين والاخرين " . اشتراط العقل والبلوغ : وكما يشترط في اللعان ، الحاكم ، يشترط العقل والبلوغ في كل من المتلاعنين ، وهذا أمر مجمع عليه .
اللعان بعد إقامة الشهود : وإذا أقام الزوج الشهود على الزنا فهل له أن يلاعن ؟ قال أبو حنيفة وداود : لا يلاعن ، لان اللعان إنما جعل عوضا عن الشهود ، لقوله تعالى : " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ( 1 ) " . وقال مالك والشافعي : له أن يلاعن ، لان الشهود لا تأثير لهم في دفع الفراش . هل اللعان يمين أم شهادة ؟ يرى الامام مالك والشافعي وجمهور العلماء أن اللعان يمين ، وإن كان يسمى شهادة فإن أحدا لا يشهد لنفسه ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات حديث ابن عباس : " لو لا الايمان لكان لي ولها شأن " . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه شهادة ، واستدلوا بقول الله تعالى " فشهادة أحد هم أربع شهادات بالله " وبحديث ابن عباس المتقدم . وفيه : " فجاء هلال فشهد ، ثم قامت فشهدت " . والذين رأوا أنه يمين ، قالوا : انه يصح اللعان بين كل زوجين حرين كانا أو عبدين ، أو أحدهما ، أو عدلين ، أو فاسقين ، أو أحدهما . والذين ذهبوا إلى أنه شهادة . قالوا : لا يصح إلا بين زوجين يكونان من أهل الشهادة ، وذلك بأن يكونا حرين مسلمين . فأما العبدان ، أو المحدودان في القذف ، فلا يجوم لعانهما . وكذلك إن كان أحدهما من أهل الشهادة والاخر ليس من أهلها . قال ابن القيم : والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين اليمين والشهادة ، فهو شهادة مؤكدة بالقسم والتكرار ، ويمين مغلظة بلفظ الشهادة والتكرار ، لاقتضاء الحال تأكيد الامر ، ولهذا اعتبر فيه من التأكيد عشرة أنواع : ( أحدها ) ذكر لفظ الشهادة . ( الثاني ) ذكر القسم أسماء الرب سبحانه ، وأجمعها لمعاني أسمائه الحسنى ، وهو اسم الله جل ذكره . ( الثالث ) تأكيد الجواب بما يؤكد به المقسم عليه من أن واللام ،
وإتيانه باسم الفاعل الذي هو صادق وكاذب ، دون الفعل الذي هو صدق وكذب . ( الرابع ) تكرار ذلك أربع مرات . ( الخامس ) دعاؤه على نفسه في الخامسة بلعنة الله إن كان من الكاذبين . ( السادس ) إخباره عند الخامسة أنها الموجبة لعذاب الله وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة . ( السابع ) جعل لعانه مقتضى لحصول العذاب عليها ، وهو إما الحد أو الحبس ، وجعل لعانها دارئا للعذاب عنها . ( الثامن ) أن هذا اللعان يوجب العذاب على أحدهما ، إما في الدنيا ، وإما في الاخرة . ( التاسع ) التفريق بين المتلاعنين وخراب بيتهما وكسرهما بالفراق . ( العاشر ) تأييد تلك الفرقة ودوام التحريم بينهما . فلما كان شأن هذا اللعان هذا الشأن جعل يمينا مقرونا بالشهادة ، وشهادة مقرونة باليمين ، وجعل الملتعن - لقبول قوله - كالشاهد فإن نكلت المرأة مضت شهادته وحدت وأفادت شهادته . ويمينه شيئين : سقوط الحد عنه ووجوبه عليها ، وإن التعنت الممرأة وعارضت لعانه بلعان آخر منها ، أفاد لعانه سقوط الحد عنه دون وجوبه عليها ، فكان شهادة ويمينا بالنسبة إليها دونها ، لانه إن كان يمينا محضة ، فهي لا تحد بمجرد حلفه ، وإن كان شهادة فلا تحد بمجرد شهادته عليها وحده ، فإذا انضم إلى ذلك نكولها قوي جانب الشهادة واليمين في حقه بتأكده ونكولها ، فكان دليلا " ظاهرا على صدقه ، فأسقط الحد عنه وأوجبه عليها ، وهذا أحسن ما يكون من الحكم . " ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ( 1 ) وقد ظهر بهذا أنه يمين فيها معنى الشهادة ، وشهادة فيها معنى اليمين .
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف