ننتظر تسجيلك هـنـا

 

:: كل عام وانتم بخير ::  
♥ ☆ ♥اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 3,360
عدد  مرات الظهور : 55,841,742
عدد مرات النقر : 3,595
عدد  مرات الظهور : 54,746,608
عدد مرات النقر : 2,996
عدد  مرات الظهور : 53,138,324
عدد مرات النقر : 4,559
عدد  مرات الظهور : 28,315,853
عدد مرات النقر : 2,673
عدد  مرات الظهور : 23,603,703منتديات سهام الروح
عدد مرات النقر : 2,789
عدد  مرات الظهور : 58,630,699
عدد مرات النقر : 3,355
عدد  مرات الظهور : 58,302,023
عدد مرات النقر : 4,446
عدد  مرات الظهور : 58,630,802
عدد مرات النقر : 4,270
عدد  مرات الظهور : 51,469,003

عدد مرات النقر : 2,128
عدد  مرات الظهور : 35,898,499
♥ ☆ ♥تابع اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 2,065
عدد  مرات الظهور : 29,215,858مركز رفع سهام الروح
عدد مرات النقر : 5,049
عدد  مرات الظهور : 58,630,618مطلوب مشرفين
عدد مرات النقر : 2,538
عدد  مرات الظهور : 58,630,610

الإهداءات



الملاحظات

~•₪• منتدى القران الكريم ,الاعجاز العلمي في القرآن~•₪•<

 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
#1  
قديم 01-31-2020, 10:40 AM
نسر الشام غير متواجد حالياً
Syria     Male
مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل Whitesmoke
 عضويتي » 1738
 جيت فيذا » Aug 2017
 آخر حضور » 03-28-2020 (11:16 PM)
آبدآعاتي » 48,168
الاعجابات المتلقاة » 481
الاعجابات المُرسلة » 0
 حاليآ في » المانيا
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » اعزب
 التقييم » نسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
88 في رحاب القرآن الكريم



في رحاب القرآن الكريم


الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد..
فهذه إطلالة سريعة على كتاب الله تعالى، وسياحة عاجلة في رحابه، تكشف عن بعض ما في هذا الكتاب ممَّا لا بد من معرفته؛ من كونه مشتملاً على صفة الله تعالى التي هي كلامه، ودلالة ذلك على سَعته وشموله، وعظيم مقاصده وأغراضه، ووَحدته الموضوعية والقصديَّة بألفاظه ومعانيه ومحتوياته، والإشارة فيها إلى بعض قواعد الفهم، وآلة التدبُّر، وما يترشَّح عنهما من العلوم والمعارف التي ضرورةُ العباد إليها فوق كل ضرورة، وممَّا بالخلق حاجةٌ إليه في كل عصر ومصر، وبعض ما في ذلك مما تدعو الحاجة إلى كشفه وبيانه.

هذا، ولم نرُاعِ في موضوعنا هذا الترتيبَ والتنظيم على الطريقة الأكاديمية في البحوث والمطالب، ولكنه جاء هكذا أشْبَه ما يكون بخواطرَ وإشارات، ودلائلَ وعبارات، سِيقَتْ على شكل فقرات؛ كحَبَّات لؤلؤٍ تناثرَت من غير ترتيب ولا تنسيق، حَسْبُها أنها أُريدَ بها فقط التعريفُ بتلك المطالب أو الإشارةُ إليها على وجه السرعة والعُجالة، حتى تكون حاضرة في الأذهان والعقول، خاصة لمن يروم الوصول إلى بعض معارف الكتاب ومَقاصده، ويكون له حظٌّ في تدبُّرِه وفهمِه، وكشف حِكَمِه وسِرِّه.

وأرجو أنها قد أَدَّتْ غرضها، وانتفع قارئُها، وأوصلَتْ له المقصود مِن ذلك.

والله تعالى ولي التوفيق وهو حَسبُنا ونعم الوكيل.


القرآن كلام الله تعالى وصفته:
الكلام في القرآن ليس كالكلام في غيره؛ لأن القرآن كلام الله تعالى، وهو صفةٌ من صفاته سبحانه وتعالى، وصفاتُ الله تعالى تابعة لموصوفها، فصفاته - تبعًا لذاته - غيرُ مخلوقة، وعلى هذا فكلام الله تعالى غير مخلوق، وهو - كسائر صفاته - صفةُ كمال؛ لا نقصَ فيها ولا عيب مِنْ أيِّ وجه من الوجوه.

وصفة الكلام من صفاته الذاتية اللازمة التي لا تَنْفَكُّ عنه بحال، وهي - فضلاً عن ذلك - صفة فعليَّة؛ فهو سبحانه يتكلم بكلام حقيقي - بحرفٍ وصوت - متى شاء كيفَما شاء،وهي صفة فعلية فهو سبحانه يتكلم متى شاء كيفما شاءل، وهي تابعة لصفة الموصوف بها المتكلم بها، وكلامه غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فَيُحدِثُ - بكلامه - من أمره ما شاء، ويُنشئ من أحكامه الكونية والقدَريَّة والشرعية والجزائيَّة ما شاء؛ ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68]، وهو سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا أو قضى أمرًا فلا يتعدَّى قوله فيه الكاف والنون؛ ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]، وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 47]، وقَولُه لا يتجاوز إرادته وقضاءه، كما قال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [غافر: 68].

وكلامه وكلماته سبحانه حقٌّ كلها، وصدقٌ كلها، وعدلٌ كلها، وعلمٌ كلها؛ ﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ﴾ [ص: 84]، وقال تعالى: ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الإسراء: 105]، وقال سبحانه: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]، وليس للباطل إليه من سبيل؛ ﴿ ... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].

ولمَّا كان كذلك فقد أخبر الصادق المصدوق عن حال الملائكة في السماء حين يقضي اللهُ تعالى أمرَه فيها، وكيف تُقابل ذلك بالتصديق والخضوع والإذعان، قائلاً: ((إذا قَضى الله الأمرَ في السَّماءِ ضرَبَتِ الملائكةُ بِأجنِحَتِها خُضْعانًا لقولِه؛ كأنَّه سِلْسلةٌ عَلى صفوان، فإذا فُزِّع عن قُلوبِهم قالوا: ماذا قال رَبُّكم؟ قالوا: الحقَّ وهُو العَليُّ الكبير))، فانظر كيف أنَّهم بمجرد أن سُئِلوا عمَّا قال ربهم، أجابوا دون تَردُّدٍ ولا تلَكُّؤٍ، ودون تدبُّر ولا تأمُّل، وقبل أن يَعرفوا ماذا قال ربهم، وأيَّ شيءٍ قال، أجابوا هكذا على الفور، وعلى السَّليقة واليقين: "الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ"؛ لأنهم يَعلمون علم اليقين أن الله تعالى العليَّ الكبيرَ حقٌّ، ولا يقول إلا حقًّا، فأجابوا بما هو مقتضى علمِهم الذي فُطِروا عليه؛ فهذا حال الملائكة الذين في السماء مع ما يَسمعونه من كلام ربهم عزَّ وجل.

أمَّا على الأرض فإن العلماء تُقِرُّ بهذا، وتَشهَده، وتشهد به؛ قال تعالى: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [سبأ: 6].

وكما أنَّ كلام الله تعالى وكتابَه في نفسِه حقٌّ، فهو كذلك يَهدي إلى الحق؛ ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 30]، فهو - على هذا - أحقُّ وأحرى أن يُتَّبعَ دون غيره ممَّن لا يملك حقًّا ولا هُدًى؛ ﴿ ... أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [يونس: 35].

وإنما يظهر عظمُ الكلام بعِظم المتكلم به، فإذا كان الله تعالى هو المتكلم به؛ فذاك غاية ما يصل إليه الكلام من المقاصد الجليلة العالية، والمعاني الرفيعة السَّامية، وهو كتاب مفتوح على الحق ولا يَحتمل إلا الحق.

إن الذي تكلَّم بالقرآن هو الله تعالى؛ والصفة إذا أُضيفت إلى موصوفها فُسِّرَت بحَسَبِها، وبحَسْب المعارف أن تُنسَبَ إلى أهلها حتى تُفَسَّرَ في ضَوئِها.

وإنما أشرنا إلى ذلك لبيان سَعَة كلامه سبحانه وتعالى، وأنه لا يُقاس على كلامِ غيره كائنًا مَن يكون، وليس ثمة أيُّ تماثل أو تشابه أو نظيرٍ له من كلام غيره من المخلوقين، كما أنه لا نِسبَةَ بينَه سبحانه وبينهم في ذاته وسائِر صفاته.

علاقة صفات الله تعالى بكلامه:
ويُمكنك أن تنظر إلى تجلِّيات وآثار الكثير من أسماء الله تعالى وصفاته في كلامه سبحانه وتعالى، وقلَّما تجد اسمًا من أسمائه، أو صفةً من صفاته دون أن يَكون لها تعلُّق ما بكلامه وعلمه.

فإنه لمـَّا كان من صِفة الله تعالى أنَّه واسعٌ بكل ما تَعنيه كلمةُ الواسع من معنًى؛ فقد تَجلَّتْ صفته هذه في كلامه، كما تَجَلَّتْ في سائر أسمائه وصفاته؛ ففي السمع مثلاً قد وَسِعَ سبحانه وتعالى سمعُه الأصواتَ على اختلاف اللغات واللهجات وعلى تفنُّن الحاجات والسؤالات لا يَشغَله منها شأنٌ عن شأن؛ يَسمعها كُلَّها في وقتٍ واحد، ويُجيبها في وقت واحد، وأَلحِقْ بذلك سائِرَ أسمائِه وصِفاتِه ومنها علمه وكلامه؛ فقد وَسِعَ كلَّ شيءٍ علمًا، أما كلامُه فوسِعَ معلوماته ومفعولاته، ووَسِعَ الحقَّ كلَّه!

وهو - فضلاً عن ذلك - واسِعٌ في معانيه، وواسِعٌ في مقاصده، وواسِع في علومه ومعارفه سَعةَ المتكلِّم به سبحانه!

والله تعالى غني بكل ما تعنيه كلمة الغِنى من معنى، وتجلَّتْ صِفتُهُ هذه في كلامه سبحانه وتعالى؛ فما من علم وحقٍّ عند الخلق إلا وقد احتوى عليها كلامه وكتابه، ودلَّ عليه بنحوٍ أو بآخر، بأوجزِ عبارة، وألطف إشارة، وأدلَّ على المقصود من ذلك، وزاد عليها بما تعجز الخلائق عن الإتيان به وبمثله، ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيرًا، وفوق ذلك فهو مهيمنٌ على كل ما سواه من العلوم والمعارف، فضلاً عن افتقار كلِّ عِلم وحقٍّ إليه، وهو غني عن كل ما سواه، بل إن الحق نفسَه إنما يَستمد أحقِّيتَه بدلالة الكتاب عليه؛ لأن العقول لا تَستقِلُّ بمعرفته تفصيلاً إلا عنه، وعليه فسائِرُ العلوم والمعارف محتاجة إليه وهو غني عنها.

الاستيعاب والشمول ﴿ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89]:
وهو - أيضًا - قد استوعب الكلام في الخالق والمخلوق، والملأ الأعلى والملكوت، والعالَم العلوي والعالَم السفلي، وعالَم الغيب والشهادة، والدنيا والآخرة وما بينهما، وتكلَّم عن السموات والأرضين وما فيهما، وما بينهما من الذرَّة إلى الذروة، ومن الثَّرى إلى الثريا، وعن الشمس والقمر، والكواكب والنجوم، والليل والنهار، وما في البراري والبحار، وما في الصحاري والقِفار، وما في السهول والجبال، والتلول والوديان.

وتكلم عن خلقه إنسًا وجِنًّا وملَكًا، وأبان عن أوصاف المكلَّفين منهم كفرًا وإيمانًا ونفاقًا، وبَيَّنَ مراتبَ كل واحد منهم، وأعطى كلاًّ منهم توصيفه وحكمه.

وقد استوعب - بأحكامه - أحوال المكلفين وتقلباتِهم، وأحصى عليهم أقوالهم وأعمالَهم وما انطوت عليه جوانحهم ممَّا استقر في قلوبهم من عقائدهم!

وبَيَّنَ أوصاف الممدوحين مِنْ عباده من المؤمنين والمتقين والمحسنين والصالحين والمصلحين والصادقين وسائر الأوصاف، وكذا أوصاف المذمومين من الكافرين والظالمين والمنافقين والكاذبين والمكذبين والمفسدين وسائر أوصافهم.

واستوعَب الزمان كلَّه؛ ماضِيَه وحاضِره ومستقبله.

وتكلم عن مقاصد الخلق، ومقاصد الرسالات، وأخبار الرسل وأحوال المصدقين بهم وعواقبهم في الدنيا وفي الآخرة، وأحوال المكذِّبين لهم وعواقبهم في الدنيا وفي الآخرة، وذكَر أخبار الأمم السابقة، والقرون الأولى، وما حَلَّ بها.

ثم تكلم عن مصائر الخلق ونهاياتهم؛ إما إلى الجنة وقد عَرَّفهم بها وبنعيمها ومَلاذِّها وأهلها، وإما إلى النار وعذابها وشدائِدها وأهلها.

وقد وضع القرآنُ خطة العباد في سَيرِهم إلى الله تعالى في طريق مستقيم، يَنتظم شؤون حياتهم مِن مبتدَئها إلى مُنتَهاها، ووضَعهم على سكة قويمة لا تَرى فيها عِوَجًا ولا أمتًا، حتى تُفضي بهم إلى سعادة الأبد، ومَن أعرض عنها فبالضدِّ مِن ذلك؛ إلى شقاوة الأبد!

وهو قد دلَّ الخلقَ على الحق ودلائله وبيِّناته، وحُجَجه وبراهينه، والباطل وفساده واضْمِحلاله.

إنه باختصار شديد بَيانٌ لكل شيء؛ كما قال الناطقبه سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

كل ذلك بهذه الأحرف والألفاظ التي يتعاطى بها بعضُ عباده مِن خلقه! فانظر كيف اتَّسعَت هذه الأحرف لكل هذه المعاني والمقاصد، واحتوَتها، واشتملَت عليها؟! وكيف اتَّسَع هذا المحدودُ المخلوقُ لكلام الخالقِ غير المخلوق؟!

لكن هكذا أراد الله تعالى لكلامه؛ إذ ركَّبَ اللسان العربيَّ وأحرُفَه على هذا الحقِّ، كما ركَّبَ الحقَّ عليه، أليس هذا من أعجب العجب؟!

وهذا يفسر لك بعض السرِّ في سبب الإتيان بالحروف المقطَّعة في أوائل بعض السور؛ للإشارة إلى أن هذه المعانيَ العظيمة، والمقاصد الإلهية الجليلة، ودلالاتها الواسعةَ جاءت بالأحرف التي تنطقون بها وتتكلمون بها، وتتَداولونها بينكم؛ فهل تُطيقون الإتيان بمثلها، أو ببعضٍ منها ممَّا قلَّ منه أو كَثُر؟!

فإذا أعجزَتْكم حروفكم التي تتَعاطونها عن الإتيان ببعض ذلك، فقد - واللهِ - ظهَر الحقُّ وانجلى غباره عن حقيقة الربانيَّة في هذا الكتاب، وأنه لن يكون إلا من عند الله تعالى.

لكن العجب سيَزول إذا علمنا أن الألسُنَ التي تنطق بهذا القرآن مخلوقةٌ لله تعالى، وأنها رُكِّبَت تركيبًا لتستوعب تلك المقاصدَ وتشتمل عليها، وتؤدِّي دورها في توصيل مرادات الله تعالى إلى عباده!

وكأنَّ أوعية الأحرف والألفاظ والكلمات قد تفتَّقَت عن أعظم ما فيها، وغاية ما فيها من المعاني العظيمة، والمقاصد الشريفة.


أشرف العلوم:
وأعظمُ من ذلك كلِّه أنه سبحانه قد عرَّفَ بنفسه كأحسنِ ما يكون، وغاية ما يكون من المعارف والعلوم؛ فإنما شرف العلم لشرف معلومه، فعرَّف بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وأفعاله وإنعامه وإحسانه، وكلُّ ما ذكرناه آنفًا - ممَّا أخبر الله تعالى به في كتابه - فإنما هو من مقتضيات أسمائه وصفاته وأفعاله؛ لا يخرج منها شيءٌ عن ذلك أبدًا.

والله تعالى يتجلَّى بأسمائه وصفاته في كتابه وكلامه، كما تتجلَّى آثار أسمائه وصفاته في خَلقهِ وملَكوته؛ إيجادًا وإعدادًا وإمدادًا، إحسانًا وإنعامًا؛ فما مِن اسمٍ من أسمائه ولا صفة من صفاته إلا وهي مقتضية لأثَرِها في خلقه، وما كان للخلق أن يَعرفوا ذلك ويُطالِعوه ويَطَّلعوا عليه لولا أن أطلَعَهم الله عليه في كتابه، وهو سبحانه أعرفُ بنفسه من غيره، لا يُحصي أحدٌ من خلقه ثناءً عليه بل هو كما أثنى على نفسه، لا طاقة للخلق في أن يَبلغوا شَأْوَهُ وشأنه وهو أعظمُ من ذلك، وأعظم من أن يُحاطَ بشيء منه علمًا، فضلاً عن أن يُحاطَ به.

نعَم، ما كان للخلق أن يعرفوا ذلك ويُطالِعوه لولا أن كشف الله عنه، وعن كل ما بالخلق حاجةٌ إليه من المعارف الدينية والدنيوية والأخروية؛ ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22].

فلا غَروَ - بعد ذلك - أن يَعجز الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله، ولو اجتمعوا له، وكان بعضهم لبعض ظهيرًا؛ وذلك لأن نِسبَةَ ما يأتي به هؤلاء، إلى ما جاء الله تعالى به من ذلك؛ كَنِسْبَةِ المخلوق إلى الخالق، ويمكنك بعد ذلك أن تتصور عِظَم الفرق الواسع، والبَون الشاسع بينهما!


سعة القرآن وحوائج الخلق:
ولأن القرآن تَحكُمه القَصدِيَّةُ في جمله وعباراته، وفي كلماته وحروفه وحركاته؛ فليس ثمَّة شيءٌ بلا معنى وبلا قصد، ولمـَّا كانت كلماته لا نهاية لها في معانيها ومقاصدها وأغراضها، ولمَّا كانت حوائج الخلق من المعارف تتجدَّد كل وقت وكل حين؛ فقد صادف أن القرآن يلبِّي جميع هذه الحاجات على أكمل ما يكون، وهو يُواكِبُها في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وحين؛ فيستجيب لها، ويسدُّ حاجتها، ويعطيها ما تريد؛ ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ... ﴾ [إبراهيم: 34].

وهو يخاطب كلَّ جيل وكل زمان ومكان بالمعارف المتجدِّدة لَدَيه؛ كأنه ما أُنزِلَ إلا لهذا الجيل دون غيره! كما أنه يخاطب في الجيل الواحد مختلِفَ مَراتب الناس ودرجاتهم في الفَهم والإدراك، ويعطي كلاًّ منه حظَّه من الفَهم والعلم علىقَدْره واستيعابه؛ ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ [الرعد: 17].

وهو يلبِّي لِكل رتبةٍ حاجاتِها إلى المطالب الدينية التي لا بدَّ لهم منها، دون أن يَفْتَئِتَ على المراتب الأُخرى التي هي دونها أو فوقها، فهو كالمظلَّة التي يستظل الكل بظلِّها، وينعَمون بِفَيْئِها؛ وهذا ما يكشف بعضَ ما في هذا الكتاب من عظيم الإعجاز والبيان!


أشرَفُ الألفاظِ وأشرَفُ المقاصد:
وهو وإن كانت ألفاظه محدودةً معدودة لكن معانيه ومقاصده ودلالاته واسِعة سَعَةَ المتكلم به سبحانه، وهنا يَكمُن سِرُّ إعجازه؛ فمعانيه لا نهاية لها، ولا حَدَّ لها ولا عَدَّ.

وهو - فضلاً عن ذلك - قد استوعبَ أشرفَ الألفاظ، وأشرف المعاني، وأشرف المقاصد والأغراض، وبلغ الغاية في ذلك، وكلما كان الغرض شريفًا رفيعًا، كان اللفظ المنتقى له كذلك شريفًا رفيعًا أنيقًا، في نَسقٍ ورَونقٍ يأخذ بالألباب والعقول!


نسبة علوم الخلق في القرآن إلى معارفه وعلومه:
ومنذ أن بعث الله تعالى نبيَّه عليه الصلاة والسلام بهذا الكتاب الجليل وإلى يوم الناس هذا، والعلماءُ والفقهاءُ والدعاةُ، والمعلمون والمتعلمون والدارسون، والمُصلِحون والمفسرون يَنْهَلون مِن علومه ويكشفون عن مكنونه، ويُبيِّنون أسرارَه ومحتوياته، ويُثَوِّرون معانيَه ودلائله، ومع كل هذا فلو جُمِعَ كل ما قاله هؤلاء - قديمًا وحديثًا - من تفسيره ودلائله ومعانيه، إلى نِسبَةِ ما فيه من الحقائق والمعارف والعلوم لما عُدَّ شيئًا، إلا كما قال الخضر لموسى عليه السلام وقد رَأَيا عصفورًا وقع على حرف السفينة فنَقَرَ في البحر نقرة، فقال له الخضر: "ما عِلْمي وعِلْمك مِن علم الله إلا مثل ما نَقَصَ هذا العصفورُ من هذا البحر"! وهذا علم النبيين والذين أطلَعهم الله تعالى من العلوم والمعارف ما لم يطلع عليها غيرهم إلى علم الله تعالى، فما بالُكَ بغيرهم؟!

بحَسْبِك أن تقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق وكفى؛ لِتنتهي كل المعارف والعلوم إليه، كما يَنتهي الخلق كلهم إلى خالقهم وبارئهم، حتى إنَّ البحار بمدادها، والأشجارَ بأقلامها لتَتقاصر عن أن تبلُغَ مِن علمه ما بلَغ من ذلك؛ وأنَّى للمخلوق أن يحيط بغير المخلوق؟! وما ذاك إلا لأنه صِفَةُ الله تعالى وتقدَّس التابعةُ له، الراجعة إليه؛ فتنتهي معارفُ الخلق على أعتابها دون أن تنتهي، ويَنفَد ماء البحار، وأشجارُ البراري دون أن تَنفَد علومه وحقائقه؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109].

ورغم ذلك فهو لم يَزل عطاءً مفتوحًا يتجدَّد لا تَنقضي عجائبه، ولا تنفَدُ معانيه، ولا يَخلَقُ من كَثرةِ الرَّدِّ، وسيَبقى هذا الأمر إلى تقوم الساعة، وإلى أن يَرِثَ اللهُ تعالى الأرض ومن عليها، وصدَق من قال: (( كتاب الله فيه نبَأ مَن قبلكم، وخبَرُ مَن بعدكم، وحُكمُ ما بينكم؛ هو الفَصلُ ليس بالهزل، مَن ترَكه مِن جبار قصَمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذِّكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تَزيغ به الأهواء، ولا تَشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسُن، ولا يَخلَق عن الرَّد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تفتَأِ الجن إذ سمعته عن أن قالوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ [الجن: 1]، من قال به صدق، ومن حكم به عدَل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم)).

تَدَبُّر القران:
ومفتاح القران تَدَبُّرهُ؛ وهو آلةُ الفهم والإدراك عن الله تعالى، والوعي عنه، كما أنه آلةُ الكشف عن مراداته ومقاصده من كلامه.

وثمَّة دفائنُ من العلوم والمعارف تحتَ كلِّ نص قرآني، وتحت كل آية قرآنية، بل وتحت كل كلمةٍ وحرف منه، لا بل وتحت كل حركة إعرابية فيه.

وخِلافًا لِكلام المخلوقين فإن كلام الله تعالى تَحكمُه القَصْدِيَّةُ - كما سبق - في كل حركة وسكنة منه، ويمكنك - بعد ذلك - أن تسأل في كل موضع منه، وفي كل حركة وسكنة منه: لِمَ جاء على هذا النحو دون غيره؟ وعلى هذا البناء دون سواه؟ ولِمَ تقدَّمَ هذا وتأخَّرَ ذاك؟ ولِمَ حُذِفَ هذا واستُبقي ذاك؟ ولِمَ هذه الزيادة، وذلك الحذف؟ ولِمَ... ولِمَ... ولِمَ... إلخ، إن وراء ذلك مقاصِدَ جمَّة، وأغراضًا شتَّى يَعرفها المتخصِّصون وأربابُ الفنون.

وهذا غير المقاصد العامة، والمعاني التي يعَيِّنها السياق سِباقًا ولحاقًا، وغير الدلالات اللغوية والنحويَّة والبلاغية، والأصولية والمقاصديَّة، وهذه غيرها في دلائل الإشارة والإيماء والتنبيه.

وعمومًا فهي تعطي دلالاتها في كل الاتجاهات المحتمِلة للمعاني الحقَّة والصحيحة، وفي سائر النشاط البشريِّ في كل ما له علاقة بالنُّطق والكلام، والاستنباط واللغة، والإيماء والحركة والإشارة، وجميع ما له صِلَة بالألفاظ ومعانيها، والأدلة ومدلولاتها، قد انطوى على ذلك كلِّه واستوعبه وحَواه!


البُعد الدلالي للكلمة القرآنية:
إن البناء اللغويَّ للكلمة، والبُعدَ الدلالي لها في القرآن غيرُه في كلام الخلق، إن بناءها مُشبَع بالمعاني والدلالات الحقَّة، وهي مركبة على كل حقٍّ تحتمله؛ مُطابقةً وتضمُّنًا والتزامًا وغير ذلك، وهذه خاصيَّة القرآن دون غيره من كلام المخلوقين.

ويمكن القول بأنها طاقة مكثَّفة من المعاني والدلالات التي تحتاج إلى مَنْ يحرِّرها، ويستخرجها، ويكشف عنها.

وهذا مع التأكيد الجازم بأن حقيقة المعنى وتمامه لا يَعلمه على وجهه إلا الذي تكلَّم به سبحانه وتعالى، وقد أعلمَ الله تعالى نَبِيَّه عليه الصلاة والسلام بعلم ذلك، خلا ما اختصَّ به سبحانه دونه، ثم توزَّعَ علمُ ذلك في أصحابه كلٌّ بحسبه، وتلقَّته الأمة عن أصحابه، فإذا أجمعوا على معنًى في بعض آيِه، وأنه مرادٌ لله تعالى فهو الحقُّ والصواب إن شاء الله تعالى؛ لأنهم لا يُجمِعون على غير الحق والصواب.

والكلمة الواحدة واللفظة الواحدة في كتاب الله تعالى عبارة عن منظومةٍ متكاملة في استخداماتها ومَواردها، ويظهر هذا - بجلاء - بالتتبع والتدقيق، وبالمراجعة والملاحظة والتنقيح؛ فهي - أعني: الكلمةَ القرآنية - بنفسها لها معناها، وتؤدي معنًى في موضعها، كما أنها تؤدِّي دورها في سياقها، ثم تؤدي دَورًا آخر بانضمامها إلى غيرها في المواضع الأُخر، في نفس السورة أو في غيرها من السور، وهي بضميمة بعضها إلى بعض تتشكَّل كتَشَكُّل الألوان إذا امتزَج بعضها ببعض؛ فإنها كلما أُضيفَت إلى غيرها أعطَتْ معنًى جديدًا، كما يعطي اللونُ بامتزاجه مع غيره لونًا آخر وهكذا، وهي - أيضًا - كالماسَّة تتلألأ في يدك، كلما قلَبتَها وجَدْتَ لها بريقًا مختلفًا!

وهي - في تقرير مقاصدها - تتشكَّل بطريقةٍ أشبه ما تكون بنظام مخروطي لولبي يأخذ بعضها ببعض، ويلتفُّ بعضها حول بعض، حتى تلتقي وتنتهي - بمجموعها - إلى بؤرة محوريَّة، ونقطة محددة؛ هي التي تدور عليها مقاصد القرآن.


عادة القرآن في استخدام الألفاظ:
وهذا الذي أشرنا إليه آنفًا يكشف عن عادة القرآن في استخدام ألفاظه؛ لأن للقرآن عادة ونظامًا صارمًا في ذلك؛ يدركه من كانت له به خِبْرَة ومُرْنة، وتتُّبع ودُرْبة؛ وذلك يكون بملاحقة المفردة واللفظة في كل مورد من مواردها، ومعرفة مراد الله تعالى في كلٍّ منها، فإذا تواردَت على معنًى بعينه، واطَّرَد استعمالُها فيه صار هذا من معهودِ كلامه سبحانه وتعالى.

ويمكن أن يكون ذلك بضمِّ المفردات والألفاظ والجمل والتراكيب بعضها إلى بعض، وتركيب بعضها على بعض حتى يتَرشَّح نظمُه ونظامه عن عادته في استعماله، ومحامله على المعاني الصحيحة التي تحتملها والتي هي مرادةٌ لله تعالى من كلامه، وهذه كلُّها تشكِّل المظلة الجامعة التي تُفهَم مفرداتُ القرآن وكلماته وجمله في ضوئها وعلى هَديها، ولا ينبغي الخروج بالقرآن عن هذه المظلة من المعاني الجامعة؛ لأنه خروجٌ سيَشذ عن القرآن وعن مقاصده وأغراضه.

وخيرُ من جلَّى هذا المعنى، وكشف عن نظامه فيه العلامة ابن قيِّم الجوزية في كتابه "الصواعق المرسلة"، قال رحمه الله تعالى:
"فالمتكلم دالٌّ بكلامه، وكلامُه دالٌ بنظامِه؛ وذلك يُعرَف من عادة المتكلم في ألفاظه؛ فإذا كانت عادته أنه قصَد بهذا اللفظِ هذا المعنى، عَلِمنا متى خاطبَنا به أنه أراده من وجهين:
أحدهما: أن دلالة اللفظ مَبناها على عادة المتكلم التي يَقصدها بألفاظه؛ ولهذا استدلَّ على مراده بلُغته التي عادته أن يتكلَّم بها، فإذا عرَف السامعُ ذلك المعنى، وعرف أنَّ عادة المتكلم إذا تكلم بذلك اللفظِ أن يقصده؛ علم أنه مرادُه قطعًا، وإلا لم يُعلَم مراد المتكلم أبدًا وهو محال.

الثاني: أنَّ المتكلم إذا كان قصدُه إفهامَ المخاطَبين كلامَه، وعَلِم السامع من طريقته وصِفتِه أن ذلك قصدُه، لا أن قصده التلبيسُ والإلغاز؛ أفاده مجموعُ العِلْمَين اليقينَ بمرادِه ولم يشكَّ فيه، ولو تخلَّف عنه العلمُ لكان ذلك قادحًا في أحد العِلمين؛ إما قادحًا في عِلمه بموضوع ذلك اللفظ، وإما في علمه بعبارة المتكلم به، وصفاته، وقصده. فمتى عرَف موضوعه وعرف عادة المتكلم أفاده ذلك القطع".

وقال أيضًا في موضع آخر: "إنَّ معرفة مراد المتكلم تُعرف باطِّراد استعماله ذلك اللفظ في ذلك المعنى في مَجاري كلامه ومُخاطباته، فإذا أُلِف منه إطلاقُ ذلك اللفظ أو اطِّراده في استعماله في معنى أُلِف منه أنه متى أطلقه أراد ذلك المعنى وأُلِف منه تجريدُه في مَوارد استعمالِه من اقترانِ ما يدلُّ على خلاف موضوعه أفاد ذلك علمًا يقينًا لا ريب فيه لمراده".

الوحدة الموضوعية وعناصرها، ومقاصدها العظيمة:
هذا وكل سُورة في كتاب الله تعالى لها موضوعها ولها مقصودها، ويشترك في تكوين موضوعها ومقصودها عواملُ عدة، ومؤثراتٌ عدة؛ فتشترك الألفاظ وسياقاتها، والمفردات وتراكيبها، ونَظْمها ونِظامها، وفواصِلها وخواتيمها، ومخارج حروفها وأَصْواتها، ووقعها وإيقاعها في بدئها ووقفها، وغيرها من عناصرها؛ فهذه كلها يأخذ بعضها ببعض، ويتداخل بعضها ببعض، ويَنْعَجِنُ بعضها في بعض في نَظمٍ عجيب، وانسجام غريب؛ فتَخرج بوَحْدَتِها الموضوعية كأحسنِ ما تكون رَونقًا ونَسقًا واتِّساقًا، وثمَّة وحدة موضوعية، وعلاقة تلازُميَّة بين الدالِّ والمدلول، واللفظ والمعنى، والإشارة والموضوع؛ إنها الوَحدة والاتِّحاد في كل شيء يَعرفها أهل الذَّوق والوصل والمعرفة.

فمقاصد السورة تنتَظِم ذلك كلَّه، فتُبرز السورةَ الواحدة كأنها قطعةٌ واحدة، وموضوع واحد، خلافًا للنظرة السطحيَّة البسيطة التي تبدو لأول وهلة.

ولطالما ظهَر لنا أن لا علاقة بين الآية والتي تَليها، وقد يبدو لنا أن لا وُصْلة بين السِّباق واللِّحاقِ في نفس السياقِ، وقد نراها جملاً مفكَّكة، وأحرفًا مُقَطَّعَة، وآياتٍ متناثرةً لا ينتظمها نظام، ولا يلمُّها شيء؛ وإنما هذا من قلة علمنا، وضَعف بصائرنا، وإلا فلو تفتَّحَت قلوبنا، وقويت بصائرنا، وزالت عنها حجُب الإعراض والمعصية، وارتفعَت سُتور الشهوة والشبهة، وانجلت أغشيةُ الذهول والغفلة؛ لأبصَرنا التوحُّد والانسجام، والتشابك والالتحام، وظهرَت الوَحدة بأجلى صورها، وأقوى ملامحِها، كأنها قطعةٌ واحدة، متماسكة متعاضدة، متداخلة إلى حدٍّ بعيد، بل هي وَحدةٌ واحدة، تنتظمها علاقة عضوية، ووحدة موضوعيَّة؛ تأخذ بالألباب والعقول، وتبهر الأبصار والنفوس!

وكلما تواردَت الآيات على الأسماع، وتتابعت على الأذهان والقلوب والبصائر؛ بوعي وإدراك، وحضور قلب، وشهود أسماع، وباستمرار تلاوة، وملازمة تدبر، وتكرار - توحَّدَت المعاني، واتحدت المقاصد، وظهرت وَحدة السورة وتكاملها، كالقرص الدوار المتعدد الألوان كلما ازداد دورانه، وتتابعت على الأبصار ألوانه - تشكَّلَت أنواعه، واتحدت أشكاله، وصرتَ لا تراها إلا لونًا واحدًا، ونمطًا واحدًا، ونسقًا واحدًا، وموضوعًا واحدًا.

وإنَّما التشتُّت والتفرُّق لضعف البصائر، وذهول القلوب، وتشتتُ الأذهان لتشتتِ الهموم والقصود في غير مقصود الحقِّ ومَحالِّه، بعيدًا عن القرآن.

ويَظهر هذا التوحُّد في السورة الواحدة، فإذا ما انضَمَّت السورة إلى السورة، والموضوع إلى الموضوع، والمقصود إلى المقصود، وذاب بعضُها في بعض، وانصَهَر الكل في بوتقة واحدة، صِرْتَ ترى الأمور تتَّجه نحو وَحدةٍ كلية، ووحدة مقاصديَّة عامة يَنتهي إليها كلُّ شيء؛ هي التي تَرسُم مَعالم الحقِّ للوجود كلِّه في وحدة الغاية، ووحدة القصد، ووحدة الجهة، ووحدة الوجهة، ويتَمحوَر النظام المخروطي كلُّه حول نقطة الارتكاز التي يكون التوحيد فيها نهايةَ كل شيء، ومهيمنًا على كل شيء، فترى الله تعالى مُتَجَليًا بآثاره وآثار أسمائه وصفاته، ولا تبصر - في الوجود - إلا مظاهر ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو وحده - بلا شركة ولا شراكة - يَربُّ هذا الوجودَ الذي لا يقوم إلا به، ولا ترى إلا قيوميَّتَه التي أحاطت بكل شيء علمًا وقدرًا، وقدرةً وإرادةً، ولكنه يُقِيمُه في تكوينه وأقداره وأحكامه وأمره وخلقِه على نظام التوحيد الذي لا يَخرج منها شيءٌ عن تربيته وترتيبه وتدبيره! ولا عن حكمته ومقصوده، ولا عن شمول ربوبيَّته، وكمال ألوهيَّته، وتفرده وأحَديته، وتوحده وتوحيده؛ فتنتهي إليه العلوم والمعارف، والمقاصدُ والأحكام والشرائع، وكل شيء، وهي - كلها - تنطلق من تلكم البؤرة، وتشعُّ من تلكم النقطة؛ إلى كل الأنحاء، وفي كل الاتجاهات، في كلِّ ما بالحياة من نشاط وحركة؛ لتحيط بها، وينتظم - في ضوئها - شأنها وشؤونها، في صعودها ونزولها، وسموِّها وانحطاطها... فهذه الوحدة التي تراها في كتاب الله تعالى هي انعكاسٌ عن تلك الوحدة والوحدانية، وذلك التوحد والتوحيد!

فياللهِ ما أعظمها من معرفة لو وجَدت لها قلوبًا حيَّة، وآذانًا واعية؛ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].

ويالها من نعمة لمن حظيَ بها، ونالها، وظفر بها، وذاق حلاوتها، فهنيئًا ثم هنيئًا للعارفين!

ظهور المثال العلمي والصور الذهنية:
والمؤثِّرات - التي مرَّ ذكرها آنفًا - تشترك في تكوين الصور الذهنية للحقائق والمعارف، وتتجسَّد من خلالها المعاني، وتصنع لها صورًا ذهنيَّة حاضرة حضورًا عيانيًّا مشخصًا تبعث في القلوب حرارةَ الإيمان ودفء اليقين، وتدفع الوجدان دفعًا إلى الاتصال بربِّ السماء والانقياد له والقيام بموجبات الإيمان محبةً وإخلاصًا وتصديقًا.

ولعل هذه الصور الذهنية أو القلبية هي التي يُسمِّيها شيخ الإسلام ابنُ تيمية بالمثل الأعلى أو المثال العِلمي، وكلما قوي التصديقُ واليقين بآيات الله قوي التصور الذهنيُّ وصار كالحسِّ المشاهَد، قال رحمه الله تعالى: "وأما المؤمنون فإن الإيمان بالله ومعرفتَه ومحبته ونوره وهداه يحُلُّ في قلوبهم وهو المثل الأعلى والمثال العلمي... وكذلك كلامه في قلوب عباده المؤمنين...".

وظهور هذه في القلوب أشدُّ مِن ظهورها في الألفاظ والإشارات؛ أعني: أن ظهور حقيقةِ المدلول في القلوب أشدُّ وأقوى منه في الدلالة، ومعرفة أصحاب اليقين والمكاشَفة بهذا تُغنيهم عن الاستدلال له أو عليه؛ لأنَّ ظهورَه عندَهم كظهور نور الشمس للعيون، لكن هذه للأبصار، وتلك للبصائر، وللمعاني الشرعية - خصوصًا - ظهورٌ في القلوب لا يقلُّ عن ظهور المحسوسات للمُعايَنة إن لم يكن أشدَّ وأقوى، "ومعلومٌ أنَّ ما في القلوب من المثال العلميِّ المطابق للمعلوم أقربُ إليه من اللفظ، واللفظ أقرب من الخط، فإذا كان قد يُشار إلى اللفظ والخطِّ والمراد هو نفسه وإن لم يكن الخط واللفظ هو ذاته، بل به ظهر وعرف فلأَن يشار إلى ما في القلب ويُراد به المعروف الذي ظهر للقلب وتجلَّى للقلب وصار نورُه في القلب بطريق الأولى".

ولعلَّ انكشاف حقائق الوحي لأهل العلم والإيمان، وصيرورة المثال العلميِّ لها في القلوب والأذهان مطابقًا للمعلوم في نفس الأمر هو المشار إليه في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ [التكاثر: 5، 6]، وهو الذي أخبر به علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن نفسه بقوله: "لو كُشِفَ ليَ الحجاب ما ازددت يقينًا".

إنها ظهور حقيقة اللفظ في المعنى، والدلالة في المدلول، والعلم في المعلوم مطابقة ومشافهة؛ وهي مِن أعظم مراتب العلم والإيمان، ومن لم ينَله شيءٌ منها لم يعرف العلم، ولم يَذُق طعم الإيمان، وإنما فرح القلب وسروره بحسب ظهور ذلك وانكشافه له، ومَن لا فذلك المـُبعَد المحروم.


لا بد من الغوص في تدبُّره:
وكلما ازداد العبد غَوْصًا وعُمقًا في كلامه، تَكَشَّفَ له من أَسراره وحِكَمِه ومقاصدِه ما يكون به أسعدَ الخلق، وانفتَح له بابُ علمٍ وفَهم، وانفسحَتْ له فضاءاتٌ رَحبة، وآفاق واسِعة، لا قِبلَ لأحدٍ بها، إلا من أُوتيَ فَهمًا ووعيًا عن الله تعالى في مباشَرة قلبه لحقائق الوحي، والارتقاء بها في مراتب العلم واليقين والإيمان، حتى يشهد تلك الحقائقَ شُهودَ الحِسِّ والمشاهدة كما لو كانت رؤيا عيانية كما سبق الإشارة في ذلك إلى مصداقه من قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ [التكاثر: 5 - 7].

وهذه هي الحقائق التي تنقطع دونها الأعناق، وتُضرَبُ لها أكباد الإبل، ولو علم العبدُ ما في تحصيل ذلك وتحقُّقه من السعادة والسرور، واللذَّة والحبور؛ لانْصَبَّ جهده وسَعْيه كلُّه في تحصيلها، وانقطعَتْ أعماره كلها في طلبها وإدراكها.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة يصف حالَه في سجن القلعة - الذي كان آخر عهده به من الدنيا - وقد انفتحَت عليه المعارف القرآنية التي يتمنَّاها العلماء، والتي كان سروره وفرحه بتحصليها من أعظم ما يكون: "لقد فتَح الله عليَّ في هذا الحصن من معاني القرآن ما باتَ كثيرٌ من العلماءِ يَتمنَّونه، ولقدْ نَدِمت على تضييع كثيرٍ مِن عُمري في غيرِ مَعاني القرآن"، وهذا رجل ذاق وعَرَف، فهل مِنْ مُدَّكِر؟

إن عطاء القرآن مفتوح ممدود لمن تَشوَّف له ولمعانيه، وقد يَسَّره الله تعالى لمن طلبه، وجعله في متناول من تدبَّره، ينهل الجميع من آياته وعِبرَه، كلٌّ بِحَسَبه وقَدره، فمن ألقى الفكرة، وقلَّب النَّظْرة، واستشرف العِبرة ناله من تيسيره وفَهمه بحسبه؛ ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، قال مطَرٌ الورَّاق في هذا: "فهل مِنْ طالب علم فيُعانُ عليه؟!"، نعم، إنه مُيسَّرٌ لطالب العلم، وهو مُعانٌ عليه، وعلى فهمه، ((ومَن سَلَك طَريقًا يَلتَمسُ فيه عِلمًا سهَّل الله له به طَريقًا إلى الجنَّة)).

والطالب باحِث، والباحث لا بدَّ له من غوصٍ ما، والتدبُّر غوصٌ في معاني الوحي والكشف عن حِكَمِه ودلائله، وحقائقه وأسراره، وهو مفتاح الفهم والإدراك، ومن لا يتدبَّر فقد أغلق على قلبه بأقفال، وحال بينه وبين حقائقه ومعارفه بسُدود وأستار؛ ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].


إشارة إلى بعض قواعد الفهم:
وعليه فمَن رام الوصولَ إلى المقصود من ذلك؛ فلا بد من إعمال الفِكر، وتقليب النظر فيه المرةَ بعد المرة، والكرةَ بعد الكرة، والعودةَ والأَوبة، والتأملِ في الحرف والكلمة والجملة مراتٍ ومرات، وكرَّات وكَرات، والاستقراء والتحليل والربط بين سباقه ولحاقه، وبينه وبين كل ما له علاقة بالآية في غيرها من المواضع والسور، وبينها وبين الآثار النبويَّة، وآثار الصالحين من سلف هذه الأُمة، وضَمِّ بعضها إلى بعض حتى تجتمع المواردُ الواحدة، فتنكشف عن قواعدها العامة، وأُصولها الجامعة، وقضاياها الكلِّية، فتنتظم كلها في سلك واحد، ونسق واحد، ومورد واحد؛ وذلك لأن "مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسَب ما ثبت مِن كُلِّياتها وجزئياتها المرتَّبة عليها...".

وهذه بِدَورِها تشكل قواعد الفهم ومفاتيح القرآن في الكشف عن معانيه، وإدراك مقاصده ومبانيه؛ وهي التي في ضوئها وتحت مظلتها الجامعة الشاملة تُفهَم المفردات والجزئيات، فإذا ما أشكل منها موضع ما، فبِمُجرَّد أن تُستَحضَر تلك القواعد والأُصول، حتى ترى الإشكال قد زال، والوهم قد ارتفع واستحال.


وَحدَة الموضوع وتعدُّد الأسلوب:
هذا وقد روعي في القرآن أن تتعدَّد الطرق، وتتنوع الأساليب في تناول القضية الواحدة، وتقليبها على أكثر من وجه، وما ذاك إلا لأمرين:
أولهما: حتى يَتقرَّر أنها من مقرَّرات القرآن ومقاصِده.

ثانيهما: لاختلاف مَشارب الخلق في الإدراك، ومدى استشعارهم بالمعاني، وتحسُّسهم للمباني، فأُعطى كلُّ ذي مَشْرب حقَّه، ولِكل ذي طبع مُستحَقَّه، وراعى - في ذلك - الطبائعَ النفسية، والسجايا الخَلقية والخُلقية والجبِليَّة، أعطاها حظَّها بما يتناسب مع طبيعتها النفسيَّة والعقلية، والعوامل المؤثر فيها.

ولأجل ذلك استُخدِمَت كل المؤثرات اللغوية والنحوية والبلاغية، العقلية والعاطفية، وسائر ما يمكن أن يُثوِّر في الإنسان من مشاعر وأحاسيس وفي كافة الاتجاهات النفسية والذهنية، وحتى تحفز فيه قوة التأثر والانفعال والتفاعل مع هذا الخطاب الرباني الذي يراعي أحوال الخلق ومراتبَهم في كل ما بالإنسان من نقاط التأثُّر والاستجابة.

إن القرآن - بأساليبه المتنوعة - يسلِّط الكثير من الاستشعارات، ويُثَوِّر الكثير مِنَ الأحاسيس، ويُفعِّل الكثير من الآلات والأدوات النفسية والذهنية والعقلية والعاطفية والحسية باتجاه الانفعال بهذا الخطاب والتحسُّس به وإدراكه، وفهمه وتلقِّيه والاستجابة له والاستسلام له والانقياد لمقتضياته، ومن تسلطت عليه كل تلك الأحاسيس والاستشعارات ولم ينتفع بشيء منها؛ فلم ينفعل بها، ولم تؤثر فيه - فهذا مؤشر على تَبَلُّدِ أحاسِيسِه، وبرودة مشاعره، وجفاف عواطفه، وَقَساوة قلبِه حتى ضُرِبَ عليه بأغطية وأستار، وعلى سمعه بِصَمَمٍ وأثقال؛ فلا تراه يصغي لمواعظه، ولا ينصت لإنذاراته، فأَنَّى له الهداية وقد أُغلِقَ عليه - بإعراضِه وعِصيانه - منافذُها ومداخلها؟! ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57].


الخاتمة:
ويبقى القرآن أكبرَ من هذا، وأعظم منه، وأوسع، وكل ما قيل فيه ويقال يتَقاصر عن حقيقته، وإدراك كُنْهِه وسرِّه، ولن يَبلغ أحَدٌ من خلق الله تعالى قَدْرَه، مهما علا كعبُه، وارتفع مقامه وشرفه، ومهما أوتيَ من علم وفهم، وعقلٍ وإدراك، وحنكة وحذاقة؛ لأنه فوق طاقتهم، وفوق إدراكاتهم، وفوق علومهم ومعارفهم.

بحَسْب كل عالم وعلاَّمة، وفاهِمٍ وفَهَّامة، أن يلتقط منه ما يلتقطه الطائرُ الصغير من ماء البحر؛ لا لشيءٍ إلا لأنه كلام الله تعالى، وكلامه غير مخلوق، لا تحيط به عقول المخلوقين، ولا إدراكاتهم، ولا علومهم، بل إن علومهم كلها، ومعارفَهم كلها، وما فيها من حقٍّ وحقيقة - مردودةٌ إليه، ومنتهية إليه، وهي كلها - لو اجتمعَتْ - هَباءة في بُحور علومه وحقائقه.

ورغم ذلك كله فهو مُيَسَّر لمَن طلبه، وسَهلٌ على مَنْ تَدبَّره، وقريب على من تناوله، وسعى إلى دركِه وفهمِه؛ لكن ذلك في حدود الامتنان الرباني في الاطلاع على شيءٍ من علمه، ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء ﴾ [البقرة: 255].

أما الإحاطة المطلقة، والإطلالة الشاملة؛ فالشمس أقربُ للعبد من ذلك بكثير ﴿ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [سبأ: 52]، فهو سعيٌ في المحال، وضرب في الخيال، قال تعالى في ذلك: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، وقارن بين هذه وبين آية البقرة السابقة؛ يظهَرْ لك الفرق واضحًا بيِّنًا.

فسُبحان من جعل كلامه - غيرَ المخلوق - في متناول المخلوقين، وقرَّبَه إليهم، وأعانهم على فَهمه، وأطلعهم على بعض سِرِّه!

وسُبحان مَن باعَده في قُربه، وقرَّبه في بُعده؛ كشأنه في عَليائه قريبٌ من عباده، وللهِ الأمرُ مِن قبل ومِن بعد.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

الموضوع الأصلي: في رحاب القرآن الكريم || الكاتب: نسر الشام || المصدر: منتديات سهام الروح

كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مناضر, جوالات , حب , عشق , غرام , سياحه , سفر





 توقيع : نسر الشام

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع




Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها
ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009