تحقيق: راندا جرجس
يعد مرض دوالي المريء من الأمراض التي يعاني منها الذين يعانون مشكلات خطيرة بالكبد مثل التشمع والتليف، حيث إنه يستهدف الأوردة التي توجد بين الحلق والمعدة، ويشكل وجود الدوالي توسعاً واحتقاناً في الأوردة وعرقلة في تدفق الدم إلى الكبد، وهو ما ينجم عنه تعرض المصاب لنزيف مستمر ومزمن بحسب درجة الإصابة، وربما تتفاقم المضاعفات وتسبب الفشل الكبدي، وعلى الرغم من أن الأدوية والعمليات الجراحية مثل استئصال الأوردة التالفة أو ربط الدوالي يمكنهما حل المشكلة إلا أنه من الأمراض التي تعود مرة أخرى وتهاجم المريض، والجدير بالذكر أن دوالي المريء تصنف ضمن الأمراض التي تسبب الوفاة بنسبة كبيرة، وخصوصاً في المراحل المتقدمة من المرض.
يقول الدكتور سهيل كاظم استشاري الجراحة العامة: عندما يسمع الناس عن أمراض الدوالي، يخطر في تفكيرهم دوالي الساقين، وهو أحد الأمراض الشائعة بين الناس، والحديث الشاغل والمنتشر، لكن مرض دوالي المريء مختلف اختلافاً جذرياً عما سبق، لأنه يتركز في الجهاز الهضمي، ويعمل على عرقلة مجرى الدم الطبيعي إلى الكبد، لعدد من الأسباب، منها جلطة أو أنسجة ندبية في الكبد، ولتفادي هذه العرقلة، يتدفق الدم إلى الأوعية الأصغر غير المخصصة لحمل الكثير من الدماء، ويمكن للأوعية الدموية أن تسرب الدم أو تتمزق كذلك، مسببة نزفاً يهدد الحياة، ولذلك فإن هذه الدوالي هي أوردة متضخمة في المريء والمعدة، وتحدث هذه الحالة لدى الأشخاص الذين لديهم أمراض في الكبد بشكل خاص.
مسببات المرض
يوضح الدكتور سهيل أن المشكلة الأساسية التي تصادف الطبيب المعالج في هذه النوعية من الأمراض، عدم ظهور أعراض واضحة، أو علامات يستطيع من خلالها المريض الشعور بما يؤلمه، مثل الآلام أو مشكلات في البلع، حتى واٍن كانت كبيرة، ونستطيع القول: إنه أحد الأمراض الصامتة، لذا من الضروري مراقبة المريض بشكل مستمر وإجراء فحوص متكررة للمريء بواسطة منظار داخلي، أو بواسطة تصوير المريء، من أجل تشخيص وجود الدوالي، خاصة أن أي مريض يعاني من مشكلات الكبد، مُعرض لهذا النوع من الأمراض، كمضاعفات مرضية أو تأثيرات مباشرة.
يضيف: إن هذه النوعية من الأمراض لا تأتي للأشخاص الصحيحين بالمعنى الطبي، ولا تحدث لأسباب عرضية عادية، بل تأتي نتيجة لأمراض سابقة، وعلى الأغلب تكون سبباً لمجموعة من أمراض الكبد التي حدثت سابقاً للمريض، كعدوى التهاب وتليف الكبد ومرض دهون الكبد، واضطراب القناة الصفراوية، الجلطات الدموية التي تصيب الوريد البابي الأساسي الذي يتولى مهمة نقل الدم المحمل بالمواد الغذائية إلى الكبد، أو التي توجد في الوريد الذي ينقل الدم إلى الوريد الطحالي، وكذلك العدوى الطُفيلية، كالبلهارسيا التي توجد في عدد من دول إفريقيا أو أمريكا الجنوبية والكاريبي والشرق الأوسط وشرق آسيا، ويمكن لهذه الطُفيليات أن تدمر الكبد، علاوة على الرئتين والأمعاء والمثانة والأعضاء الأخرى.
طرق تشخيصية
يذكر الدكتور سهيل أن المصابين بدوالي المريء، يكونون مرضى سابقاً على الأغلب، لذا يبقى المريض تحت أنظار الطبيب، ويقدم له عدداً من الاختبارات بشكل متواصل، خوفاً من إصابته بهذه النوعية من الأمراض، وتشتمل على:
* الفحص بالمنظار، وهو التنظير الداخلي للجهاز الهضمي العلوي، ويعد الطريقة المفضلة لتشخيص دوالي المريء.
* اختبارات التصوير، إذ يمكن لكل من تصوير البطن بالأشعة المقطعية والتخطيط فوق الصوتي (دوبلر) للوريد الطحالي والوريد البابي إظهار وجود دوالي المريء.
* اختبارات الموجات فوق الصوتية الذي يُعرف باسم تخطيط المرونة العابر، وهو يقيس التليف الكبدي، قادرة على تحديد ما إذا كنت مصاباً بفرط ضغط الدم البابي، والذي يؤدي إلى ظهور دوالي المريء.
* تنظير الكبسولة وهو من الاختبارات التي لا يفضلها المريض، لكن تكون ضرورية في الفحص الدقيق، وخلال التنظير تصور المريء كبسولة في حجم كبسولة الفيتامين، وتحتوي على كاميرا دقيقة، وتمر خلال الجهاز الهضمي، وقد يكون هذا خياراً ملائماً لمن لا يستطيعون أو لا يرغبون في الخضوع للفحص بالمنظار، وهذه التكنولوجيا أكثر كلفة من التنظير العادي وليست متوفرة بنفس الدرجة، ويساعد هذا الفحص على اكتشاف دوالي المريء فقط ولا يعالجها.
فئات مستهدفة
يشير الدكتور كاظم السهلاني استشاري الأمراض الباطنية والجهاز العصبي إلى أن دوالي المريء هي أوردة محتقنة ومتوسعة في الغشاء المبطن للمريء ناتجة عن ارتفاع ضغط الدم في تلك الأوردة، وهو ما يؤدي إلى نزيف المعدة والمريء، تستهدف الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم في الجهاز البوابي، وليس ضغط الدم الشرياني الاعتيادي، نتيجة تشمع وتليف الكبد، حيث إن الدم ينقل الأوكسجين والغذاء إلى أجزاء الجسم المختلفة ومن ضمنها المعدة والأمعاء من خلال الشرايين، ثم يعود الدم بواسطة الأوردة إلى القلب بعد مروره وتنقيته في الكبد.
يكمل: يتألف الكبد الطبيعي السليم من نسيج إسفنجي مرن يسمح بمرور الدم خلاله بطريقة انسيابية وسلسة، ولكن عندما يحصل تبيّض أو تشمع في الكبد، فإنه يفقد هذه المرونة، ويصبح مرور الدم من خلاله أكثر صعوبة، وهو ما يؤدي إلى احتباس الدم في الوريد البوابي الذي ينقل الدم من المعدة والمريء والأمعاء إلى الكبد، ولهذا الوريد البوابي روافد كثيرة تحبس الدم في الأعضاء التي سبق ذكرها، ولهذا ينعكس الاحتقان في الوريد البوابي إلى روافده في المريء والمعدة، وهو ما يؤدي إلى توسع هذه الأوردة واحتقانها وتعرضها للانفجار والنزيف، ولذلك فإن الأشخاص الذين لديهم تشمّع في الكبد يكونون عرضة أكثر من غيرهم للإصابة بالدوالي.
علامات بارزة
يبين الدكتور السهلاني أن الإصابة بدوالي المريء يرافقها نزيف المعدة والأمعاء، وربما يكون ذلك بصورة تقيؤ دم مائي أو أحمر متخثر يشبه القهوة، وهو ما يؤدي إلى مضاعفات خطرة، ونزيف عن طريق الأمعاء (المخرج)، ونقص أو فقر الدم نتيجة نزيف طويل الأمد، مثل عدم القدرة على التركيز، وضيق التنفس أثناء المشي والدوار، وفي بعض الأحيان لا تؤدي دوالي المريء إلى أعراض معينة، وإنما تُكتشف بعد تنظير المعدة والمريء، وأحياناً يعاني المريض من مضاعفات نفسية أو عصبية، وذلك لفقدان الكبد وظيفة من وظائفه، وهي تخليص الجسم من المواد السامة التي تأخذ طريقها إلى المخ.
نصائح وقائية
يؤكد الدكتور السهلاني أن العلاج يكون بمعالجة المسببات وحقن الدوالي أو ربطها عن طريق المنظار، وفي بعض الأحيان نلجأ إلى عملية زراعة الكبد، ولتقليل فرص الإصابة ننصح بتجنب المسببات الآتية:
* المحافظة على الوزن المثالي للشخص باتباع الرياضة والحمية الغذائية.
* أخذ التطعيمات اللازمة.
* الامتناع عن المشروبات الكحولية.
* اتباع الطرق الصحية في التعامل مع الأدوات الملوثة.
مضاعفات متعددة
يشير الدكتور آمال بريمشاندرا أبادياي استشاري أمراض الكبد والجهاز الهضمي إلى أن النزيف يمثل إحدى أكثر المضاعفات إفزاعاً عند الإصابة بدوالي المريء، وعندما يحدث ذلك يخسر المريض الدم بوتيرة منذرة بالخطر، وفي بعض الأحيان تكون المضاعفات شديدة لدرجة أنها ربما تتسبب بالانهيار أو حتى الموت، ويعتبر النزيف من دوالي المريء من المضاعفات المخيفة، كما أنه يعرض المريض لخطر الموت بنسبة عالية، وهناك 15% من المرضى الذين يعانون من النزيف يستسلمون لمرضهم في غضون شهر، ويمكن علاج معظم المرضى بشكل فعال واستئصال دوالي المريء، ولكن ربما تعود الإصابة مرة أخرى، ولذلك من الضروري إبقاء جميع أولئك المرضى تحت المراقبة النشطة، وتتطلب إعادة إجراء الفحص بالمنظار بشكل دوري.
يضيف: تكون وتيرة إجراء هذا الفحص بالمنظار أعلى في البداية، وبالنسبة للمرضى الذين يبلون جيداً، فإنه يمكن خفض هذه الوتيرة لاحقاً بمعدل فحص واحد كل عام، أما الذين لوحظ لديهم تكرار الإصابة بدوالي المريء، فإنه يجدر توفير العلاج الوقائي لهم مع الربط لمنع النزيف، ويمكن لأدوية محددة أيضاً المساعدة في إبقاء الضغط على الوريد البابي منخفضاً، بحيث يمكن تقليل احتمالات الإصابة مجدداً بدوالي المريء.
علاجات حديثة
يذكر الدكتور أبادياي أن دوالي المريء تحدث عادة عند المرضى الذين يعانون من مرض كبدي مزمن، وينبغي مراقبة جميع المرضى الذين جرى تشخيص إصابتهم بتليف الكبد للتأكد من عدم وجود دوالي المريء، وأولئك الذين لديهم دوالي شديدة الخطورة ينبغي عليهم الحصول على الوقاية الأولية، وتكون بمساعدة أدوية محددة تُدعى «مثبطات بيتا»، حيث إن بعض المرضى المعرضين بنسبة أعلى لخطر النزيف من دوالي المريء يمكن إجراء التنظير الداخلي لهم والربط كوسيلة لمنع النزيف الذي تترتب عليه عواقب وخيمة، ويعد علاج دوالي المريء موجهاً بشكل رئيسي إلى الوقاية من المرض، ويمكن علاج نزيف دوالي المريء تنظيرياً أو إشعاعياً أو جراحياً.
ربط الدوالي
تستهدف دوالي المريء الرجال والنساء على حد سواء، ويعد العلاج الأفضل للسيطرة على هذا المرض هو عملية ربط الدوالي التي تطورت في السنوات الأخيرة باستخدام التنظير الداخلي، حيث إنها تقلل نسبة حدوث المضاعفات والسيطرة على النزيف الذي يعد أكثر المخاطر التي تهدد مريض دوالي المريء، خاصة أنها تعتمد على ربط شريط مطاطي حول جزء من الوريد المتضرر.
كما أن حدوث المضاعفات يكون بسيطاً، وكذلك نسبة الإصابة بالعدوى الجرثومية في المعدة أو الرئة.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف
دوالي المـريء.. مضاعفات خطرة بلا أعراض
العرض العادي
