وعَن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن في الجَنة بابًا يُقال له: الرَّيان، يَدخلُ منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخُل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِقَ فلم يدخل منه أحَدٌ))؛ متفق عليه.
يا لروعة ليالي وأيام رمضان القادمة! ويا حُسنها! فقليل - والله - في حقِّها الاستعداد الضعيف لها، وبَخْس لمكانتها عدم استقبالها بما يليق بها، وما أَحسنَ - إن لم يكن أساء - مَن يستعدُّ لها بأصناف الطعام ولذيذ الشراب، ويغفُل أو يتغافل عن إعداد القلب وتهيئة النفس.
فالصائم في ساعات رمضان ودقائقه في رَوح وريحان، يتقلَّب بين رياضها مُتنقِّل من نعيم لآخر، ومن حديقة لأخرى، من حدائق الطاعات وجِنان القُربات.
فالمؤمن إن عاش بقلبه ورُوحه مع (الصيام) نسي الأنام واشتاق إلى لقاء الرحمن، ورفرف فؤاده نحو الجِنان، وخاصة إن وقف يَصُف في (القيام)، وبادَر إلى (الإنفاق) وجعل قوته (القرآن) عليه يُصبِح ومعه يُمسي.
رياض الصائمين في رمضان نعيم مقيم، المحروم مَن فرَّط في التجول في غُرَفها ودرجاتها وأروقتها، والمضيِّع من لم يصقل سلاح (الدعاء) ويُبرِزه، فهنا تظهر قوَّته وتَبرُز مكانته، ويَسهُل استخدامه.
رياض الصائمين كلها متعة وروعة وراحة واطمئنان، أينما وجَّه الصائم فيها وجهه وجد حياة القلب وغذاء الرُّوح ووقود الإيمان، ففيها ما لا يُكتب بقلم، ولا يُوصف بعين، من الهدى والنور ورفرفة القلوب وصفاء الروح ورونق الحياة؛ إذ كلها لله، وما أحلى وأعظم وأنبل من أن تكون كلُّك لله - تبارك وتعالى.
ابتداءً من روضة (السحور) الروضة المبارَكة ومع نسائم دعوات السَّحر وقوة الشعور بالوَحدة والألفة في (صلاة الجماعة) والعيش بين آيات الكتاب بحادي (الصبر)، وقوة اليقين بما عند الله من الأجر والثواب، يُعلِن العبد فيه اعترافًا و(توبة) صادقة يَغسِل بها سوادَ صفحته ليُولَد من جديد بفقهٍ للحياة جديد، مقتبِسًا من نور رمضان (حُسْن الخلق)، سالكًا طريق (الاتباع) لأحسن الخَلْق -صلى الله عليه وسلم- يتقلَّب متنعِّمًا بين الروضات الرمضانية الإيمانية؛ ففي (ساعة الإفطار) يشدو فَرِحًا، ويتعلم الفرح للطاعة اختتامًا وابتداءً، وفي طول (السجود) يرتفع تعلُّقه بخالقه فيتوجَّه إليه بكليَّته تاركًا هموم الأنفس ومبرِّرات (الأعذار) الواهية التي تعوقه عن اعتكاف قلبه لربه ما بقيت فيه حياة، فلا يزال في استمرار واقتداء واهتداء وبحث عن كل طريق يوصِله بربه - سبحانه وتعالى - فيجتهد في الشهر من أوَّله، ثم يَزيد في (العشر) متحرِّيًا (ليلة القدر)؛ ليَفُوز بأعظم الأجر ويزداد قربًا، ويسعى مَن تيسَّر له لنيل حُجَّة مع أفضل الخلق بتأدية (عمرة في رمضان)، ويبقى يحدو ويشدو بالطاعات من روضة إلى أخرى، وقلبه يمتلئ محبة وإيمانًا (وأخوة للمؤمنين)، فيقوى انتماؤه لهم، ويتمنَّى لهم ما يتمنَّى لنفسه من الخير، وهو يشعر أنه بهم وأنهم به، فيتمسَّك بأخوة دافعها الإيمان، وقد رأى حياة المجتمع الحقيقية (وعمارة المساجد) فيسابِق الريح نحو التعاون على البِر والتقوى، ويتعدَّى الألم فيتألم قبل صاحبه؛ لقوة شعوره بأخوَّتِه، ثم يختم نور شهره بضياء (صدقة الفطر)؛ ليُدخِل السرورَ على بعض جسده من إخوانه في يوم عيدهم، ليُذيب ما بقي من رواسب عصبيات وجاهليات؛ فتصفو المحبة ويزدان الشهر، ويُختَم كما بدأ لله فيكون كله لله.
رياض الصائمين رياض خير وبركة من أوَّل الشهر إلى آخره، فيها مُتعة الرُّوح وحياة القلب، يحصُد فيها ومنها الصائمون الحسنات بما لا يُحَدُّ ولا يُعَد؛ إذ تولَّى المعبود بالحق - عز وجل - مكافأة الصائمين، فلا تَصِف ولا تسأل؛ فالمعطي كريم، ولا يُسأل عما يفعل.
اللهم وفِّقنا لصيام رمضان وقيامه على الوجه الذي يُرضيك عنا، وكن معنا حيث كنا.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف