المراد بالآيات:
المراد بالآيات هنا: هو القرآن العظيم، في قول عامَّة المفسِّرين.
ولذلك رجع الضَّمير إلى هذه الآيات مُذكَّراً في قوله: ﴿ أَنْ يَفْقَهُوهُ ﴾ أي القرآن المُعبَّر عنه بالآيات.
فالله تبارك وتعالى يُخبر أنه لا أعظمَ ظلماً، ولا أكبرَ جُرماً، من عبدٍ ذُكِّرَ بآيات الله تعالى وبُيِّن له الحقُّ من الباطل، والهدى من الضَّلال، وخُوِّف ورُغِّب ورُهِّب، فأعرض عنها، ولم يتذكَّر بما ذُكِّر به، ونسي ما قدَّمت يداه من الكفر والمعاصي ولم يتفكَّر في عاقبتهما.
فهذا أعظم ظلماً من المُعْرِض الذي لم تأته آيات الله ولم يُذكَّر بها؛ لكون العاصي على بصيرة وعلم، أعظم جُرماً مِمَّن ليس كذلك. ولذلك عاقبهم الله تعالى - بسبب إعراضهم عن القرآن العظيم - بأنْ سَدَّ عليهم أبواب الهداية، وجعل على قلوبهم أكنَّةً، وهي الأغطية المُحْكَمة التي تمنعهم من أن يفقهوا الآيات وإنْ سمعوها، فليس في إمكانهم الفقه الذي يصل إلى قلوبهم، وكذلك جَعَل في آذانهم وَقْراً، أي: صمماً يمنعهم من وصول الآيات، ومن سماعها على وجه الانتفاع.
فإذا كانوا بهذه الحال، فليس لهدايتهم سبيل، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾.
ففي هذه الآية من التَّخويف لمن ترك الحقَّ بعد عِلمه، أنْ يُحال بينه وبينه، ولا يتمكَّن منه بعد ذلك، ما هو أعظم مُرهِّب وزاجر عن ذلك.
شبهة:
فإنْ قال قائل: إذا كانوا لا يستطيعون السَّمعَ ولا يفقهون؛ لأنَّ الله تعالى جعل الأكنَّةَ المانعة من الفهم على قلوبهم، والوَقْرَ المانع من السَّمع في آذانهم. فما وجه تعذيبهم على شيء لا يستطيعون العدول عنه والانصراف إلى غيره؟
ردُّها:
إنَّ الله تبارك وتعالى بيَّن في آيات كثيرة من كتابه العظيم: أنَّ هذه الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم - كالختم، والطَّبع، والغشاوة، ونحوها - إنَّما جعلها عليهم جزاء وفاقاً، لِمَا بادروا إليه من الكفر، وتكذيب القرآن باختيارهم، فأزاغ الله قلوبهم بالطَّبع، والأكنَّة، ونحوها، جزاء على كفرهم.
فمن الآيات الدَّالة على ذلك قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5]. فهذا دليل واضح على أنَّ سبب إزاغة الله قلوبهم هو زيغهم السَّابق. وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [المنافقون: 3]، وقوله تعالى: ﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].
فهذه الآيات وأمثالُها فيها وجهان معروفان عند العلماء:
أحدهما: أنها في الذين سبق لهم في علم الله أنهم أشقياء، عياذاً بالله تعالى.
الثَّاني: المراد أنَّهم كذلك ما داموا متلبِّسين بالكفر؛ فإنْ هداهم الله إلى الإيمان وأنابوا، زال ذلك المانع. وقد رجَّح الشَّنقيطي - رحمه الله - الأوَّلَ.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف