الدِّيَة لغة: مصدر ودى القاتلُ القتيل يديه دية إذا أعطى له المال الذي هو بدل النفس، أو الطرف، أصلها: وِدْيَةٌ؛ فالهاء بدل من الواو المحذوفة، كالعِدَة من الوعد، تقول: وَدَيْتُ القتيل أَدِيهِ دِيَةً، إذا أعطيت دِيَته، و: اتَّدَيْتُ، أي أخذت ديته، جمعها دِيات[1].
الدية شرعا:
عرفتها الحنفية: بأنها المال الذي هو بدل النفس، أو الطرف[2].
وعرَّفتها المالكية: بأنها مال يجب بقتل آدمي حُرٍّ عن دمه، أو بجرحه مقدرًا شرعًا لا باجتهاد[3].
وعرفتها الشافعية: بأنها المال الواجب بجناية على الحر في النفس، أو فيما دونها[4].
وعرفتها الحنابلة: بأنها المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية[5].
نستنتج من هذه التعريفات أن الدية اسم للمال الذي يُدفع إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية.
وجه الدلالة: حثت الآية الكريمة أولياء المقتول على العفو، أو قبول الدية بالمعروف، فقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ هي الدية أن يحسن الطالب الطلب، وأن يحسن المطلوب الأداء[7]، فدل ذلك على مشروعية الدية.
أما السنة النبوية:
1- فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ»[8].
وجه الدلالة: خيَّر النبي صلى الله عليه وسلم ولي المقتول إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ فداءه وهي الدية[9]، فدل ذلك على أن الدية مشروعة، وأن الاختيار في أخذ الدية أو القصاص راجع إلى ولي القتيل ولا يشترط في ذلك رضا القاتل[10].
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ، وَالْعَصَا، مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ: مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِ أَوْلَادِهَا»[11].
وجه الدلالة: بيَّن هذا الحديث دية شبه العمد، وأنها مغلظة: مائة من الإبل، منها أربعون في بطون أولادها[12]، فدل على مشروعية الدية.
3- عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمكَتَبَ كِتابًا فيهِ: «وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ»[13].
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة تستغني بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه التواتر في مجيئه؛ لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة[14].
وجه الدلالة: بيَّن هذا الحديث مقدار الدية، وهو مائة من الإبل، فدل على مشروعيتها[15].
أما الإجماع:
فقد اتفق أهل العلم على وجوب الدية في الجملة[16].
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم قاطبة على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: «لم أعلم مخالفا من أهل العلم قديما ولا حديثا في أن دية المرأة نصف دية الرجل، وذلك خمسون من الإبل»[17].
وقال الطبري رحمه الله: لا خلاف بين جميع أهل العلم في دية المؤمنة على النصف من دية المؤمن إلا من لا يعتد بخلافه[18].
وقال ابن المنذر رحمه الله: أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل[19].
وحكاه العيني رحمه الله عنه[20].
وقال ابن عبد البر رحمه الله: أجمع العلماء على أن دية المرأة نصف دية الرجل[21].
وحكاه العيني رحمه الله عنه[22].
وحكى ابن قدامة رحمه الله الإجماع عن ابن المنذر، وابن عبد البر، ثم قال: وحكى غيرهما عن ابن عُلَيَّة، والأصم، أنهما قالا: ديتها كدية الرجل، وهذا قول شاذ، يخالف إجماع الصحابة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم[23].
وقال رحمه الله: أما ديات نسائهم فعلى النصف من دياتهم، لا نعلم في هذا خلافا[24].
وقال السرخسي «ت 483هـ» رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن بدل نفس المرأة على النصف من بدل نفس الرجل[25].
وقال العمراني رحمه الله: دية المرأة نصف دية الرجل، وهو قول كافة العلماء إلا الأصم، وابن عُلَيَّة، فإنهما قالا: ديتها مثل دية الرجل[26].
وقال رحمه الله: روي عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم قالوا: دية المرأة نصف دية الرجل، ولا مخالف لهم في الصحابة رضي الله عنهم، فدل على أنه إجماع[27].
وقال ابن هبيرة رحمه الله: أجمع الأئمة الأربعة على أن دية المرأة الحرة في نفسها على النصف من دية الرجل الحر المسلم[28].
وقال الكاساني رحمه الله: «وإن كان أنثى فدية المرأة على النصف من دية الرجل لإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنه روي عن سيدنا عمر، وسيدنا علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت رضوان الله تعالى عليهم أنهم قالوا في دية المرأة: إنها على النصف من دية الرجل، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد، فيكون إجماعا»[29].
وقال ابن رشد رحمه الله: «أما دية المرأة فإنهم اتفقوا على أنها على النصف من دية الرجل في النفس فقط»[30].
وقال القرطبي رحمه الله: «وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل»[31].
واستدلوا بإجماع الصحابة؛ فقد صح عن عمر[32]، وعثمان[33]، وعلي[34]، وابن عمر[35]، وابن عباس[36]، وابن مسعود[37]، وزيد بن ثابت[38] رضي الله عنهم.
التعليل:
لأن المرأة في ميراثها، وشهادتها على النصف من الرجل، فكذلك في ديتها[39]، وهذا في دية الخطأ فقط، وأما العمد ففيه القصاص بين النساء والرجال[40].
قول شاذ:
خالف الإجماع ابن عُليَّة، والأصم، فقالا: دية المرأة كدية الرجل، وهذا قول شاذ، يخالف إجماع الصحابة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ»[41]، وهذا الحديث لا أصل له.
يتضح مما تقدَّم أن دية المرأة على النصف من دية الرجل بإجماع أهل العلم.
والحكمة في ذلك أن المرأة لما كانت أنقص من الرجل، والرجلُ أنفع منها، ويسدُّ ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات، وحفظ الثغور، والجهاد، وعمارة الأرض، وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتها مع ذلك متساوية وهي الدية؛ فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال، فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته؛ لتفاوت ما بينهما[42].
[1] يُنْظَر: الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة «ودي»، والفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة «ودي».
[2] يُنْظَر: الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، (6/ 126)، والحصفكي، الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، صـ (711)، وابن عابدين، حاشية ابن عابدين «رد المحتار على الدر المختار»، (6/ 573).
[3] يُنْظَر: ابن عرفة، المختصر الفقهي، (10/ 82)، والعدوي، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، (2/ 298).
[4] ينظر: زكريا الأنصاري، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، (4/ 47)، والشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 502).
[8] متفق عليه: أخْرجَهُ البخاري (2434)، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، ومسلم (1355)، كتاب الحج.
[9] يُنْظَر: النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم، (9/ 129).
[10] يُنْظَر: العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (24/ 44).
[11] حسن: أخْرجَهُ أبو داود (4547)، باب في دية الخطإ شبه العمد.
[12] الخطابي، معالم السنن، (4/ 26).
[13] صحيح: أخْرجَهُ النسائي (4853)، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، واختلاف الناقلين له، والكبرى (7029)، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، واختلاف الناقلين له، وصححه ابن حبان والحاكم والدارقطني. [يُنْظَر: ابن حجر العسقلاني، الدراية في تخريج أحاديث الهداية، (2/ 276)].
[14] يُنْظَر: ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، (17/ 338-339).
[15] يُنْظَر: الصنعاني، سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، (7/ 42).
[16] يُنْظَر: ابن المنذر، الإجماع، (717، 734)، وابن حزم، مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، صـ (140)، وابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (2/ 560)، وابن قدامة، المغني، (12/ 5)، والشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 502)، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (5/ 295).
[17] الشافعي، الأم، (7/ 261).
[18] يُنْظَر: الطبري، تفسير الطبري، (7/ 321).
[19] يُنْظَر: ابن المنذر، الإشراف على مذاهب العلماء، (7/ 395)، والإجماع، (733).
[20] يُنْظَر: العيني، البناية شرح الهداية، (13/ 169).
[21] يُنظَر: ابن عبد البر، الاستذكار، (8/ 67)، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، (17/ 358)
[22] يُنْظَر: العيني، البناية شرح الهداية، (13/ 169).
[23] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (12/ 56).
[24] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (12/ 53).
[25] يُنْظَر: السرخسي، المبسوط، (26/ 79).
[26] يُنْظَر: العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي، (11/ 494).
[27] السابق، (11/ 495).
[28] يُنْظَر: ابن هبيرة، إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم، (2/ 305).
[29] الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (7/ 254).
[30] ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (2/ 566).
[31] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (5/ 325).
[32] يُنْظَر: ابن أبي شيبة، المصنف في الأحاديث والآثار، (27496).
[33] يُنْظَر: ابن عبد البر، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، (8/ 66).
[34] يُنْظَر: عبد الرزاق، مصنف عبد الرزاق، (17760)، والطحاوي، مختصر اختلاف العلماء، (5/ 106)، وابن عبد البر، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، (8/ 65).
[35] يُنْظَر: العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي، (11/ 495).
[36] السابق، (11/ 495).
[37] يُنْظَر: عبد الرزاق، مصنف عبد الرزاق، (17760، 17761)، وابن أبي شيبة، المصنف في الأحاديث والآثار، (27497)، والطحاوي، مختصر اختلاف العلماء، (5/ 106)، وابن عبد البر، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، (8/ 65).
[38] يُنْظَر: ابن أبي شيبة، المصنف في الأحاديث والآثار، (27497).
[39] يُنْظَر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، (17/ 358)، والكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (7/ 254).
[40] يُنظَر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، (17/ 358).
[41] يُنْظَر: العمراني، البيان في مذهب الإمام الشافعي، (11/ 494)، وابن قدامة، المغني، (12/ 56).
[42] يُنْظَر: ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، (3/ 418).
شكراً على طرحك الطيب
الله يعطيك ألف عافيه لمجهودك
حماك الرب على حسن التميز هنا
ماننحرم من جمال طرحك
بـ نتظـآر آلمزيد من تميزك الرائع
و دام عطائك المميز
سهام الروح
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف