{ الْحَمْدُ للَّهِ }
[هو] الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل, فله الحمد الكامل,
بجميع الوجوه.
{ رَبّ الْعَـالَمِين }
الرب, هو المربي جميع العالمين
-وهم من سوى الله- بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات,
وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة,
فمنه تعالى.
وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة:
هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم,
وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
وحقيقتها:
تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر
في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.
فدل قوله:
{ رَبّ الْعَـالَمِين }
على انفراده بالخلق والتدبير والنعم, وكمال غناه,
وتمام فقر العالمين إليه,
بكل وجه واعتبار.
المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى, ويثيب ويعاقب, ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات,
وأضاف الملك ليوم الدين,
وهو يوم القيامة,
يوم يدان الناس فيه بأعمالهم, خيرها وشرها, لأن في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته,
وانقطاع أملاك الخلائق.
حتى [إنه] يستوي في ذلك اليوم, الملوك والرعايا والعبيد والأحرار.
فكأنه يقول:
نعبدك, ولا نعبد غيرك,
ونستعين بك, ولا نستعين بغيرك.
وقدم العبادة على الاستعانة,
من باب تقديم العام على الخاص,
واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده.
و [ العبادة]
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه
من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
و [ الاستعانة ]
هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع,
ودفع المضار,
مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة به
هو الوسيلة للسعادة الأبدية,
والنجاة من جميع الشرور,
فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.
وإنما تكون العبادة عبادة,
إذا كانت
مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقصودا بها وجه الله.
فبهذين الأمرين تكون عبادة,
وذكر [ الاستعانة ] بعد [ العبادة ] مع دخولها فيها,
لاحتياج العبد في جميع عباداته
إلى الاستعانة بالله تعالى.
فإنه إن لم يعنه الله,
لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر,
واجتناب النواهي.
وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم,
وصحة ما جاء به،
فقال: { وإن كنتم } معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته,
الزاعمين كذبه في شك واشتباه مما نزلنا على عبدنا,
هل هو حق أو غيره ؟
فهاهنا أمر نَصَفٌ، فيه الفيصلة بينكم وبينه،
وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم
وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, لا يكتب ولا يقرأ،
فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله,
وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه،
فإن كان الأمر كما تقولون,
فأتوا بسورة من مثله,
واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم,
فإن هذا أمر يسير عليكم،
خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة والعداوة العظيمة للرسول،
فإن جئتم بسورة من مثله فهو كما زعمتم,
وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز,
ولن تأتوا بسورة من مثله،
ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنـزل معكم،
فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه
وصدق ما جاء به, فيتعين عليكم اتباعه,
واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة],
أن كانت وقودها الناس والحجارة,
ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب,
وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله.
فاحذروا الكفر برسوله, بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.
وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي,
وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن،
وكيف يقدر المخلوق من تراب, أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟
أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل, الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟
هذا ليس في الإمكان, ولا في قدرة الإنسان،
وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام, إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء,
ظهر له الفرق العظيم.
وفي قوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } إلى آخره,
دليل على أن الذي يُرجى له الهداية من الضلالة:
[هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال،
فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق.
وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه,
فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له,
لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه.
وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق,
بل هو معرض غير مجتهد في طلبه,
فهذا في الغالب أنه لا يوفق.
وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم,
دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم,
قيامه بالعبودية,
التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين.
كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء،
فقال: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ }
وفي مقام الإنزال،
فقال: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ }
وفي قوله: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ونحوها من الآيات,
دليل لمذهب أهل السنة والجماعة
أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة،
وفيها أيضا,
أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار,
لأنه قال: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }
فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها,
لم تكن معدة للكافرين وحدهم،
خلافا للخوارج والمعتزلة.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف