الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيسمع المسلم في يومه وليلته الكثير من الأخبار، فمن صدَّق كلَّ ما سمع، ونشر كلَّ ما علِم، أوقَعه ذلك في محاذير وأخطاء، قد تعود عليه أو غيره، بالضرر في الدنيا والآخرة؛ لأن تلك الأخبار فيها ما لا حقيقية له، بل هو كذب وإشاعات، والشائعات يجب عدم تصديقها وإن كثر ناقلوها، إن لم يكون مرجعها إلى أمر حسي صحيح، ففي حادثة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنتُ أنا وجار لي نتناوب النزول على النبي، فنزل صاحبي يومًا، فرجع إلينا عشاءً، فضرب بابي ضربًا شديدًا، ففزعت فخرجت إليه، فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربةً فاعتزل فيها، فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة، فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم بعضًا، فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام: استأذن لعمر، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا قائم: يا رسول، أطلَّقت نساءك؟ فرفع إليَّ بصره فقال: لا، فقلت: الله أكبر؛ [أخرجه البخاري].
قال الشيخ الدكتور؛ إبراهيم بن عبدالله اللاحم: الأخبار التي تُشاع ولو كثر ناقلوها إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع، لا تستلزم الصدق، فإن جزم الأنصاري في رواية بوقوع التطليق، وكذا جزم الناس الذين رآهم عمر عند المنبر بذلك محمول على أنهم شاع بينهم ذلك، من شخص بناءً على التوهم الذي توهَّمه من اعتزال النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فظنَّ لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهنَّ، فأشاع أنه طبقهن، فشاع ذلك فتحدث الناس به، وأخلق بهذا الذي ابتدأ بإشاعة ذلك أن يكون من المنافقين.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه في مغاضبة كانت بينه وبينهنَّ، فقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فجاء عمر رضي الله عنه، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلما قال: لا، كبَّر فرحًا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يُطلِّق نساءه، وتعجُّبًا أيضًا مما أشاع الناس؛ لأن الناس يشيعون أشياءَ لا حقيقة لها.
فالأخبار التي لا حقيقة لها التي يتناقلها الناس، وهي ما يسمى بالشائعات، ينبغي الحذر من تصديقها وإن كثر ناقلوها، فالكثرة لا تعني الصحة، فهنيئًا لمن كان بعيدًا عن القيل والقال، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله كرِه لكم قيل وقال؛ [متفق عليه]، فكثرة القيل والقال والتحديث بكل ما يسمع الإنسان، تجعله يقع في الكذب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع)؛ [ أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه]، قال الإمام النووي رحمه الله: فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان، فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لأخباره بما لم يكن.
اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري، ومن شرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي، اللهم اجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي قلبي نورًا، وفي لساني نورًا.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف