شرح حديث أبي سعيد الخدري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها
شرح حديث أبي سعيد الخدري:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه عرَفناه في وجهه؛ متفق عليه.
قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ثم ذكر النووي رحمه الله في باب الحياء وفضله فيما نقله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءً من العذراء في خدرها.
العذراء: هي المرأة التي لم تتزوج، وهي أشد النساء حياء؛ لأنها لم تتزوج ولم تعاشِر الرجال، فتجدها حيية في خدرها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشدُّ حياء منها، ولكنه صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره عُرِف ذلك في وجهه، يتغير وجهه لكن يستحي عليه الصلاة والسلام.
وهكذا ينبغي للمؤمن أن يكون حييًّا لا يتخبط، ولا يفعل ما يخجل، ولا يفعل ما ينتقد عليه، ولكن إذا سمع ما يكره أو رأى ما يكره فإنه يتأثر، وليس من الرجولة ألَّا تتأثر بشيء؛ لأن الذي لا يتأثر بشيء هو البليد الذي لا يحس، لكن تتأثر ويمنعك الحياء أن تفعل ما يُنكَر، أو أن تقول ما ينكر.
ثم إن الحياء لا يجوز أن يمنع الإنسانَ من السؤال عن دينه فيما يجب عليه؛ لأن ترك السؤال عن الدين فيما يجب ليس حياءً، ولكنه خوَر، فالله سبحانه وتعالى لا يستحي من الحق، قالت عائشة رضي الله عنها: "نِعْمَ النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"، فكانت المرأة تأتي تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء الذي يستحي من ذِكرِه الرجالُ، فلا بد أن يسأل الإنسان عن دينه ولا يستحي.
ولهذا لما جاء ماعز بن مالك رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، جاء يُقِرُّ بالزنا يقول: إنه زنى، فأعرَض عنه النبي عليه الصلاة والسلام، ثم جاء ثانية وقال: إنه زنى، فأعرض عنه، ثم جاء ثالثة وقال: إنه زنى، فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يتوب فيتوب الله عليه، فلما جاء الرابعة ناقشه النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((أبك جنون؟))، قال: لا يا رسول الله، قال: ((أتدرى ما الزنا؟))، قال: نعم، الزنا أن يأتي الرجل من المرأة حرامًا ما يأتي الرجل من زوجته حلالًا، فقال له: ((أنكتها؟)) لا يكني، بل صرح هنا، مع أن هذا مما يُستحى منه، لكن الحق لا يُستحى منه، قال له: ((أنكتها؟))، قال: نعم، قال: ((حتى غاب ذاك منك في ذلك منها، كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟))، قال: نعم.
فهذا شيء يُستحى منه، لكن في باب الحق لا تستحي.
جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسلٍ إذا هي احتلَمتْ؟ قال: ((نعم، إذا هي رأت الماء))، هذا السؤال ربما يخجل منه الرجل أن يسأله ولا سيما في المجلس، لكن أم سليم لم يمنعها الحياءُ من أن تعرف دينها وتتفقه فيه.
وعلى هذا؛ فالحياء الذي يمنع من السؤال عما يجب السؤالُ عنه حياءٌ مذموم، ولا ينبغي أن نسميه حياء، بل نقول: إن هذا خوَر وجبن، وهو من الشيطان، فاسأل عن دينك ولا تستح.
أما الأشياء التي لا تتعلق بالأمور الواجبة، فالحياء خير من عدم الحياء، و((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت)).
ومما يجانب الحياءَ ما يفعله بعض الناس الآن في الأسواق من الكلام البذيء السيئ، أو الأفعال السيئة، أو ما أشبه ذلك؛ فلذلك يجب على الإنسان أن يكون حييًّا، إلا في أمر يجب عليه معرفته، فلا يستحي من الحق، والله الموفق.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف