الموضوع: بضاعة مزجاة
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 12-08-2021, 05:21 PM
[IMG]https://e.top4top.io/p_18382oqov1.gif[/IMG]
هويد الليل غير متواجد حالياً
Egypt     Female
لوني المفضل Coral
 عضويتي » 2318
 تسجيلي » May 2020
 آخر حضور » ()
مشآركاتي » 83,815
 حاليآ في »
تم شكري » »
شكرت »
رصيدي »
دولتي » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »  Female
 التقييم » هويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond repute
مَزآجِي  » مزآجي
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي بضاعة مزجاة



بضاعة مزجاة



﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الحج: 54].



كان من آثار تكنولوجيا العصر أن كثُر ظهورُ المدعين والمتفيهقين والمتعالمين الذين تستطيع أن تُميزهم بسهولة إذا كنت قد استمعتَ يومًا إلى صاحب علم حقيقي، وإن من جملة البلاء الذي تحياه أُمتُنا أن يظنَّ بعضُ شبابها أن ما يقدِّمه الفارغون الطاعنون على تراث أُمتهم، هو العلم وهو تحديث الخطاب، وهو فَهم الدين بما يناسب العصر، لذلك أحببتُ أن أُشير إشارات سريعة لما يُميز العالم عن غيره من المتخرِّصين محبي الظهور الذين لم يقدِّروا العلم حقَّ قدره، فراحوا يقتطفون نُتفًا من هنا ونُتفًا من هناك؛ ليتميزوا بها بين الناس، وليكونوا أهل الوعي وأصحاب الفكر وقادة الغد... ويا له من غد لو كان هؤلاء قادته!



• لا يبزغ العالِم فجأةً من فراغ، ولا يصلح أن يتصدر حتى يكون قد بذل من وقته وجهده ما كوَّن لديه عقلًا قارئًا؛ أي: عقلًا هضم به الأساس ثم بنى عليه، عقلًا يستطيع أن يميز به الصحيح من السقيم، والمقبول من المردود، فلا يأتي بطرح لمجرد الجدة، وإنما لصواب أو حق هُدِيَ إليه.



وعلى قدر ما يحمل العالم من علم وخشية، على قدر ما يكون تجرُّده عن الهوى واتباعه لما يظهر له من دلائل اليقين، وأساسه الاتباع لما جاءت به المصادر الأولى، وعلى عكس ذلك يكون الأدعياء الذين يتكبرون عن الاتباع ولو كان للسنة الصحيحة الهادية..



• لا يكون العالم عالِمًا حتى يطلع على ما سبق في مجاله، لغويًّا كان أو فقيهًا أو شرعيًّا، فإذا فهم ما قال وما ترك سلفه، كان أجدر على تمييز ما لديه من صواب، فينشره ويهتم به، ثم يعمل فكره وعقله بالطريقة التي تعلَّمها خلال طلبه للعلم، حتى يضيف ويصحِّح، ويقدم ما يناسب ما يعيشه الناس في زمانه، فيقرب إليهم العلم ويبسطه لهم.



أما من يظن أنه سيأتي بما لم يأتِ به الأوائل دون أن يتعرف حتى على هؤلاء الأوائل، ماذا قدموا؟ وما جهدهم بالنسبة لزمانهم؟ وما ثمرته؟ وكيف كان تدور الفكرة في أذهانهم مرة بعد مرة، حتى تخرج شهية دانية القطوف؟ فذلك من العجب!



• وإن العالم يختلف مع مَن سبقوه من العلماء، ويطرح ما توصل إليه بإعمال عقله فيما لديه من مقدمات، لكنه يعرف لسلفه فضلهم، فلا يَرميهم بكل نقيصة ويصف نتاجهم كله بالضَّعف والخطأ بلا تمييز، خاصة إذا كانوا علماء صدق بذلوا غاية جهدهم، وتركوا إرثًا يشهد لهم، ولا بأس لديه أن يقرَّ بما جاء به غيره من الصواب، بل أن يدل عليه ويقتبس منه، وينير به لنفسه ولغيره أو يستأنس به شاهدًا لما توصل إليه، وأضافه من علم يسير معه على نهج وطريقة واحدة.



• وإنك لتعرف الصادق الذي يعرف قيمة العلم حينما يقرِّر بلا تكلُّف أنه لم يطلع على مسألة بعينها، أو أنه قد غم عليه الوصول إلى حقيقة ما، أو مسألة من المسائل، فهو كلما أوغل في البحث وطلب الحقيقة، أدرك أنه يبحر فى محيط لا حد لمنتهاه، فهو يأخذ منه قطرة يروى به يابسة الناس، فتزهر بساتين وحقولًا يانعة، فأنَّى له أن يظن أنه قبض على العلم، أو تمكَّن منه، وكنوزه المخفية ما زالت هناك في الأعماق تستحث أهل الصدق المتيمين بها أن يتابعوا الغوص لنيلها.



• وحقيقة العالم أنه لما أدى ما عليه من زكاة علم وتزكية نفس، كان من عطاء الله له أن يبصر ما ينطوي عليه زمانه من فتن ومعارك، وما يكون وراءها في الزمن القادم، فتجد حرارة قلبه، وخلاصة فكره في معالجة قضايا عصره التي عرَف مقدماتها وأدرك نتائجها، فوجَّه أهله إلى ما ينبغي عليهم؛ ليجتازوا عقبات زمانهم، ويُمهدوا الطريق لمن يأتي بعدهم.



أما المدعون فتراهم ينشؤون المعارك إنشاءً، ينبشون قبور الأزمنة الغائرة، ويفتشون بها عما يصلح وقودا لنفوسهم العاطبة، فما يزيدون الأمة إلا غفلة، وما يوسعونها إلا تخلفًا وتراجعًا؛ إذ يشغلون الأقلام الغيورة عما هو أولى وأحق بالمتابعة والعلاج، فهم وإن لم يشاركوا في إدارة دفة سفينة القراصنة، لكنهم على الأقل قد ركبوا معهم، ويتناولون بحماس وإكبار ما يجدونه لدى القوم من سهام وخناجر؛ ظنًّا أنهم الأقوى وأنهم لهم الغلبة، وأنهم قد أحسنوا صنعًا لأنفسهم؛ إذ يهيؤون لها المكان الآمن والعيش الرغيد، وهم لو علموا أشد الناس بؤسًا وأشدهم حمقًا!



والجميع ممن أوتوا علمًا حقيقيًّا في النهاية مجتهدون يصيبون ويخطؤون، ومنهم الصالح السابق بالخيرات، وفيهم المقتصد، لكنهم يبذلون ما وهبَهم الله من طاقات وملكات في الكشف عن أسرار الله في كونه، لغوية وبيانية وشرعية كانت، أو طبيعية واجتماعية وإنسانية، فكلها مما أمر الله بالبحث فيه، واستخراج الآيات والحكم والمقاصد امتثالًا لأمر الله ونفعًا لعباده، وهم حريصون على عبادة الله بالتوصل إلى حقائق الأشياء ونشرها بين الناس.



غير أن هناك فرقًا - كالذي بين السماء والأرض - بين من يجتهد ليصل إلى حق ويدل الناس على هدى، وبين من يعبث ويخبط في الظلمات، فيجمع قشًّا ويحمل عصفًا، ويظن أنه يحمل ما يسرج به للناس في عتمتهم.



فهل ينتبه شبابنا فيمتنعوا عن شراء تلك البضاعة المزجاة ويستبدلونها بالطيب النافع؟




رد مع اقتباس