المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأدب في ظل الثقافة العربية الإسلامية


نسر الشام
09-10-2019, 11:10 AM
الأدب في ظل الثقافة العربية الإسلامية

من المعروف أنَّ الدعائم الأساسيَّة لأيَّة حَضارة ترتَكِز على قُوَّة المجتمع ثقافيًّا، ونهضته اقتصاديًّا واستِقراره أمنيًّا، وقد نبَّهَنا الله إلى ذلك منذُ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان عندما أقسَمَ بالقلم وما يسطرون في إشارةٍ صريحةٍ إلى أهميَّة العِلم والمعرفة، وكذلك عندما خاطَب الرعيل الأول الذي تصدَّى لبناء الحضارة الإسلامية بقوله: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3--4]، وهو يَمُنُّ عليهم - سبحانه وتعالى - أنَّه مهَّد سُبُلَ بِناء الحضارة الإسلاميَّة، وإنْ كانت رحلة الشتاء قد أعطَتْ لقريش مكانتها اقتصاديًّا وأمنيًّا فإنَّ صلتهم الوثيقة بالله هي التي أرسَتْ فيهم أسس العلم والمعرفة.

وهذا يعني أنَّ عبادة الله وحدَه ﴿ رب هذا البيت ﴾ وهو الرُّكن الذي يشيد على أساسه البناء الثقافي المتين، وتنتهي إليه الغاية والرَّجاء، وهذا هو الضلع الأساسي الأوَّل في مثلَّث الحضارة الإنسانيَّة عُمومًا، كما أنَّ ﴿ أطعمهم من جوع ﴾ يرمز ضِمنًا إلى النهضة الاقتصاديَّة التي لا تقومُ على أكتاف الجِياع وهي تُمثِّل الضلع الثاني في المثلَّث، وكذلك ﴿ وآمنهم من خوف ﴾ يكمل الضلع الثالث من أضلاع البناء الحضاري المؤسس، فالخائف يَقضِي عمره بين المخابئ ليَقِي نفسَه من بطش الأقوياء.

وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - قد وضَع للأمَّة العربيَّة الإسلاميَّة سبيل الهدى وأطعمهم وآمَنهم، فقاموا ببناء الحضارة الإسلامية في مدَّة وجيزة - فإنَّ ورثة هذه الحضارة بعد عشرات العقود لا بُدَّ أنْ يُحافِظوا على إرثهم الحضاري بالحِفاظ على الأضلاع ذاتها التي قامَتْ عليها حَضارتهم وتقومُ عليها كلُّ الحضارات، وفي (الثقافة والاقتصاد والأمن)؛ لأنَّ خُصوم وأعداء الإسلام يبذلون قُصارَى جهدهم لاقتِلاع الثقافة الإسلاميَّة وتدمير اقتصاد المسلمين وترويع أمنهم، والحروب الصِّهيَوْنية والأمريكيَّة في فلسطين وأفغانستان والعراق خيرُ دليلٍ على ذلك.

وإذا كانت مهمَّة الحِفاظ على الاقتصاد الإسلامي وأمن المسلمين تقَع على عاتِق الحُكومات والدول الإسلاميَّة فإنَّ مهمَّة الحِفاظ على الكيان الثقافي الإسلامي يقع أولاً على عاتق المثقَّفين المسلِمين من أدباء وشعراء، وخُطباء وعلماء، وفي هذا الاتجاه تسيرُ فكرة الأدب الإسلامي، وحول هذه الفكرة تحديدًا تدورُ جُهود الأدباء الإسلاميين في كلِّ البلاد العربيَّة والإسلاميَّة بِخُطًى ثابتة متَّخِذين منها هدفًا واضِحًا لإعلاء كلمة الله، ونحو هذا الهدَف السامي شدَّت رابطة الأدب الإسلامي العالميَّة رِحالها، وانطلقت في تحقيق أهدافها وأعمالها واختيار أعضائها من الالتزام بعددٍ من المبادئ التي وضعَتْها لنفسها.

وإنَّه لمن العبَث أنْ نتجاهَل التعريفَ الذي وضَعَه روَّاد الأدب العربي منذ مِئات السنين، والذي جاء في معاجم اللغة، حيث قالوا: إنَّ الأدب هو أنْ تُؤدِّب الناس إلى المحامد وأنْ تنهاهم عن القبائح، وهذا التعريف يُوضِّح الدور الحقيقي الذي ينبغي على الأدب أنْ يُقدِّمه للناس، كما يجبُ على الأدباء أنْ يلتَزِموا به بعيدًا عن الترهات المستوردة من الغرب المتحلِّل أخلاقيًّا، وإذا كانت العلاقة بين الأدباء والشُّعَراء والكتَّاب من ناحية وبين القرَّاء من ناحيةٍ أخرى تتجاذَبُها توجُّهاتٌ مختلفة، فقد وضَع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُسُسَ التعامُل والاختلاط بين الناس عمومًا بقوله: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير))، ولا شكَّ أنَّ الأديب أو الشاعر أو الكاتب ما هو إلا جليسٌ للناس بما يُؤلِّفه من رواية أو ديوان أو كتاب، ويقتحم به على الناس خلوتهم وبيوتهم، فإنْ كان إبداعه طيبًا فهو جليسٌ صالح، وإنْ كان إبداعه بذيئًا فهو جليس سوء.

وبخصوص قوله - تعالى - في سورة الشعراء: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224]، فقد أنزلت هذه الآية في وقتٍ كانت فيه الساحة الأدبيَّة العربيَّة شبه قاصرة أو مقصورة على الشعراء، أما وقد استجدَّت ألوانٌ أدبيَّة أخرى في الساحة، وظهَر القاصُّون والرِّوائيون وكُتَّاب المسرح، فإنَّ حُكم الآية ينسَحِب عليهم جميعًا، فكلهم غاوون وهم في كلِّ وادٍ يهيمون، يستثني منهم أيضًا فئة كالتي استثنيت من الشعراء في قوله - تعالى -: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ [الشعراء: 227]، هذا الاستثناء الذي يضعه كلُّ أديب إسلامي ملتزمٍ وسامًا على صدره، يُفاخر به كلَّ أدعياء الأدب الذين لا همَّ لهم إلا مُداعَبة الغرائز وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا؛ ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227].

وهنا تظهَرُ أهميَّة الأدب الإسلامي منهجًا وأسلوبًا، وشكلاً وموضوعًا، فهو الذي يُدافِع عن الثوابت العقديَّة والأخلاقيَّة التي دعا إليها الإسلام، على اعتبار أنَّ كلَّ أديب إسلامي يقف على ثغرٍ من ثغور الإسلام، شاعرًا كان أم ناثرًا.

وكذلك فإنَّ مُدوالة اللهجات العامِّيَّة في الأدب تُعتَبر مقدمة للتفريق بين الأمَّة العربيَّة الإسلاميَّة، كما تُعتَبر حجر عثرة يُعَرقِل خُطوات حُوار الثقافات الذي يجبُ أنْ يدورَ بين الحضارة العربيَّة والحضارات الأخرى.

دفرنت
09-10-2019, 11:18 AM
اشكرك على روعة ما طرحت والمجهود المميز
تحياتي وتقديري

https://www.up-00.com/i/00126/l1qcel6iitza.gif

ملامح طفله
09-10-2019, 12:00 PM
طرح جميل
يعطيك العافيه اخوي

محروم
09-10-2019, 12:13 PM
يُعَطِيَكَ اَلَعَآفَيَـة عَلَىَّ اَلَإنَتَقَآء اَلَرائعُ
شُكَرَاًَ لَك مَنَ اَلَقَلَبِ عَلَىَّ هَذآ اَلَمَجَهُوًّدَ ,
مَاَأنَحَرِمَ مَنَ عَطَـآءكِ اَلَمَمَيَزَّ !
دُمَتَ بَحَفَظَ اَلَلَهِ وًّرَعَآيَتَهِ

حلا
09-10-2019, 04:43 PM
يعطيك العآفيه
سلمت ع روعة طرحك
لاحرمنآ جديدك المميز
مودتي وتحيتي لك

ريآن
09-10-2019, 05:07 PM
لاشيء يوازي ترف متصفحكم
وجمال إبداعكم
بآقات من الجوري تعطر أنفاسكم
جل احترامي وتقديري


http://sl.glitter-graphics.net/pub/1406/1406015lt02yzhej6.gif

سندريلا
05-22-2020, 04:07 AM
https://up.sham-alro7.com/do.php?img=817

لـولـو
05-22-2020, 05:33 PM
موضوع رائع ومميز
طرحت فابدعت دمت ودام عطائك
سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
اعذب التحايا لك
لكـ خالص احترامي

ضجيج الذكريات
07-14-2020, 08:35 PM
اسمح لي ابدي اعجابي بقلمك وتميزك واسلوبك الراقي وتالقك

قمر هـادي
08-05-2020, 11:39 AM
طرح راقي
كل الشكر للاختيار المميز
تقديري لشخصك الكريم

عواد الهران
09-13-2023, 10:45 AM
طرح هادف, يستحق الوقفه والتامل.

المشاركه المفيده , تتكون من كلام طيب,

والكلمه الطيبه صدقه.... بارك الله فيك.