نسر الشام
08-23-2018, 05:56 PM
الغريب في اللغة
يظهر معنى الغرابة ولفظ الغريب في كثير من نصوص الحديث والأثر، وفي بعض الأمثال والخطب، وكذلك في عدد من أبيات الشعر، "ولا يخفى أن ما ورد في متون الحديث والأثر حول مفهوم الغرابة يعد من أسبق ما ورد في هذا الباب وأوثقه".
من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء) وفي رواية الخطابي: (قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: النزاع من القبائل)، ثم قال الخطابي: النزاع جمع نزيع، وهو الغريب الذي قد نزع من أهله وعشيرته...، ونرى - والله أعلم - أنه أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأوطانهم إلى الله عز وجل.
وفي النهاية: أنَّه كان في أوّل أمْره كالغَرِيب الوحيد الذي لا أهل له عنده لِقَّلة المسلمين يومئذ وسَيَعود غريبا كما كان، أي: يَقِلُّ المسلمون في آخِر الزمان فيصيرون كالغُرَباء.
ومن ذلك أيضاً ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً كان واقفًا معه في غزاة فأصابه سهم غَرْب) وهو الذي لا يعرف راميه.
ومنه أيضًا ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن فيكم مغربين، قيل: وما المغربون؟ قال:
الذين تَشْرَك فيهم الجن).
سموا مغربين؛ لأنه دخل فيهم عرق غريب، أو جاءوا من نسب بعيد.
ومن ذلك حديث عمر ط: (هل مِن مُغَرَّبَة خبر)، أي: هل من خبر جاء من بلد بعيد؟
ومن شيوع هذه المعاني المتعلقة بالغرابة في الأحاديث والآثار التي تقدمت، يدل على أن هذه المفاهيم كانت معروفة قبل الإسلام.
ومن ذلك ما جاء في الشعر الجاهلي.
قال عبيد بن الأبرص: (مخلع البسيط)
سَاعِدْ بأرضٍ إذا كنت بها ♦♦♦ ولا تَقُلْ إني غريب
وقال علقمة الفحل: (الطويل)
فلا تَحْرِمَنِّي نَائلاً عن جَنَاَبَةٍ ♦♦♦ فإنِّي أقرؤٌ وَسْط القِبَاَب غَرِيب
وقال المتلمس الضبعي: (الخفيف)
أيها السَّائِلي فإنّي غريبٌ ♦♦♦ نَازِحُ مَحلَّتي وصميمي
وقال النابغة: (الكامل)
نبئت زُرْعَةَ والسفاهةُ كَاسْمِها ♦♦♦ يُهْدِي إِلَيَّ غَرَائِبَ الأشْعَارِ
ومثال ما جاء في الأمثال والخطب، ما ورد في المثل: ضربه ضرب غرائب الإبل.
وذلك أن الغريبة تزدحم على الحياض عند الورود، وصاحب الحوض يطردها ويضربها بسبب إبله.
ومنه قول الحجاج في خطبته يهدد أهل العراق: والله لأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وقد سمت العرب الغراب بذلك الاسم؛ لأنه من البعد والاغتراب عن الأمصار.
وقال الراغب: والغراب سمي لكونه مبعدا في الذهاب. وسمي الدلو غربا؛ لتصور بعدها في البئر.
إن أقرب المعاني لمادة (غ ر ب) هي البعد والاختفاء، وقد أورد أصحاب المعاجم عددًا من مشتقات هذه المادة التي تدور حول هذا المعنى ومن ذلك:
الغربة: البعد عن الوطن، يقال: غربت الدار، أي: بعدت، وغرب فلان عنا، أي: تنحى، والغربة: النوى البعيدة، وغاية مغربة، أي بعيدة الشَّأْو، وغربت الكلاب: أمعنت في طلب الصيد، قال ابن فارس: ومن هذا الباب غربت الشمس، كأنه بعدها عن وجه الأرض، ويقولون: هل من ُمَغِّربَة خَبَر، يريدون: خبر أتى من بعيد، قال ابن دريد: وأحسب أن اشتقاق الغريب من هذا والمصدر الغربة. يقول الجوهري: تقول من الغربة: تَغَرَّب واغْتَرَب بمعنى فهو غريب وغُرُب، والجمع: غرباء، والغرباء أيضاً الأباعد.
وقد ذكر ابن منظور هذه المعاني، وزاد: وقِدْحٌ غريبٌ ليس من الشجر التي سائرُ القِداحِ منها، ورجل غريبٌ ليس من القوم، والغَريبُ الغامِضُ من الكلام وكَلمة غَريبةٌ وقد غَرُبَتْ وهو من ذلك، واغْتَرَبَ الرجلُ نَكَح في الغَرائبِ وتَزَوَّجَ إِلى غير أَقاربه.
وفي المعجم الوسيط: أغرب في كلامه: أتى بالغريب البعيد عن الفهم.
يتبين من ذلك أن المشتقات المذكورة من مادة (غ ر ب) تدور حول البعد، وأن الغريب من الكلام: الغامض منه.
"ونخلص من هذا إلى أن الغريب من الكلام هو المرحلة الثانية من مراحل تطور معنى (الغرابة) التي كانت تدل على البعد مطلقًا، ثم استعملت في البعد عن الأهل، وأخيرًا في البعد عن الفهم".
يقول الخطابي: الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كالغريب من الناس، إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل،.. ثم إن الغريب من الكلام يقال على وجهين:
أحدهما: أن يراد به بعيد المعنى غامضه، لا يتناوله الفهم إلا عن بُعْد ومعاناة وفكر.
والوجه الآخر: أن يراد به كلام من بَعُدَت به الدار ونأى به المحل من شواذ قبائل العرب
وقد عقد ابن فارس في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة) باباً في مراتب الكلام في وضوحه وإشكاله، قال فيه: " أما واضح الكلام، فالذي يفهمه كلّ سامع عرف ظاهرَ كلام العرب، وأما المشكل، فالذي يأتيه الإشكال من غَرابة لفظه، أَوْ أن تكون فِيهِ إشارة إِلَى خبر لَمْ يذكره قائلهُ عَلَى جهته، أَوْ أن يكون الكلام فِي شيء غير محدود، أَوْ يكون وَجيزاً فِي نفسه غير مَبْسوط، أَوْ تكون ألفاظه مُشتركةً. فأما المُشكلِ لغرابة لفظه فقول القائل: " يَمْلَخُ فِي الباطل مَلْخاً يَنْفضُ مِذْرَوَيه" ومنه فِي كتاب الله جلُّ ثناؤه:ï´؟فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ï´¾ [البقرة: 232]، ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ï´¾ [الحج: 11].
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "على التِّيعَة شاة، والتِّيمَة لصاحبها وفي السُّيُوب الخُمُس لا خِلَاط ولا وِرَاطولا شِنَاق ولا شِغَار ومن أَجْبَى فقد أَرْبَى" وهذا كتابه إلى الأفيال العباهلة.....
فالغريب ضد الواضح، أي: ما لا يحيط به إلا عربي خالص يعرف لغته، ولِمَ وضعها؟ أو عالم ثبت متقن، ويطلق على هذا النمط من الكلام، الغريب، والنادر، والشارد.
معنى غريب الحديث:
عرفه ابن الصلاح بأنه: "عبارة عما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم؛ لقلة استعمالها"
أما عند مؤلفي غريب الحديث كأبي عبيد وابن قتيبة والحربي والسرقسطي والخطابي وغيرهم، فلا يقتصر على هذه الألفاظ، وإنما يتعداه إلى الغريب من جهة المعنى العام وإلى المعاني المجازية، والمعاني النحوية، والمعاني الاشتقاقية وغيرها.
يظهر معنى الغرابة ولفظ الغريب في كثير من نصوص الحديث والأثر، وفي بعض الأمثال والخطب، وكذلك في عدد من أبيات الشعر، "ولا يخفى أن ما ورد في متون الحديث والأثر حول مفهوم الغرابة يعد من أسبق ما ورد في هذا الباب وأوثقه".
من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء) وفي رواية الخطابي: (قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: النزاع من القبائل)، ثم قال الخطابي: النزاع جمع نزيع، وهو الغريب الذي قد نزع من أهله وعشيرته...، ونرى - والله أعلم - أنه أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأوطانهم إلى الله عز وجل.
وفي النهاية: أنَّه كان في أوّل أمْره كالغَرِيب الوحيد الذي لا أهل له عنده لِقَّلة المسلمين يومئذ وسَيَعود غريبا كما كان، أي: يَقِلُّ المسلمون في آخِر الزمان فيصيرون كالغُرَباء.
ومن ذلك أيضاً ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً كان واقفًا معه في غزاة فأصابه سهم غَرْب) وهو الذي لا يعرف راميه.
ومنه أيضًا ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن فيكم مغربين، قيل: وما المغربون؟ قال:
الذين تَشْرَك فيهم الجن).
سموا مغربين؛ لأنه دخل فيهم عرق غريب، أو جاءوا من نسب بعيد.
ومن ذلك حديث عمر ط: (هل مِن مُغَرَّبَة خبر)، أي: هل من خبر جاء من بلد بعيد؟
ومن شيوع هذه المعاني المتعلقة بالغرابة في الأحاديث والآثار التي تقدمت، يدل على أن هذه المفاهيم كانت معروفة قبل الإسلام.
ومن ذلك ما جاء في الشعر الجاهلي.
قال عبيد بن الأبرص: (مخلع البسيط)
سَاعِدْ بأرضٍ إذا كنت بها ♦♦♦ ولا تَقُلْ إني غريب
وقال علقمة الفحل: (الطويل)
فلا تَحْرِمَنِّي نَائلاً عن جَنَاَبَةٍ ♦♦♦ فإنِّي أقرؤٌ وَسْط القِبَاَب غَرِيب
وقال المتلمس الضبعي: (الخفيف)
أيها السَّائِلي فإنّي غريبٌ ♦♦♦ نَازِحُ مَحلَّتي وصميمي
وقال النابغة: (الكامل)
نبئت زُرْعَةَ والسفاهةُ كَاسْمِها ♦♦♦ يُهْدِي إِلَيَّ غَرَائِبَ الأشْعَارِ
ومثال ما جاء في الأمثال والخطب، ما ورد في المثل: ضربه ضرب غرائب الإبل.
وذلك أن الغريبة تزدحم على الحياض عند الورود، وصاحب الحوض يطردها ويضربها بسبب إبله.
ومنه قول الحجاج في خطبته يهدد أهل العراق: والله لأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وقد سمت العرب الغراب بذلك الاسم؛ لأنه من البعد والاغتراب عن الأمصار.
وقال الراغب: والغراب سمي لكونه مبعدا في الذهاب. وسمي الدلو غربا؛ لتصور بعدها في البئر.
إن أقرب المعاني لمادة (غ ر ب) هي البعد والاختفاء، وقد أورد أصحاب المعاجم عددًا من مشتقات هذه المادة التي تدور حول هذا المعنى ومن ذلك:
الغربة: البعد عن الوطن، يقال: غربت الدار، أي: بعدت، وغرب فلان عنا، أي: تنحى، والغربة: النوى البعيدة، وغاية مغربة، أي بعيدة الشَّأْو، وغربت الكلاب: أمعنت في طلب الصيد، قال ابن فارس: ومن هذا الباب غربت الشمس، كأنه بعدها عن وجه الأرض، ويقولون: هل من ُمَغِّربَة خَبَر، يريدون: خبر أتى من بعيد، قال ابن دريد: وأحسب أن اشتقاق الغريب من هذا والمصدر الغربة. يقول الجوهري: تقول من الغربة: تَغَرَّب واغْتَرَب بمعنى فهو غريب وغُرُب، والجمع: غرباء، والغرباء أيضاً الأباعد.
وقد ذكر ابن منظور هذه المعاني، وزاد: وقِدْحٌ غريبٌ ليس من الشجر التي سائرُ القِداحِ منها، ورجل غريبٌ ليس من القوم، والغَريبُ الغامِضُ من الكلام وكَلمة غَريبةٌ وقد غَرُبَتْ وهو من ذلك، واغْتَرَبَ الرجلُ نَكَح في الغَرائبِ وتَزَوَّجَ إِلى غير أَقاربه.
وفي المعجم الوسيط: أغرب في كلامه: أتى بالغريب البعيد عن الفهم.
يتبين من ذلك أن المشتقات المذكورة من مادة (غ ر ب) تدور حول البعد، وأن الغريب من الكلام: الغامض منه.
"ونخلص من هذا إلى أن الغريب من الكلام هو المرحلة الثانية من مراحل تطور معنى (الغرابة) التي كانت تدل على البعد مطلقًا، ثم استعملت في البعد عن الأهل، وأخيرًا في البعد عن الفهم".
يقول الخطابي: الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كالغريب من الناس، إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل،.. ثم إن الغريب من الكلام يقال على وجهين:
أحدهما: أن يراد به بعيد المعنى غامضه، لا يتناوله الفهم إلا عن بُعْد ومعاناة وفكر.
والوجه الآخر: أن يراد به كلام من بَعُدَت به الدار ونأى به المحل من شواذ قبائل العرب
وقد عقد ابن فارس في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة) باباً في مراتب الكلام في وضوحه وإشكاله، قال فيه: " أما واضح الكلام، فالذي يفهمه كلّ سامع عرف ظاهرَ كلام العرب، وأما المشكل، فالذي يأتيه الإشكال من غَرابة لفظه، أَوْ أن تكون فِيهِ إشارة إِلَى خبر لَمْ يذكره قائلهُ عَلَى جهته، أَوْ أن يكون الكلام فِي شيء غير محدود، أَوْ يكون وَجيزاً فِي نفسه غير مَبْسوط، أَوْ تكون ألفاظه مُشتركةً. فأما المُشكلِ لغرابة لفظه فقول القائل: " يَمْلَخُ فِي الباطل مَلْخاً يَنْفضُ مِذْرَوَيه" ومنه فِي كتاب الله جلُّ ثناؤه:ï´؟فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ï´¾ [البقرة: 232]، ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ï´¾ [الحج: 11].
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "على التِّيعَة شاة، والتِّيمَة لصاحبها وفي السُّيُوب الخُمُس لا خِلَاط ولا وِرَاطولا شِنَاق ولا شِغَار ومن أَجْبَى فقد أَرْبَى" وهذا كتابه إلى الأفيال العباهلة.....
فالغريب ضد الواضح، أي: ما لا يحيط به إلا عربي خالص يعرف لغته، ولِمَ وضعها؟ أو عالم ثبت متقن، ويطلق على هذا النمط من الكلام، الغريب، والنادر، والشارد.
معنى غريب الحديث:
عرفه ابن الصلاح بأنه: "عبارة عما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم؛ لقلة استعمالها"
أما عند مؤلفي غريب الحديث كأبي عبيد وابن قتيبة والحربي والسرقسطي والخطابي وغيرهم، فلا يقتصر على هذه الألفاظ، وإنما يتعداه إلى الغريب من جهة المعنى العام وإلى المعاني المجازية، والمعاني النحوية، والمعاني الاشتقاقية وغيرها.