المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من نماذج سورة البقرة


حلم مستحيل
06-16-2022, 09:58 PM
من نماذج سورة البقرة


لك الحمدُ مولانا وحُقَّ لك الحَمْدُ
يَرُوحُ كما النُّعْمَى ويغدو كما تغدو
فَفضْلُك مَوفورٌ، وَجُودُك غَامِرٌ
ومَنُّكَ بحرٌ إِنَّما جَزْرُهُ الْمَدُّ
لك الحمدُ حتَّى لا يكونَ لناطقٍ
مِنَ القولِ إلا الحمْدُ والحَمْدُ والْحَمْدُ
لك الحمدُ حتَّى يُصْبِحَ الكَوْنُ كُلُّه
عبارةَ حَمْدٍ ما لها أَبَدًا حَدُّ
لك الحمدُ حتَّى يبلغَ الحمدُ أَوْجَهُ
فما فَوْقَهُ فَوْقٌ وما بَعْدَهُ بَعْدُ
لك الحمدُ يا مولاي شُكْرَ اسْتِزادَةٍ
وعندَ كريمِ الرِّفْدِ لاَ يُخْلَفُ الْوَعْدُ


ونشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إليه المشتكى؛ فهو العليم القادر، وبه نستنصر؛ فهو الولي الناصر، وعليه نعتمد؛ فهو القوي القاهر، وإليه نتوجه؛ فهو الكريم الساتر، وبه نلوذ؛ فهو الأول والآخر، والباطن والظاهر.



فَلاَ أَجَلَّ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِه
وَلاَ أَعَزَّ مِنْ عَزِيزِ سَطْوَتِه
لِعِزِّ مُلْكِهِ الْمُلُوكُ تَخْضَعُ
يخْفِضُ قَدْرَ مَنْ يشَا وَيرْفَعُ
وَالْأَمْرُ كُلُّهُ إِلَيْكَ رَدُّهُ
وَبِيَدَيْهِ حَلُّهُ وَعَقْدُهُ


وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلَيه بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرا؛ فَهَدَى بِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى، وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ، وَفَتَحَ به أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَفَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالسُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ، وأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وأَوْلِيَاءِ الرَّحْمَن.



قال الحارث بن عمرو السهمي: ((أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقد أطاف به الناس، فتجيء الأعراب، فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجهٌ مبارك))[1].



يذوبُ القلبُ لا يقوى اشتياقًا
وقد سمعَ المؤذِّنَ قال: أشهدْ
صلاةُ اللهِ ما سكبتْ مزونٌ
على المختارِ أزكى الخلقِ أحمَدْ



صلَّى الإلهُ على ابنِ آمنةَ التي
جاءتْ به سبط البنان كريما
قل للذين رجَوا شفاعة أحمدٍ
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما


أما بعد:

فتأمل معي - يا رعاك الله - هذين النموذجين، اللذين تكشفهما وتجليهما سورة البقرة، قال ربي الملك تعالى وتعاظم وتتنزه وتقدس: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 204 - 207].



إنهما نموذجان، وصِنفان من البشر؛ الأول: نموذج المرائي الشرير، الذَّلِقِ اللسانُ، والذي يجعل من شخصه محورَ الحياة كلِّها، والذي يعجبك مظهره، ويسوؤك مخبرُه، فإذا دُعي إلى الصلاح، وتقوى الله، استشاط غضبًا، واستنكف أن يعود إلى رشد، واستكبر أن يثُوبَ إلى حق، وأخذته العزة بالإثم، ومضى في طريقه مغتاظًا حنِقًا، ينشر البلاء، ويسفك الدماء، ويُهلك الحرث والنسل.



والثاني: نموذج السويِّ الحاذق، والمؤمن الصادق، الذي ينكر ذاته، ويتجرد لمعبوده وخالقه، ويبذل نفسه لمرضاة ربه، لا يستبقي منها بقية، ولا يحسُب لذاته حسابًا، ولا يلتفت لقادح، ولا يغترُّ بمادح، وُجْهَتُه مولاه، ومقْصِدُه تقواه، وغايته رضاه.



ذاك الذي باع الحياةَ رخيصةً
ورأى رضاه أعزَّ شيء فاشترى



تبدأ الآيات بعرض المثالِ الأول: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ﴾؛ مخلوق يتحدث، فيصور لك نفسه خلاصة من الخير، وكتلةً من التجرد، ونموذجًا من الرغبة في إفاضة الخير والبر، وجوهرةً قُذِف بها من رحم الغيب لإنقاذ البرية، وإسعاد البشرية، وكما يعجبك حديثُه، تعجبك ذَلَاقةُ لسانه، ونبرةُ صوته، وتفنُّنُ أساليبه، ﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ﴾، وذاك زيادةً في التأثير والإيحاء، وتوكيدًا للتجرُّد والإخلاص، وإظهارًا للتقوى والخشية، ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾، كتلةٌ من الحَنَقِ والغيظ؛ فلا موطن فيها للود والسماحة، ولا موضع فيها للحب والخير، ولا مكان فيها للتجمل والإيثار، ولا أمل فيها للاتعاظ والإدجار، بل هو وإن طغى على ظاهره الملاسةُ والنعومة، فإنَّ نفسه تزدحمُ باللدد والخصومة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ))[2].



هذا الذي يتناقض باطنه وظاهره، ويتنافر مظهره ومخبره، وصورتُه وجوهرُه، هذا الذي يتقن الكذب والتمويه والدِّهان، حتى إذا انكشف الغطاء ظهر المخبوء، وبدا المستور.



حتى إذا انقشع الدُخان بدا لنا
سبُعٌ يلوح بوجهه الإجرامُ



﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ﴾، إذا انصرف كانت وجهته الشرَّ والفساد، وأثخن في إهلاك كل حي من الحرث، الذي هو موضع الزرع والإنبات والإثمار، ومن النسل، الذي هو امتداد الحياة بالأنسال، وإهلاك الحياة على هذا النحو كناية عما يعتمل في كيان هذا المخلوق النَّكِد من الحقد والشر والغدر، والذي كان يستره بذلاقة اللسان، ونعومة الدهان، والتظاهر بالخير والإحسان، والتمثل بالبر والإيمان، ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾.



إن هذا الصنف النكد من صفته وسماته: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ ﴾؛ تذكيرًا له بخشية الله، والحياءِ منه، والتحرجِ من غضبه، ﴿ اتَّقِ اللَّهَ ﴾، وكُفَّ عن الإفساد والإهلاك، وتوقَّف عن الخراب والدمار، استكبر أن يوجه إلى تقوى، وأن يُدَّلَّ على صواب، وتعاظم أن يُؤخَذ عليه خطأ، و﴿ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ﴾؛ فَمَنَعَتْهُ مِنْ قَبُولِ الْمَوْعِظَةِ، وَأَبْقَتْهُ حَلِيفَ الْإِثْمِ الَّذِي اعْتَادَهُ لَا يَرْعَوِي عَنْهُ، وهو الذي كان يُشهِدُ الله على ما في قلبه، ويتظاهر بالسماحة والنَّدَى، والبر والتقوى، وها هو حينما ذُكِّر بالله، تمادى في طغيانه، واستعزَّ بإجرامه، ورفع رأسه في وجه الحق الذي ذٌكِّر به، وكأنك ترى مثلَ هذه الصورةِ ماثلةً للعيان، موجودةً في كل زمان، متجدِّدةً في كل آن!



وهذا النوع المتغطْرِس، والصِّنف المتعجرف، يحدد مصيرَه القرآن قائلًا: ﴿ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾، ويا لبؤسِ من كان مهادُه جهنمَ، بعد النفخة والتكبر، والتغطرس والتجبر!



عباد الله، ذلك نموذج من الناس، يقابله نموذج آخر، على الطرف الآخر من القياس؛ قال الله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾، فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي تَمَحَّضَ فِعْلُهُ لِلْخَيْرِ، حَتَّى بَلَغَ غَايَةَ ذَلِكَ، وَهُوَ: تَعْرِيضُ نَفْسِهِ - الَّتِي هِيَ أَنْفَسُ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ - لِلْهَلَاكِ؛ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ مَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى، فهو يبيع نفسه كلها لله، بيعةً كاملة لا تردُّد فيها ولا تلَفُّتْ، ويسلمها كلها لله لا يستبقي منها بقية، ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غايةً إلا مرضاة الله، ولكأنه المعنيُّ بقول الأول:

رضاك خير من الدنيا وما فيها
يا مالكَ النَّفس قاصيها ودانيها
ونظرة منك يا سؤلي ويا أملي
أشهى إليَّ من الدنيا وما فيها
وليس للنفس آمالٌ تؤمِّلُها
سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
فليرضَ عني الناس أو فليسخطوا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاك


يا رب:

كلُّ الرِّحاب سوى رِحابِك وَحشةٌ
يا ضيعةَ السَّاعي لغير رضاك
تَحلو مرارةُ عيشٍ في رضاكَ ومَا
أُطيقُ سُخطًا على عيشٍ من الرَغَدِ


عباد الله، إنَّ هذه الآياتِ ترسم صورة إنسان، وتحدد ملامح نموذج من الناس، ترى نظائره في البشرية هنا وهناك، والصورة الأولى: تنطبق على كل منافق مراءٍ، ذلق اللسان، فظ القلب، شرير الطبع، شديد الخصومة، مفسود الفطرة.



والصورة الثانية: تنطبق على كل مؤمن خالص الإيمان، متجرد لله، مرخصٍ لأعراض الحياة، وهذا وذلك نموذجان معهودان للعِيَان، يتأمل الناس فيهما معجزة القرآن، ومعجزة خلق الإنسان، بهذا التفاوت بين النفاق والإيمان، ويتعلم منهما الناس ألا ينخدعوا بمعسول القول، وطلاوة الدهان، وأن يبحثوا عن الحقيقة وراء الكلمة المزوَّقة، والنبرة المتصنعة، كما يتعلمون منهما كيف تكون القِيَمُ في ميزان الإيمان، والميدان برهان.



وَكائِن تَرى مِن صامِتٍ لَك مُعجبٍ
زِيادَته أَو نَقصُهُ في التَّكَلُّمِ
لِسانُ الفَتى نِصفٌ وَنِصفٌ فُؤادهُ
فَلم تَبقَ إِلّا صورَةُ اللَّحمِ وَالدَّمِ


اللهم أوتِد قلوبنا على ما ترضى، وأقِمها حيث ترضى، واجعل رضاك غايتها ومبتغاها.



[1] رواه البخاري في الأدب المفرد، باب الرجل يكون في القوم فيبزق (ص392)، ورواه أبو داود في سننه (2 /144)، والطبراني في المعجم الكبير (3 /261)، حسنه الألباني، صحيح الأدب المفرد (ص442).

[2] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، باب قول الله تعالى: ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204] (3 /131)، ورواه مسلم، باب في الألد الخصِم (4 /2054).

سهام الروح
06-16-2022, 10:06 PM




ألف شكر لك على هذا الطرح المميز
تسلم الانامل على الذوق الرفيع
و الابداع والتميز يعطيك الف عافية
ولا تحرمينا من ابداعاتك وتميزك المتواصل
فنحن بانتظار جديدك الرائع والجميــــــل
كوجودك المتواصل والجميل معنا
دمت ودام لنا تميزك
لروحك أكاليل الورد

مع تحياتي
سهام الروح
https://upload.3dlat.com/uploads/13612773802.gif





ريآن
06-16-2022, 10:13 PM
جزيتم الجنان
ورضى الرحيم الرحمن
أدام الله سعادتكم
ودمتم بــ طاعة الرحمن

ريان

خلود المشاعر
06-16-2022, 10:18 PM
كل الشكر على روعة اختياارك
والله يعطيك العافية
كنت هنا / خلود المشاعر

كلي دلع
06-16-2022, 10:35 PM
طرح رائع
يعطيك الف عافيه
ماننحرم

حلا
06-17-2022, 03:52 AM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك

محروم
06-17-2022, 10:11 AM
يعَطَيَكَ اَلَعَآفَيَـهَ عَلَىَّ اَلَإنَتَقَآء اَلَرَوًّعَـهَ
شَكَرَاًَ لَكَ مَنَ اَلَقَلَبَ عَلَىَّ هَذآ اَلَمَجَهَُوًّدَ ,
مَاَأنَحَرَمَ مَنَ عَطَـآءكَ اَلَمَمَيَزَّ يََ رَبَ !
دَمَتَ بَحَفَظَ اَلَلَهَ وًّرَعَآيَتَهَ

قمر هـادي
06-17-2022, 01:00 PM
موضوع مميز
كل الشكر للانتقاء الراقي
تقديري

حلم مستحيل
06-17-2022, 05:52 PM
يعطيكم العافية
للتواجد المميز
شكري ووردي

الامل الذهبي
06-19-2022, 11:21 PM
يعطيك الف عافية
جزاك الله خيرا
نور الله دربك \ جعله في ميزان حسناتك
لا حرمنا

نايف
06-19-2022, 11:29 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب

غرام
01-07-2024, 07:28 PM
جزاك الله خير
وجعله في موازين حسناتك
وانارالله دربك بالايمان
ماننحرم من جديدك المميز
امنياتي لك بدوام التألق والابداع
دمـت بحفظ الله ورعايته

تاليا
01-13-2024, 11:31 AM
جَزآكـَ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـْ عَ آلطَرْحْ آلهآمْ
مَجْهودٌ وَآضِحْ وَعَطآءٌ دَآئِمْ