لم لا نتوبُ يا عباد الله: ومَلِكُ الملوك جلَّ جَلاله يَنزِلُ في كُلِ ليلةٍ إلى سماءِهِ الدُّنيا نزولًا يليقُ بجلاله فينادي: «هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟..
لمَ لا نتوبُ يا عباد الله: وربُّنا التوابُ الوهابُ يُبشرنا بقوله: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر: 49]، وينادينا: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].. ويُكرِّر النِّداء في الحديث القدسي: "يا بنَ آدمَ، إنكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كان فيك ولا أُبالي، يا بن آدم، لو بلَغَتْ ذُنوبُكَ عنانَ السماء، ثمَّ استغفرتَني غفَرْتُ لَكَ ولا أُبالي، يا بن آدَمَ، إنَّكَ لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا، لأتيتُكَ بقُرابها مَغْفِرةً"..
لم لا نتوبُ يا عباد الله: وقدوتنا وأسوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم كان يتوبُ في اليوم الواحد أكثرَ من سبعينَ مرةً، وفي رواية أكثر من مائة مرة.. والحديث في البخاري..
لم لا نتوبُ يا عباد الله: وربنا جلَّ جلاله، يبسُطُ يدَهُ بالليل ليتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويبسُطُ يدَهُ بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل»؛ والحديث في البخاري ومسلم..
لم لا نتوب يا عباد الله: والله جلَّ جلاله يُحذرنا ويُنذِرنا فيقول: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، ويقول أيضًا سبحانه: ﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 74]..
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه...
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من...
معاشر المؤمنين الكرام: لعِظمِ مَنزِلةِ التَّوبةِ عندَ اللهِ تعَالى، ولشدِّةِ أهمِيتِها للعباد، فقد يسَّرهَا اللهُ تعالى إيَّما تيسِيرٍ، ونوَّعَ السُبلَ التي تُوصِلُ إليها، ووعدَ بقبول التَّوبةِ ممَّن صَدقَ فيها، قال جلَّ وعلا عن نفسه العلية: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]..
ثمَّ أدعوكم يا عباد الله لنتأمَّل هذه الأحاديثَ الصحيحةَ جيدًا: قال عليه الصلاة والسلام: « مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ ».. وفي "صحيح مسلم" قال صلى الله عليه وسلم: « من توضَّأ فأحسنَ الوُضُوءَ، خرجتْ خطاياهُ من جَسَدِه حتى تَخْرُجُ من تحتِ أظفاره ».. وفي "الصحيحين" قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ».. وفي "الصحيحين" أيضًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ».. وجاء في حديثٍ حسنهُ الإمام الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال: « مَا عَلَى الْأَرْضِ رَجُلٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، إِلَّا كُفِّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ ».. ومثله أيضًا قال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، تَنْفُضُ الْخَطَايَا كَمَا تَنْفُضُ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ».. وفي صحيح أبي داود رحمه الله، قال عليه الصلاة والسلام: « مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ».. « وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »..
أرأيتم يا عباد الله: أعمالٌ سهلةٌ يسيرة، ذاتُ أجورٍ عاليةٍ كبيرة، فما رأيكم وفقكم الله، أن تعزموا على الإكثار منها، والمداومة عليها، عسى أن تفوزوا بموعودِها، فاللهُ سبحانه لا يخلفُ الميعاد..
ثم أبشروا يا عباد الله، فإنَّ العبدَ المسلم إذا جاهدَ نفسهُ على طاعة ربه، وكفَّها عن مّعصِيتهِ، ولازمَ التوبةَ والاستغفارَ وداومَ عليها، وصبرَ على ذلك ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ؛ انقادت نفسهُ لذلك شيئًا فشيئًا، حتى تألفَ الطاعة، وتتلذذَ بالعبادة، وتتذوقَ حلاوةَ الإيمان، وتأنسُ بمناجاة الرحمان، ومن ثمَّ تُصبِحُ المعاصِي والمخالفاتِ من أكرهِ الأشياءِ إليه، وأشقِّ الأمورِ عليه.. واللهُ تبارك وتعالى برحمته الواسعة وفضلهِ العظيم، إذا علمَ من عبده حُسنَ النيةِ، وصِدقَ الرغبةِ في الخير، ومحبةَ القيامِ بما أوجبَ اللهُ عليه.. أعانهُ اللهُ وسددهُ، وهيأ لهُ الأسباب، وفتحَ لهُ من خزائنِ جودهِ ما لا يخطرُ لهُ على بال..
إيّ واللهِ يا عبادَ الله، وإن أردتم دليلًا فتأملوا هذا الكرم الإلهي العجيب، في قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7 ، 8]..
أَلا فَمَا أَحرَانَا يا عباد الله: أَن نَتَّقِيَ اللهَ، وَأن نَعُودَ إِلى رُشدِنَا، وَأن لا نَتَمَادَى في الخَطَأِ وأن لا نُصِرَّ على الذنوب، وأَن نجدِّدَ التوبةَ ونجتهدَ فيها بصدقٍ وإخلاص.. ولنُبشِر بالقبول، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17]..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.. اللهم صل..
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف