الحمد لله على نعمه وآلائه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأخواتنا الفضليات وإخواننا الفضلاء، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سبق الحديث عن موضوع " من آدَاب وَسُنَن التَّشْمِيت فِي الْعُطَاسِ"، وبإذن الله وعونه أُكمِل الحديث عن نفس العنوان، سائلًا الله لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل.
(من آداب وسنن التشميت في العطاس):
تَكرار العُطاس يقتضي تكرار التشميت، فيشمته ثلاثًا ثم يسكت:
إذا تَكرَّرَ العطاسُ من إنسان متتابع، يكرر السامع التشميت، إلا أن يعلم أنه مزكوم، فيدعو له بالشفاء، عن إياس بن سلمة بن الأكوع أن أباه حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وعطس رجل عنده، فقال له: «يَرْحَمُكَ اللهُ»، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" [1]، [2].
قوله: "(الرجل مزكوم) تنبيهٌ على الدعاء له بالعافية؛ لأن الزكمة علة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه تنبيهٌ له على هذه العلة ليتداركها ولا يُهملها، فيصعب أمرُها، فكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة، وعلم وهدى"[3].
-لَا يُشَمَّتُ العَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ:
إذا عطس إنسان فحمد فَشَمِّتْهُ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ»[4].
قال ابن عابدين: "وإنما يستحق العاطس التشميت إذا حمد الله تعالى، وأما إذا لم يحمد لا يستحق الدعاء؛ لأن العطاس نعمة من الله تعالى، فمن لم يحمد بعد عطاسه، لم يشكر نعمة الله تعالى، وكفران النعمة لا يستحق الدعاء"[5].
ذكر ابن حجر في فتح الباري ما أخرجه ابن عبدالبر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن، أنه: "كان في سفينة فسمع عاطسًا على الشط حمد، فاكترى قاربًا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمَّته، ثم رجع فسئل عن ذلك، فقال: لعله يكون مجاب الدعوة، فلما رقدوا سمعوا قائلًا يقول: يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم"[6].
ينبغي للعاطس خفض الصوت، وتغطية الوجه باليد، أو بالثوب حال العطاس:
إن مما جاء به الإسلام من الآداب أن إذا عطس عاطسٌ، وضع يده أو ثوبه على فيه وغض بها، تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ[7]، [8].
قال ابن العربي: "فأما خفض صوته بها؛ لأنه لا يؤمن عليه إذا تعاظم رفع الصوت أن يضر ذلك به في رأسه ومجازي نفسه، وأما تغطية وجهه؛ فكيلا ينتشر ما يقذف من رطوبة على ثيابه، أو جليسه؛ إذ لا يملك عند العطاس نفسه، فلا يأمن ما يخرج منه"[9].
غير المسلم يَعْطِسُ وَلَا يَحْمَدُ اللَّه، فلا يُدعى له بالرحمة والمغفرة:
إذا عطس غير المسلم، فيسن الدعاء له بالهداية والتوفيق للإسلام، عن أبي بردة عن أبيه، قال: كانت اليهود تَعاَطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لها يرحمكم الله، فكان يقول: «يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ»[10].
فدلَّ الحديث على أن كلَّ داعٍ مشمِّتٌ، فهذا على هذا؛ أي: (قول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الذمة: يهديكم الله، ويصلح بالكم)، تشميتٌ لأهل الذمة؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم دعا لهم بالهداية، وتركَ الدعاءَ لهم بالرحمة، فيقتضي ألا يُدعى للكافر بالرحمةِ"[11].
من الأحْكَامِ المُتفَرّقةٍ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ:
♦ إذا عطس المصلي أثناء الصلاة، قال مالك: "إذا عطس المصلي فليحمد الله في نَفْسِهِ، وتركه أَحَبُّ إليَّ" [12].
♦ ينبغي إذا عطس العاطس أن يتأنى حتى يسكن بما به ثم يشمتوه، ولا يعاجلوه بالتشميت، وإذا عطس الخاطب وقال: الحمد لله ومر في خطبته لم يشمت، وإن وقف شمتوه"[13].
♦ إذا علم من رجل يكره أن يُشَمَّتَ، ويرفع نفسه أن يتأسف، بذلك لم يشمت لا إجلالًا له، بل إجلالًا للتشميت عن أن يُؤهَّل له من يكرهه، قال الله عز وجل فيما حكاه عن نوح النبي صلوات الله عليه أنه قال لقومه: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ [هود: 28]، فإن قيل: إذا كان التشميت سنة، فلم تترك السنة بكراهية من يكرهها؟ قيل: هي سنة لمن أحبها، وليس بسنة لمن كرهها؛ لأن من يرغب عن الخير رغب الخير عنه[14].
♦ إذا عطست امرأة، أَو سلمت "إن كانت عجوزًا شمتها، وإلا فلا، وكذا رد السلام عليها على هذا"[15].
♦ إذا عطس الصبي يُشمَّتَ ببارك الله فيك، "ويقال للصبي إذا عطس: بورك فيك وجبَرك الله"[16].
وجملة القول:
♦ من فوائد التشميت تحصيل المودة والتأليف بين المسلمين، وتأديب العاطس بكسر النَّفْسِ عن الكبر والحمل على التواضع، لِما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يَعْرى عنه أكثر المكلفين.
♦ إذا زاد العطاس عن ثلاث، فهو مخير بين السكوت وهو رخصة، وبين التشميت وهو مستحب.
♦ التشميت تحية، ومن كره التحية لم يُحيَّ، كما أن من كره الزيارة لم يزر.
♦ إذا لم يحمد العاطس بعد عطاسه فلا يشمت، وقيل: يستحب لمن عنده أن يذكره الحمد.
♦ ينبغي للعاطس تغطية وجهه، وخفض صوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل، ولأن تغطية الوجه ستر لما يغير العطاس من الوجه والهيئة، ولأن إعلاء الصوت عندها مباعد للأدب والوقار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف