وأما في الاصطلاح: فهو طلب خير الأمرين من إمضاء العقد أو فسخه.
(البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) والمقصود بالتفرق هنا هو التفرق بالأبدان العرفي، ( وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر )، أي: يقول له: اختر إمضاء البيع، ( أو يخير أحدهما الآخر )، أي: يقول له: اختر إمضاء البيع.
الخلاف في إثبات خيار المجلس :
قوله: ( فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ) أي: لزم البيع.
وهذا الحديث فيه دليل لما ذهب إليه الشافعي والإمام أحمد من إثبات خيار المجلس، خلافاً لما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك من عدم إثبات خيار المجلس، مع أن الإمام مالكاً رحمه الله يروي حديث خيار المجلس في كتاب الموطأ، ومع ذلك قال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك؛ لأنه يروي هذا الحديث ومع ذلك لا يقول به، والصواب ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي وهذا هو الصواب.
وهذا هو الذي دل له فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وابن عمر رضي الله تعالى عنهما، كان إذا أراد أن يلزم بعقد البيع مشى خطوات، كذلك أيضاً يدل لهذا فهم أبي برزة رضي الله تعالى عنه.
ما يثبت به خيار المجلس :
وقوله: ( إذا تبايع الرجلان ) هذا يدل على إثبات خيار المجلس في البيع وما كان في معنى البيع، يعني: هذه مسألة خيار المجلس بما يثبت من العقود، يعني: ما هي العقود التي يثبت بها خيار المجلس؟ وما هي العقود التي لا يثبت بها خيار المجلس؟ .
نقول: الضابط في ذلك: خيار المجلس يثبت في البيع وما كان في معنى البيع، لقوله: " البيعان " " إذا تبايعا " وما عدا ذلك من العقود لا يثبت بها خيار المجلس، فيثبت خيار المجلس في البيع، ويثبت في الإجارة، مع أن الإجارة بيع للمنافع، ويثبت في الصرف؛ لأن الصرف بيع نقد بنقد، ويثبت في السلم؛ لأن السلم بيع تقديم الثمن وتأخير المثمن.
ويثبت أيضاً على الصحيح في المساقاة والمزارعة؛ لأنها لازمة وهي شبيهة بالإجارة.
فنقول: يثبت في البيع وما كان في معنى البيع، وما عدا ذلك فلا يثبت فيه، كالوقف -مثلاً- لو قال هذا البيت وقف، ثم قال: رجعت ولي الخيار، نقول: ليس لك الخيار، وكذلك الهبة لا يرجع فيها، وكذلك القرض لا يثبت فيه.
المهم أن العقود التي ليست بيعاً ولا في معنى البيع نقول: لا يثبت فيه، والنكاح لا يثبت فيه إلى آخره، والشركة والوكالة هذه لا يثبت فيها خيار المجلس، لأنها ليست بيعاً ولا في معنى البيع، وأيضاً هي عقود جائزة ولا حاجة إلى إثبات خيار المجلس فيها، بل له الحق في الفسخ متى شاء.
مدة خيار المجلس :
وقوله: ( إذا تبايع الرجلان ) ومما يفيده هذا الحديث: أن مدة خيار المجلس أنها غير محددة لقوله: ( ما لم يتفرقا ) فما دام أنهما متلازمان بأبدانهما فإن الخيار باقٍ حتى لو طالت المدة، لو جلس في هذا المكان لمدة يوم أو يومين أو شهر، فإن الخيار باقٍ لكل واحد منهما مادام أنهما متلازمان بأبدانهما، حتى لو خرج من المجلس.
فقول العلماء رحمهم الله: (خيار المجلس) هذا وصف أغلبي، لكن لو خرجا من المجلس وهما متلازمان بأبدانهما فكل واحد منهما بالخيار، حتى يتفرقا بأبدانهما عرفاً، فإذا تفرقا بأبدانهما عرفاً لزم البيع.وقوله: ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا )، أيضاً يؤخذ من هذا أنهما إذا تفرقا بأبدانهما فإن العقد يكون لازماً، وضابط التفرق أنه راجع إلى العرف.
المصدر: شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع. د. خالد بن علي المشيقح .
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف