بحوث في السيرة النبوية (6)
الحقب الزمنية للسيرة النبوية
يُقسِّمُ دارسو السيرة حياةَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث حقب زمنية، تختلف حسب مدتها ومصادرها إلى:
حياته قبل البعثة؛ وتُسمَّى العهد المكي الأول، وهي أطول هذه الحقب مدة، وتمتاز بقلة المادة التاريخية.
العهد المكي الثاني من البعثة إلى الهجرة: وفيه نزل معظم الوحي، واشتد فيها الأذى على أصحابه، وظهر فيها معظم معجزاته الحسية.
العهد المدني من الهجرة إلى الوفاة: وهي أغناها بالمادة التاريخية، وفيها اكتمل الوحي ونزل التشريع، ووضعت دعائمُ الدولة المسلمة القوية المبنية على العدل والتقوى.
وكل واحدة من هذه الحقب تُقسَّمُ إلى عدة مراحل حسب الأحداث المؤثرة والانتقال النوعي الذي يحدث في حياة الفرد والجماعة.
حياته قبل البعثة: وهي المرحلة الأولى من مراحل العهد المكي، وقد فُصِّلت عنه، وهي أطول هذه المراحل زمنًا، وأفقرها من حيث المادةُ التاريخية؛ لقلة الرواة الذين عاصروا هذه الفترة، وأهمُّ ما ميَّز هذه المرحلة تأملاتُه صلى الله عليه وسلم، ودراسته للمجتمع الذي سيحمل إليه رسالة ربِّه.
وتُقسَّمُ هذه المرحلة بدورها إلى عدة مراحل، وهي:
المولد إلى أربعة أعوام: وهي فترة إقامته مع حليمة بنت أبي ذؤيب في حي بني سعد بن بكر، وفيها شُقَّ صدرُه، وشوهد الكثير من معجزاته.
عودته من عند بني سعد إلى بلوغه ست سنوات: وهي الفترة التي حضنته فيها أمُّه آمنة بنت وهب الزهرية.
من وفاة أمه إلى بلوغه ثمانيَ سنوات: وهي فترة كفالة جده عبدالمطلب له.
من وفاة جده عبدالمطلب إلى زواجه من خديجة وعمره خمس وعشرون سنة: وفيها كفله عمه أبو طالب، وحدثَتْ حرب الفِجار، وشَهِد حِلْفَ الفُضول، ورعى غنم أهل مكة، وسافر إلى الشام واليمن والبحرين في تجارة خديجة، ومع عمَّيْه أبي طالب والحارث.
من زواجه خديجة إلى بعثته: وشهدَت أحداثًا هامة؛ مثل: تجديد بناء الكعبة، وانتزاعه لفتيل الأزمة بين بطون قريش، والتي كادت تُودي بهم للتقاتل، وتبنيه زيدَ بن حارثة، وولد فيها أبناؤه الكرام، وربَّى عليَّ بن أبي طالب، واعتزل في غار حراء؛ للتحنث والتأمل، حيث نزل عليه جبرائيل بالوحي من عند ربه عز وجل.
البعثة: العهد المكي الثاني:
يبدأ العهد المكي الثاني من بَعثته صلى الله عليه وسلم إلى هجرته، وتُقسَّمُ إلى عدة فترات؛ هي:
مرحلة الدعوة السرية: من نزول قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2] إلى نزول قوله: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ [الحجر: 94]، وقد قدَّر علماء السيرة هذه الفترة بثلاث سنوات، أسلم فيها الكثير من المستضعفين.
مرحلة الدعوة الجهرية: من نزول قوله تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ [الحجر: 94] إلى وفاة أبي طالب وخديجة في السنة العاشرة من البعثة، وتُقدَّرُ هذه الفترة بسبع سنوات، بدأ الإسلام خلالها ينتشرُ خارجَ مكة، فأسلمت غِفارٌ ودَوْسٌ وغيرهما من القبائل العربية.
مرحلة الدعوة خارج مكة: من السنة العاشرة للبعثة إلى الهجرة سنة 13 للبعثة، وفيها عرَض الإسلام على أهل الطائف، وزار الكثير من القبائل العربية في مضاربها، يَصحَبُه في رحلاته تلك أبو بكر الصديق يُعرِّفُه أنسابَ القبائل، وعليُّ بن أبي طالب، كما كان يعرض الإسلام على وفود الحجيج، وفي هذه المرحلة دخل الإسلام المدينة، وانتشر سريعًا بين قبائل الأنصار؛ الأوس والخزرج.
العهد المدني:
يبدأ العهد المدني بهجرته من مكة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، وهي فترة تأسيس الدولة، ونزول الأحكام، وتُعتبَرُ الفترة الأهمَّ في التاريخ الإسلامي، وتُقسَّم إلى خمس مراحل زمنية أساسية؛ هي:
المرحلة الأولى:تبدأ من الهجرة إلى غزوة بدر رمضان سنة 2هـ، وفيها بُنِي المسجد النبوي، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وعاهدَ القبائل اليهودية المحيطة بالمدينة، كما وادَعَ الكثير من القبائل العربية المجاورة لحدود المدينة حتى يُؤمِّنَها من الأخطار المحيطة بهم.
المرحلة الثانية: من غزوة بدر إلى غزوة الخندق شوال سنة 5هـ، وفي هذه الفترة جاهد قريشًا، وأجلى قبائل اليهود من المدينة؛ لنَقْضِهم المواثيق، وأخضع الكثير من القبائل العربية المتمردة، ووصَل الإسلامُ إلى حدود مكة.
المرحلة الثالثة: من غزوة الخندق إلى فتح مكة رمضان سنة 8هـ، وفي هذه المرحلة قَضى على قريظة؛ لخِيانتِها ومُظاهَرتِها للأحزاب، وصالَح قريشًا صُلحَ الحديبية المعروف، وفتح خيبرًا، وأدَّب القبائل العربية التي شاركَت في التحالف ضده، كما أرسل الرُّسل للملوك يدعوهم للإسلام، وأسلم أهلُ اليمن، وملوكُ عمان والبحرين، ولم يبقَ من الجزيرة العربية خارجٌ إلا مكةَ والمناطقَ الخاضعة لسيطرة الرومان والفرس شمال وشرق الجزيرة.
المرحلة الرابعة:من فتح مكة إلى غزوة تبوك سنة 9هـ، وفيها أسلم أهل مكة وباقي الحجاز ونجران، وأذعن مَن لم يُذعِنْ من القبائل العربية، وبدأت الوفود في الإقبال عليه.
المرحلة الخامسة: من تبوك إلى وفاته ربيع الأول سنة 11 هــ، وفيها حجَّ حجة الوداع، واكتمل التشريع، ووفَد مَن لم يَفِدْ عليه من قبائل العرب، وجهَّز بعْثَ أسامة، ثم مَرِض مرَضَه الذي تُوفِّيَ فيه، وتُوفِّي يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ؛ لتنتهي بذلك أروع صفحة من صفحات التاريخ، ويبدأ المسلمون مرحلة جديدة؛ مرحلة الخلافة على منهاج النبوة.
بحوث في السيرة النبوية (6)
العرض الشجري