يبتدئ وجوب الصوم اليومي بطلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق، وينتهي بغروب الشمس؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]؛ أي: حتى يتضح بياض النهار من سواد الليل.
المسألة الثانية: يجب صوم رمضان، إذا علم دخوله، وللعلم بدخوله ثلاث طرق:
الطريقة الأولى: رؤية هلال رمضان؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته))، فمن رأى الهلال بنفسه، وجب عليه الصوم، ويستحب ترائي الهلال لحديث ابن عمر القادم.
الطريقة الثانية: الشهادة على الرؤية، أو الإخبار عنها، فيُصام برؤية ثقة مكلف، ويكفي إخباره بذلك؛ لقول ابن عمر رضي الله عنه: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه))؛ [رواه أبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم].
الطريقة الثالثة: إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا، وذلك حينما لا يرى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان.
وبناء على ما سبق، فإن ما يقرره علماء الحساب والفلك في تحديد دخول الشهر، لا عبرة به؛ إذ أن الأمر يتعلق برؤية الهلال، وهذا أمر شرعي؛ هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمر شرعي ليس لأحد أن يثبته بغير ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز صيام رمضان اعتمادًا على الحساب الفلكي، أو المراصد الفلكية، أو التقويم؛ لحديث: ((صوموا لرؤيته))؛ [انظر: قرارات المجمع الفقهي بمكة المكرمة، ص 63، 64، 80، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة 6/114، ومجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 15 /68،121،127، 136، وانظر: مجموع فتاوى شيخنا ابن عثيمين 19/36].
وهذا القول - أعني: عدم اعتبار الحساب الفلكي - هو قول جمهور العلماء، بل نقل الإجماع على عدم اعتبار الحساب الفلكي شيخ الإسلام ابن تيمية؛ [انظر: مجموع الفتاوى 3 /132، 133].
المسألة الثالثة: ما هو يوم الشك؟ وما حكم صيامه؟
اختلف في تعريف يوم الشك:
المذهب: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت السماء ليلة الثلاثين من شعبان صحوًا.
والقول الراجح والله أعلم: أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت السماء ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر – أي: غبار - فيكون اليوم التالي لهذه الليلة مشكوكًا فيه، هل هو اليوم الثلاثين من شعبان أو اليوم الأول من رمضان؟ وأما إذا كانت السماء ليلة الثلاثين صحوًا، فيمكن رؤية الهلال، فلا شك في هذه الحالة.
حكم صيام يوم الشك:
المذهب: على التعريف الأول - وهو تعريف المذهب - أن يوم الشك يكره صيامه، ومذهب المتأخرين على التعريف الثاني يجب صومه احتياطًا.
وألف علماء الحنابلة مؤلفات في وجوب صوم يوم الشك احتياطًا، ونافحوا عن هذا القول بشدة؛ ومن ذلك: "إيجاب الصوم ليلة الغمام"، للقاضي أبي يعلى، و"رد اللوم والضيم في صوم يوم الغيم"، لابن الجوزي، و"درء اللوم"، ليوسف بن عبدالهادي، وغيرهم.
والقول الثاني: أنه يحرم صومه إذا قصد به الاحتياط لرمضان، وهذا القول هو الأظهر، والله أعلم.
الأدلة:
1 - عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: ((من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه البخاري تعليقًا ووصله الخمسة]، فسمى صيامه معصية، والمعصية لا تكون إلا في فعل محرم.
2 – حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم، فأكملوا العدة ثلاثين))؛ [رواه البخاري].
دل هذا الحديث على وجوب إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا في حال الغيم، وعليه يحرم صوم الشك.
3 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه))؛ [متفق عليه].
قال ابن عثيمين في الممتع 6/ 307: "وأصح هذا الأقوال هو التحريم".
المسألة الرابعة: إذا رُؤي الهلال في بلد دون آخر:
المذهب: إذا رآه أهل بلد، لزم الناس كلهم الصوم.
القول الراجح والله أعلم: أن لكل أهل بلد رؤيتهم، فالعبرة باختلاف المطالع.
ويدل على ذلك:
1- حديث كريب رضي الله عنه: ((أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام وقضيت حاجتها، واستهل عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة آخر الشهر، فسألني عبدالله بن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم، حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أوَلَا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه مسلم].
2- ولأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب لمن كان بعيدًا عن المدينة بشأن هلال رمضان، ولو كانت رؤيته لازمة للناس كلهم، لكتب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم يخبرهم برؤية أهل بلده، ولأرسل أهل الأمصار للنبي صلى الله عليه وسلم يخبرونه برؤيته، ولكن لم يثبت شيء في ذلك، ولأن الصحابة والتابعين يبلغهم الخبر أثناء الشهر بتقدم رؤية بعض الأمصار، فلو كانت الرؤية لازمة لجميع الناس، لوجب القضاء، ولا كثر القضاء، ولتوفرت الهمم على البحث عن رؤيته في سائر البلدان.
مسألة: لو صام برؤية بلد، ثم سافر لبلد آخر قد صاموا بعدهم بيوم، وأتم هو ثلاثين يومًا، ولم يَرَ الهلال في تلك البلد التي سافر إليها، فهل يفطر أو يصوم معهم؟
قال ابن عثيمين في الممتع 6/ 318: "الصحيح أنه يصوم معهم ولو صام واحدًا وثلاثين يومًا".
فائدة: إذا رأى الناس هلال رمضان نهارًا، فهو لليلة القادمة لا الماضية، والعبرة برؤية الهلال ليلًا ولا عبرة برؤيته نهارًا؛ لأن الليل هو وقت الرؤية.
المسألة الخامسة: النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين احتياطًا:
ويدل على ذلك:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجلًا كان يصوم صومًا فليصمه)).
ففي هذا الحديث النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين، إلا من كان له صيام معتاد عليه، كمن اعتاد صيام الإثنين والخميس، ووافق أحدهما آخر الشهر، أو من اعتاد صيام يوم وإفطار يوم، ووافق ذلك، أو من اعتاد صيام آخر الشهر، أو من كان عليه قضاء ولم يبقَ من أيامه إلا آخر الشهر.
كما أن هذا الحديث يدل على أنه يجوز الصيام بعد منتصف شعبان، وأما حديث أبي هريرة: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))، فضعفه بعض أهل العلم، ومما يدل على ضعفه أيضًا ما جاء في حديث عائشة في الصحيحين: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله إلا قليلًا)).
المسألة السادسة: يصام شهر رمضان برؤية عدل ولو أنثى:
وهذا هو المذهب وهو القول الراجح والله أعلم: فلا بد أن يكون أمينًا موثوقًا بخبره، فإن كان لا يوثق بخبره، إما لتسرعه، أو لمعرفته بالكذب، أو ضعف بصره، فلا تقبل شهادته.
وهل يكفي في رؤية هلال رمضان خبر الواحد أم لا بد من التعدد؟
المذهب: أنه يكفي في رؤيته خبر الواحد، وهو القول الراجح، والله أعلم.
ويدل على ذلك:
1- حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال – يعني: رمضان – فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال، أذن في الناس فليصوموا غدًا))؛ [رواه أبو داود والترمذي]، وهذا الحديث، وإن ضعفه بعض أهل العلم، لكن يقويه الحديث الآخر وهو:
2- حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ((تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه))؛ [رواه أبو داود].
والمرأة تقبل شهادتها؛ والسبب: أن رؤية الهلال من باب الخبر، والرؤية لا من باب الشهادة التي يشترط فيها رجلان، أو رجل وامرأتان.
قال ابن عثيمين في الممتع 6 /314: "ينبغي أن يقال: أن الشهادة في الأموال ليست كالشهادة في الأخبار الدينية، ففي الأموال يجب أن نشدد، لا سيما في هذا العصر؛ لكثرة من يشهدون زورًا، لكن في الشهادة الدينية يبعد أن يكذب الإنسان فيه".
هل يكفي في رؤية هلال بقية الشهور غير رمضان خبر الواحد أم لا بد من التعدد؟
المذهب وهو القول الراجح والله أعلم: أنه لا بد من شاهدين، ولا يكفي خبر الواحد، وبه قال جمهور العلماء.
ويدل على ذلك:
1- حديث الحارث بن حاطب رضي الله عنه قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤيته، فإن لم نره فشهد شاهدان عدلان، نسكنا بشهادتهما))؛ [رواه أبو داود، والدارقطني، وصححه].
2- حديث عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، إلا أن يشهد شاهدان، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا))؛ [رواه أحمد، والنسائي، وصححه الألباني].
المسألة السابعة: إذا صام الناس رمضان ثلاثين يومًا بشهادة واحد عدل، ثم لم يروا هلال شوال بعد الثلاثين:
المذهب: أنهم لا يفطرون بصوم ثلاثين يومًا بشهادة الواحد سواء كانت صحوًا أو غيمًا.
والقول الراجح والله أعلم: أنهم يفطرون.
التعليل: لأن الشهر لا يزيد على ثلاثين يومًا، ورؤية العدل حجة شرعية ثبت دخول الشهر بها، فيثبت خروج الشهر بعد إكمال العدة ثلاثين.
المسألة الثامنة: لو رأى هلال رمضان وحده، وشهد بذلك عند القاضي، ورد شهادته، فهل يلزمه الصوم؟
المذهب وهو القول الراجح والله أعلم: أنه يلزمه الصوم وحده، وهو قول جمهور العلماء.
الأدلة:
1- قال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وهذا شهد الشهر، فوجب عليه الصوم.
2- حديث ابن عمر مرفوعًا: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))؛ [متفق عليه]، وهذا الرجل رآه فوجب عليه الصوم.
المسألة التاسعة: لو رأى هلال شوال وحده، وشهد بذلك، وردت شهادته، فهل يفطر؟
المذهب وهو القول الراجح والله أعلم: أنه يلزمه الصوم مع الناس، وهو قول جمهور العلماء.
التعليل: أن هلال شوال لا يثبت شرعًا إلا بشاهدين، وهنا لم يشهد به إلا واحد.
رجح هذا القول ابن عثيمين في الممتع 6 /319، وقال: "ووجه ذلك أن هلال شوال لا يثبت شرعًا إلا بشاهدين، وهنا لم يشهد به إلا واحد، فلا يكون داخلًا شرعًا، فيلزمه الصوم، مع أنه رآه، وأما هلال رمضان، فيثبت بشهادة واحد، وقد شهد به، فلزمه الصوم)).
فائدة: يجوز أن يقال رمضان بدون لفظ شهر.
وهذا قول المذهب وهو القول الراجح والله أعلم، والرواية الثانية عند المذهب: أنه يكره قول رمضان بدون شهر.
ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين مرفوعًا: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة))، وحديث ابن عباس عند مسلم مرفوعًا: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)).
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا شهر رمضان))؛ [أخرجه ابن عدي والبيهقي، وضعفه ابن عدي؛ لأن في سنده أبا معشر المدني، وهو رجل ضعيف].
[1] الأبواب التي بين القوسين المعقوفين [ ] من وضع الشارح وليست من وضع الماتن.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف
بـاب وقت صوم رمضان ورؤية هلاله
العرض الشجري