يعيش التراث الفلسطيني الغني تحت رحمة ثورة التقنية الحديثة والتي تلتهم رويدا رويدا ما تبقى منه، حيث ينازع في الرمق الأخير، ومنه ما اندثر وآخر لا يزال صامدا في الريف الفلسطيني مثل الطابون.. وما ينذر بالخطر الشديد هو ادعاء الاحتلال بأن التراث الفلسطيني هو تراث أجداده على هذه الأرض منذ قديم الزمان.
أصل الطابون
المزارع رزق الله المصري من بلدة عقربا يصف الطابون، ويقول:” الطابون هو من التراث الفلسطيني الذي كاد أن ينقرض كلياً من الريف الفلسطيني، حيث تطلق كلمة الطابون على الغرفة التي تحتوي على الموقد، وهي غرفة صغيرة، سقفها منخفض ومدخلها صغير للمحافظة على الحرارة في الداخل، حيث تتكون بفعل حرق روث الغنم الذي يكون جافا”.
وعن ****ة الطابون يضيف المزارع المصري:” الطابون عادة يكون مدفونا في الأرض لحفظ الحرارة، وهو مصنوع من الطين الأصفر المخلوط بالقش، على شكل نصف جرة، وعادة له غطاء يسمى صْمامة الطابون”.
وبحسب الحاجة عائشة الوادي من بلدة اللبن شمال رام الله، فإن قاع الطابون مغطى بحجارة تجمع من الوديان، وهي ملساء وصغيرة ومستديرة ومنفصلة عن بعضها، وتدعى “الرضف” وهي التي تزيد من الحرارة داخل الطابون.
واستخدام الطابون عملية تحتاج إلى كثير من الجهد وهي شاقة جدا، حيث تقول عائشة:” تحتاج الرضف إلى التحريك دوما لزيادة الحرارة فيما يعرف بالـ”مقحار” المصنوع من الخشب، بالإضافة إلى انحناء الظهر للوصول إلى فوهته ووضع الرغيف، والحرارة المرتفعة”، إلا أن عائشة تتغلب على كل ذلك من خلال الخبرة والممارسة.
استعمالات الطابون
” خبز الطابون أشهى وألذ من أي خبز آخر”.. هكذا يصف أبو نعيم الحاج عبد الله من قرية قرواة بني زيد شمال رام الله خبر الطابون، ويضيف موضحا استعمالات الطابون:” يستعمل الطابون من الداخل للخبز والطبخ والصواني والقِدرِة ولشواء الخضراوات ولتحميص الحبوب كالكستناء ولتحميص القهوة، أما أساس الطابون وهو الجدار الخارجي المغطى بالرماد (السكن) فيستعمل لشواء البطاطا والكستناء والبلوط، و تجمير” الفحم لاستعماله في كانون التدفئة ولصنع القهوة في البيت”.
وأشار إلى أن الطابون يمكن استخدامه في عمل الكثير من المأكولات الشهية، مؤكدا أن السبب يتعلق في أن الحرارة تتولد بالتدريج وترتفع ببطء وهو ما يكسب الطعام المُعد في الطابون نكهة خاصة لا تعادلها نكهة أخرى من وسائل الطبخ الحديثة.
” زبل الطابون”
وعن وقود الطابون، تقول الحاجة عائشة:” إنه يتكون مما توفر من بقايا الجفت وروث الغنم الجاف، حيث يتم تجميع الزبل مرتين ومن ثم تغذية الطابون به عند الفجر وقبل المغرب، كي تبقى حرارة الطابون متواصلة”.
وترى الحاجة عائشة أن تكلفة “زبل الطابون” لا تقارن باسطوانة الغاز التي يبلغ سعرها قرابة 70 شيكلاً “20 دولاراً” بينما “زبل الغنم” لا يكلف قرشا واحدا.
وتشير الحاجة عائشة إلى أن ارتفاع الأسعار دفع جارتها إلى تفعيل الطابون الذي لم تستخدمه منذ خمسة عشر عاما، لافتة إلى أنها أعادت تشييده وجددته لاستخدامه بدلا عن الغاز، حيث تستخدم “زبل الأغنام” الجاف المتوفر بكثرة في إشعال الطابون.
وترى الحاجة عائشة أن الطابون يزيد من التواصل بين الجيران، حيث تتجمع النسوة والجيران، وتقوى رابطة الجيرة والعشرة، مضيفة:” جمعة الطابون أفضل من جمعة التلفزيون وغيره”.
وتختتم الحاجة عائشة حديثها مازحة:” طالما أن الغنم موجودة فهي تنتج الروث، ونحن نستخدمه في الطابون”.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف