والكبير يحلم أن يعود صغيرا ! ما كان بالأمس بعيد المنال غدا اليوم قريبا ،
كل شيء تغير ! كل حال تبدلت !
لكن الحقائق ثابتة مستقرة كثبوت الجبال
وكاستقرار البحار ! في لحظة سكون بدأت أقلب ذاكرتي فيمن حولي
من أصدقاء وأقرباء في أعمارهم وتاريخ سنيهم ،
فألفيت عجباً وعجبت فرقاً! إنهم يتقاربون في سنوات حياتهم ،
ويتقاذفون الأربعين فيما بينهم ،
كلٌ يشيح بوجهه عن نطق الأربعين من أعمارهم . إنها الأربعون - رفقاء الدرب -أ صحاب العمر -
إنها سنوات الرشد واكتمال العقل !
بها الإنسان يكون راشدا ،
تكتمل قوته ويشتد عوده ، ويعظم أمره ! أحسنوا بها الظن ، وهيؤوا لهاالاستقبال ! أربعون عاماً مضى من عمرك ، تنقلت بين مراحل الحياة ،
رضيعاً حيناً وطفلاً حيناً ويافعاً زمناً طويلاً ،
ثم رجلاً شامخاً يشد بك العزم ،
وتسند لك عظائم الأمور ! قد بلغت من العمر مراحل القوة ،
وتجاوزت مراحل الضعف ،
فأقبلت عليك الأربعون بكل رزانتها وعظائمها
منذرةً ومحذرةً ! قد مضى بها أكثر من ثلثي عمرك ،
بتقدير أعمار أمتنا ، فهي بين الستين إلى السبعين ، فلم يبق من عمرك إلا الثلث ! فهل استشعرت ذلك ،
أو ألقيت له بالاً ، أو أبصرت فيه تأملا ! إن أعمارنا راحلة ، وستحط بنا يوماً المسير ! إنك تعيش في بقايا حياة ! وتسكن في بقايا زوايا ! إنها الحقيقة التي لا نريد أن نصدقها ،
والواقع الذي لا نريد أن نحس به . فات من أعمارنا الكثير ،
وأظن ما بقي أقل من ما مضى !! لماذا نتظاهر دائماً بالنسيان وندعي التغافل ! هل نستطيع أن نتماسك ونجمع قوتنا
ونتذكر هذه الحقيقة وهذا الخطب ،
لندع عنا التصابي والتشبب ! فما فات كفى ،
ولنتعظ بمن أجله انتهى ، وأقبل على مولاه ! أيها الصديق العزيز !
وأيها القريب الغالي ! وأيها القارئ الفطن !
يا من في الأربعين يتقلب وفي الخيرات يتنعم ،
إنها الأربعون نعم النذير ونعم البشير ،
تنذرك أن عمرك طال ، وتبشرك أن عقلك اكتمل . نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث بعد أن تم الأربعين ،
ومات وهو في الثالثة والستين ،
ثلاث وعشرون سنة بعد الأربعين . سنيات قليلة تمكثها بعد سن الرشد ،
فهل نجعل للرشد طريقاً، ونجعل للعقل سبيلاً ! وهل نستطع أن نترك اللهو والعبث ، ونبتعد عن كل خلل ،
ونجفو كل زلل ! إن التأمل في هذه الحياة ، والتفكر في حقارة الدنيا
وآلامها ، يجعل الإنسان في صدود عنها ،
وإعراض عن زخارفها . أحبابي لتكن الأربعين درساً لنا في التوبة والرشد ،
ولنقبل على نفوسنا تهذيباً وتطهيراً ولنطرها على الحق أطراً
، فطالما أسرتنا بشهواتها وملذاتها !
دعونا نقتص من أنفسنا ونتغلب عليها حتى نكون وإياها
في الملاذ الآمن والملجأ الوادع ! لتكن العزيمة شعارنا ، وليكن الحزم حاكمنا ! أُخيَّ ! أربعون عاماً عشتها في رحاب الدنيا ،
صحيحاً قوياً معافىً ، قضيتها في رغد من العيش
وسعة من الرزق ! اعمل شكراً بعد توالي هذه النعم ،
واسعَ حمداً على تتابع هذه المنح . لا تدري كم بقي لك من أنفاس !
ولا تعلم كم تمكث من أيام ! لا تغتر بقوتك ، ولا تعتز بجبروتك ،
فأنت مقبل على وهن ، وقادم إلى ضعف !! أُمهلت عمراً مديداً وزمنا طويلاً ،
فهل أنت من المعتبرين !
وهل تكون من الناجين ! آهٍ لعمرٍ مضى ! وآهٍ للذةٍ ذهبت ! تدارك - أيها المبارك - ما بقي لك من حياة ، فربما ساعات الأجل دنت ، ولعل يوم الرحيل قد اقترب ! آن أوان الإنابة ، وحان وقت الأوبة ، وبدأ زمن التوبة ،
ضع حداً لوقت اللهو، وأحسن فيما بقي ،
يغفر لك ما قد سبق . بع لذة زائلة بجنة عالية ، قطوفها دانية ! جعلتُ وإياك ووالدينا متقابلين فيها !
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف