السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :-
نستكمل ما توقفنا عنده سابقا من قولنا بأن المقصود بالفراش في قوله تعالى في سورة القارعة (( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث )) بأنه هو الجراد وهو نوع الحشرات وينتمي إلى طائفة المفصليات كما يذكره علماء الأحياء ، قال الفراء في تفسير البحر المحيط : الفراش هو الهمج الطائر من بعوض وغيره ، ومنه الجراد .
وبعض العلماء فسر الفراش بأنه هو الذي يتساقط في النار والسراج، ليس ببعوض ولا ذباب.
قال ابن عاشور:"الفَراش : فرخ الجَراد حين يخرُج من بيضه من الأرض يَركب بعضه بعضاً وهو ما في قوله : (( يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )) . وقد يطلق الفراش على ما يطير من الحشرات ويتساقط على النار ليْلاً وهو إطلاق آخر لا يناسب تفسيرُ لفظ الآية هنا به" .
وادعاء ابن عاشور-- أن لا مناسبة فيه نظر،فكأنه غفل عن "نار حامية"التي هي آخر ما يقرع الأذن في السورة!
والمناسبة قوية جدا لأن من شأن الفراش التهافت على النار وهو نفسه ذكر هذا المعنى.
وارتباط الفراش بالنار كثير في كلامهم..فالطبري في كلامه السابق جعل التساقط في النار من مقومات حد الفراش.
قال قتادة( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ) هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار.
قال جرير:
إن الفرزدق ما علمت وقومه ... مثل الفراش غشين نار المصطلى
هو طير رقيق يقصد النار ولا يزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى يحترق.
وأحسن من كل هذا مارواه مسلم :
4235 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا. صحيح مسلم - (ج 11 / ص 399)
فتشبيه الناس بالفراش في سياق ذكر النار الحامية مناسب كما ترى...
وقد جاء القرطبي بتفصيل بديع فميز الفراش عن الجراد ثم جمع بين التشبيهين : كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ و كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ فقال:
فأوّل حالهم كالفَراش لا وجه له ، يَتَحيَّرُ في كل وجه ، ثم يكونون كالجراد ، لأن لها وجهاً تقصده"
وهي لمسة بلاغية دقيقة!!
وتوحيد الوجهة-في حركة الجراد- تفسرها الاستجابة للداعي الذي ذكر قبل التشبيه وبعده:
يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ6
مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ8
ويبقى التشبيه المجمل منفتحا على دلالات أخرى منها:
1-الإيحاء بالحقارة والهوان.
2-الحركة المضطربة على غير هدى..
3-التداخل والتراكب.
4-الكثرة غير المتجانسة في الأشكال والألوان.
5-وارتقاب التهافت على النار بعد حين.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف