وعَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم مِنْ أَنْ تلقَوْا عدوَّكُمْ فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟»، قالوا: "بلى يا رسول الله"، قال: «ذكر الله عز وجل»، وجاء في صحيح مسلم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على حلقة من أصحابه، فقال: "ما أجلسكم؟"، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمَده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: "آلله ما أجلسَكُم إلا ذاك"، قالوا: آللهُ ما أجلسنَا إلا ذاك، قال: "أما إني لم أستَحلِفُكم تُهمةً لكم، ولكنَّهُ أتاني جِبريلُ فأخبرني أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُباهِي بِكم الملائكة"، ومَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَكْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذِكْرِهِ، ففِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ المتفق عليه: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأ خَيْرٍ مِنْهُ"، ووالله لو لم يكن للذكر إلا هذه الميزة, لكفَت ورجَحَت.
إذا عُلِمَ هذا يا عباد الله، فإِنَّ شَرَفَ الذِّكرِ وَعُلُوَّ مَنزِلَتِهِ، وَعَظِيمَ فَضلِهِ، وَشِدَّةِ حَاجَةُ المسلمِ إِلَيهِ، مَعَ سُهُولَتِهِ وَيُسرِهِ، وَكثرةِ أَجورِهِ، كُلُّ ذلكَ مما يَحثُنا ويحفزُنا أَنْ نَكُونَ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ تَعَالى كَثِيرًا، وَأَلاَّ نَكُونَ مِنَ المُفَرِّطِينَ الغَافِلِينَ.
معاشر المؤمنين الكرام، وإذا وازَنَ العاقِلُ هذه الحياةَ القصيرةَ بالخلود المنتَظَر، عَلِمَ أنَّ كُلَّ نَفَسٍ من أنفاسِهِ يَعدِلُ في الآخرةِ أحقابًا لا نهايةَ لها، ودُهورًا لا يُمكنُ إحصَاؤُها، في نَعيمٍ بإذن الله لا يَنفدُ، وقُرةُ عَينٍ لا تَنقطِعْ، نسألُ اللهَ الكريمَ مِنْ فَضْلِه، فالعاقِلُ لا يُضيِّعُ نَفيسَ عُمرِهِ بغيرِ عَملٍ صَالحٍ، ففي الحديث الصحيح: "مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكرُوا الله تَعَالَى فِيهِ ولَم يُصلُّوا عَلَى نَبِيِّهم فِيهِ إلا كانَ عَلَيهمْ تِرةٌ وفي رواية حسرةً يوم القيامة"، وعن عبدالله بن مسعود رضي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي، فقالَ: يا محمَّدُ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ". وأسمعوا إلى كلامٍ نفيسٍ كتبهُ الإمام ابن الجوزي رحمهُ اللهُ في رسالةٍ لطيفةٍ إلى ابنهِ ينصحهُ فيها, وسمَّاها لفتةُ الكبدِ في نصيحةِ الولدِ، وكانَ مما جاءَ فيها: "اعلم يا بُني أنَّ الأيامَ تُبْسَطُ ساعات، وأنَّ الساعاتِ تُبسَطُ أنفاسًا، وكُلَّ نَفَسٍ خِزانةٌ، فاحذَر أنْ يَذهبَ نَفَسٌ بغير شيءٍ، فترى في القيامةِ خِزانةً فارغةً فتَندم، وانظرْ كُلَّ سَاعةٍ مِنْ سَاعاتِكَ بم تذْهَبُ، فلا تُودِعَها إلا أَشرَفَ مَا يُمكِنُكَ من العَملِ وأحْسنَهُ، وابعَثْ إلى صُندُوقِ القَبرِ مَا يَسُرُكُ يومَ القِيامةِ أن تراهُ".
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله عظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، أما بعدُ:
فاتقوا الله عبادَ الله وكونوا من أهل الخشية والمراقبة، فهم الذين ينتفعون بالذكرى والموعظة، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس: 11]، واعلَموا أن لكل أجلٍ كتابًا، ولكل غائِبٍ إيابًا، ولكل عملٍ ثوابًا، منْ كثرُ كلامهُ كثرتْ آثامهُ، ومنْ علتْ هِمتهُ كبرُ همُّهُ، ومنْ لمْ يقنعْ برزقِه عذَّبَ نفسهُ، وجاء في وصيةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اِغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ".
واعلموا أنَّ أفضلَ الأعمالِ: أداءُ ما افترضَ اللهُ، والوَرَعُ عمَّا حرَّم اللهُ، وصِدقُ النيَّةِ فيما عِندَ اللهِ، والنفسُ إنْ لم تَشغَلها بطاعة اللهِ شغَلَتك بما لا يَنفَعُ، والذنوبُ مَفْسَدةُ للقلوب، والصَدقَةُ تَدفعُ البَلاء، وصَنائِعُ المعروفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وأهلُ المعروفِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخِرةِ، ومَنْ لمْ يَرضَ بالقَضاءِ فليسَ لعِلتِهِ دَواءٌ.. الأجَلُ مَحتومٌ، والرِزقُ مَقسُومٌ، والهمُومُ وإنْ تَكالَبتْ فإنها لا تَدُومُ، ومَنْ عَرفَ شَأنَهُ حَفِظَ لِسانَهُ، ومَنْ نَظرَ في عَيبِ نَفسِهِ شُغِلَ عَنْ عَيبِ غَيرهِ، ومَنْ استَقلَ زَلـلَهُ استَكثرَ زَلَلَ غَيرِهِ، ومَنْ تَلَمَّحَ حَلاوةَ الأجرِ، هَانتْ عليهِ مَرارَةُ الصَبرِ.. وجاءَ في الأثر: ارضَ بما قَسمَ اللهُ تَكُنْ أغْنَى النَّاسِ، واجتَنِبْ مَحارِمَ اللهِ تَكُنْ أوْرَعَ النَّاسِ، وأدِّ مَا فَرضَ اللهُ تَكُنْ أعْبدَ النَّاسِ.. وإنْ عَجِزتَ عَنْ نُصرةِ المظلُومِ، فلا تَقِفْ مَع الظالِم، وإنْ أسْكتَكَ الخوفُ، فلا يُنطِقُك الطَمعُ.. وإنْ فَاتكَ الحقُّ، فلا تَتبِعْ البَاطِلَ.. ومَنْ كانَ في نِعمَةٍ ولمْ يَشكُرْ.. خَرجَ مِنها دُونَ أنْ يَشْعُرْ.. وعلى قَدْرِ نِيةِ العَبدِ وهمَّتهِ، يَكُونُ تَوفِيقُ اللهِ لهُ وإعانَتُهُ.. والمؤمِنُ القويُ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمِنِ الضعِيفِ، والمسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لِسانِه ويَدِهِ، والمؤمِنُ مَنْ أمِنَهُ النَّاسُ، والمهَاجِرُ مَنْ هَجرَ مَا حرَّمَ اللهُ، والمُسلمُ أخو المسلِمِ, لا يَظلِمُهُ ولا يُسلِمُه ولا يَخذِلُه ولا يَحقِرُه، وأقربُ النَّاسِ مَجلسًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ أحَاسِنهُم أخْلاقًا، ومَا كانَ الرِّفقُ في شيءٍ إلا زَانَه، ومَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلا شَانَه.
وصحَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: "خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ، وصِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ".
ويا بن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمد.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف