ننتظر تسجيلك هـنـا

 

:: كل عام وانتم بخير ::  
♥ ☆ ♥اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 3,361
عدد  مرات الظهور : 55,863,601
عدد مرات النقر : 3,597
عدد  مرات الظهور : 54,768,467
عدد مرات النقر : 2,997
عدد  مرات الظهور : 53,160,183
عدد مرات النقر : 4,560
عدد  مرات الظهور : 28,337,712
عدد مرات النقر : 2,675
عدد  مرات الظهور : 23,625,562منتديات سهام الروح
عدد مرات النقر : 2,790
عدد  مرات الظهور : 58,652,558
عدد مرات النقر : 3,356
عدد  مرات الظهور : 58,323,882
عدد مرات النقر : 4,447
عدد  مرات الظهور : 58,652,661
عدد مرات النقر : 4,271
عدد  مرات الظهور : 51,490,862

عدد مرات النقر : 2,129
عدد  مرات الظهور : 35,920,358
♥ ☆ ♥تابع اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 2,066
عدد  مرات الظهور : 29,237,717مركز رفع سهام الروح
عدد مرات النقر : 5,050
عدد  مرات الظهور : 58,652,477مطلوب مشرفين
عدد مرات النقر : 2,539
عدد  مرات الظهور : 58,652,469

الإهداءات



الملاحظات

› الحج و العمرة

 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
#1  
قديم 09-26-2018, 06:42 PM
نسر الشام غير متواجد حالياً
Syria     Male
مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل Whitesmoke
 عضويتي » 1738
 جيت فيذا » Aug 2017
 آخر حضور » 03-28-2020 (11:16 PM)
آبدآعاتي » 48,168
الاعجابات المتلقاة » 481
الاعجابات المُرسلة » 0
 حاليآ في » المانيا
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » اعزب
 التقييم » نسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي نوازل الحج ،، المجلس الثالث ،،



نوازل الحج

المجلس الثالث
هذا هو المجلس الثالث من هذه المجالس التي تنعقد؛ لبيان أحكام بعض النوازل المعاصرة في الحج.
  • النازلة السادسة: الطواف والسعي في الدورين الأول والسطح:
إن البيت الحرام - كما هو معلوم ومعروف - لم يكن يُرقى على سطحه أو من أدوار؛ إلا في هذا الزمن المتأخر، تقريبًا في البناية السعودية التي تمت في عهد الملك سعود في الثمانينيات الهجرية، فلما بني المسجد بهذه الطريقة حدثتْ هذه المسألة أو هذه النازلة، وعُرضت على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وبحثوها، وقد ذهبت هيئة كبار العلماء في هذه الدراسة وتلك الفتوى ،التي تمت بحدود سنة 1393ه- إلى جواز الطواف في الدور الأول أو في السطح، وكان هذا القرار بالأغلبية، مع تحفظ بعض الأعضاء، ومعارضة عضو واحد، وقد استدل مَن قال بجواز الطواف في الدور الأول أو في السطح بعدد من الأدلة، منها:


أولاً: أن الهواء تابع للأرض وللقرار - كما هو معروف عند الفقهاء - وأهل العلم يقولون لو أن الإنسان صلى إلى هواء الكعبة لصحَّت صلاته. لو كان الإنسان مثلاً فوق جبل أبي قُبَيْس، ثم استقبل الكعبة؛ فإنه لا يستقبل البناء، وإنما يستقبل الهواء، أو لو أن الكعبة مثلاً هدمت للبناء، فإن الإنسان إنما يستقبل هواءها، فالهواء تابع للقرار، فهواءُ المطاف وهواء المسعى تابعٌ لقراره ولأصله، ولهذا فالإنسان إذا طاف على الأرض، أو طاف في الدور الأول، أو طاف في السطح، فإنه يَصْدُق عليه أنه طاف في المسعى بين الصفا والمروة.


ومما احتجوا به على هذا الأمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه طاف وسعى على بعيره - صلى الله عليه وسلم - والطواف أو السعي على البعير، أو في الدور الثاني فوق البناء، الأمر فيهما سواء، فإن الإنسان سواء كان على البعير، أو على الدور الأول، أو الدور الثاني كله، قد ارتفع عن الأرض على شيء متصل بهذه الأرض، ثم إن من طاف في الدور الأول، أو سعى في الدور الأول أو في السطح، يصدق عليه أنه طاف أو سعى، طاف بالبيت أو سعى بين الصفا والمروة، و بناء على ذلك أفتى المجلس في جلسته تلك بأنه يجوز الطواف أو السعي في الدور الأول، أو في السطح، وقد تحفظ كما قلت لكم بعض الأعضاء، وعارض القرار شخص واحد، هو العلامة الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي، عليه رحمة الله تعالى.


ثم إن هذا الأمر أصبح فيما بعد إجماعَ عملٍ من الأمة الإسلامية، فتلقاه الناس بالقبول، وأصبحوا يعملون به، ولا ينكره أحد من علمائهم ولا من طلاب العلم فيهم؛ فأصبح إجماع عمل بحمد الله - سبحانه وتعالى – وتوفيقه، ولا شك أن الأمة في هذا الزمن تحتاج إلى مثل هذه الحلول؛ حتى تتسع المشاعر - ومنها بيت الله الحرام - لعدد أكبر من المسلمين؛ حتى يؤدوا مناسكهم، والشعيرة العظيمة التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام.


الحقيقة أن هذا الأمر أو هذه النازلة أصبحت - كما قلت لكم - إجماعَ عملٍ، وما كنتُ لأبحث هذه المسألة أو أعرض لها؛ فإن هذا إلى التشويش أقرب منه إلى بيان الحكم؛ فإن الناس لا يشكون فيه ولا يختلفون فيه، وإنما أردت أن أنتقل من هذه المسألة إلى المسألة التي تليها، وهي تابعة لها، ألا وهي: الطواف في المسعى. فما معنى الطواف في المسعى؟ أو ماذا نقصد بالطواف في المسعى؟


من المعروف أن الإنسان إذا أراد أن يطوف في الدور الأول أو في السطح، أن المطاف يكون متسعًا حتى يصل الإنسان إلى الناحية الشرقية من المطاف، فيقرب المسعى من المطاف، حتى يضيق المطاف جدًّا في الجهة الشرقية التي هي جهة المسعى من المطاف، إذا كان الإنسان يطوف في الدور الأول أو في السطح، فإنه إذا وصل إلى هذه الجهة، ضاق المطاف في الدور الأول أو في السطح، وقرب منه المسعى فضيق عليه، وأصبحت المسافة قليلة مع زحام الناس في رمضان أو في الحج أو نحو ذلك، يجد الناس حرجًا شديدًا في أن يدخلوا إلى المسعى، فيطوفوا جزءًا من الطواف داخل المسعى. فهذا محل حرج وكلفة ومشقة عند كثير من الناس: أنهم وهم يطوفون يضطرون إلى الدخول في المسعى، فهم يسألون ويقولون ما حُكْم أن يكون جزء من الطواف داخل المسعى؟ قبل أن أجيب على هذه المسألة، أو أذكر الحكم عليها، أحب أن أقدم بمسألة أخرى مهمة لها علاقة في الحكم على هذه المسألة، هذه المسألة: هي هل المسعى – ما بين الصفا والمروة - هل هو داخل المسجد الحرام، ويعتبر جزءًا من المسجد، أم أنه خارج المسجد؟


المسعى إلى بدايات الثمانينيات الهجرية كان خارج المسجد الحرام تمامًا، ولو أن بعضكم اطلع على بعض الصور القديمة للمسعى بين الصفا والمروة، لوجد أن الناس يسعون بين الصفا والمروة وعلى جنباتهم من اليمين والشمال الدكاكين المشرعة على المسعى، فكان المسعى مستقلاًّ وخارج المسجد الحرام تمامًا، ولهذا كان العلماء في كتب الفقه قديمًا يقولون إن المسعى خارج المسجد الحرام، ولا تتحرج المرأة إذا كانت حائضًا أن تجلس فيه؛ بسبب أنه خارج المسجد الحرام؛ لكن حينما قامت الدولة السعودية - وفقها الله لكل خير - في الثمانينيات الهجرية ببناء المسجد الحرام وتوسعته، أصبح المسجد كما تشاهدونه الآن بحيث أنه ألصق المسعى بالمسجد الحرام، وأصبح البناء واحدًا كما نشاهده الآن، هذا بحدود الثمانينيات الهجرية، فأصبح المسعى ملاصقًا، وجداره مع المسجد جدارًا واحدًا، وأبوابه مشرعة على المسجد الحرام، بعد ذلك وتقريبًا بعد الأربعمائة هجرية قامت الدولة السعودية في عهد الملك فهد - رحمه الله تعالى - بتوسعة أخرى للمسجد الحرام، فأضيف من الجهة الجنوبية الغربية أضيفت البناية والتوسعة المعروفة الآن بتوسعة الملك فهد، وفي المقابل في الجهة الشرقية أزيلت البنايات، وكان هناك شارع وجسر، فأزيل هذا الجسر وأزيلت البنايات التي في الجهة الشرقية، مما يكون خلف المسعى، فأزيلت هذه كلها، ثم وضعت ساحات و(بُلِّطَتْ) بإشكال دائرية متوافقة مع اتجاه القبلة، ووضعت عليها السياجات والجدران، وأدخلت في المسجد الحرام، وأصبح الناس يصلون خلف المسعى كما يشاهده كل أحد، ولهذا فمما يظهر لي أنه لا إشكال فيه أن المسعى الآن ما بين الصفا والمروة، أنه جزء من المسجد الحرام، فلا معنى لما كان يقوله الفقهاء قديمًا من أن المسعى خارج المسجد؛ فإن المسعى أُدخل في المسجد، ثم أدخل ما وراء المسعى في المسجد، فالمسعى كان ملصقًا بالمسجد، والآن يكاد يكون وسط المسجد أو قريبًا من ذلك، فالآن لا معنى لأن نقول إن المسعى خارج المسجد الحرام؛كما هو موجود في كثير من كتب الفقه، هذا كان في الزمن السابق؛ أما الآن فهو جزء من المسجد.


نرجع الآن إلى بيان حكم المسألة، وهي حكم الطواف في المسعى؟ بمعنى أن الطائف - كما مر علينا - في الدور الأول أو في السطح، يطوف جزءًا من طوافه داخل المسعى، فأقول إن جماعة من أهل العلم وطلابه قد تحرجوا في هذا الأمر، ورأوا أن الإنسان لا يجوز أن يطوف داخل المسعى، وعللوا ذلك بأن المسعى خارج المسجد الحرام، و رخص بعضهم من أمثال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمة الله عليه - والشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - في أن الإنسان إذا اضطر اضطرارًا، وزحمه الناس وأخرجوه إلى المسعى، أنه يصح طوافه إن شاء الله. وبعض أهل لم يرخص ولا في حال ازدحام، وقال إنه إذا طاف جزءًا من الطواف داخل المسعى؛ فإن طوافه لا يصح. هذا هو قول عدد ليس بالقليل من أهل العلم وطلابه في هذا الزمن، وكما قلت لكم لم أطلع على تعليل لمن قال بهذا القول؛ إلا أنه قال إن المسعى خارج الحرم، وقد مر معنا قبل قليل أن المسعى كان خارج المسجد الحرام في الزمن السابق؛ أما الآن فأصبح داخل المسجد الحرام، وبالتالي فإن هذا التعليل لا يستقيم، والذي أراه - والله سبحانه وتعالى أعلم - هو أن طواف جزء من الطواف داخل المسعى أنه جائز، سواء كان هناك ضرورة بحيث أن الإنسان زحمه الناس، أو حتى لو لم يكن هناك ضرورة؛ فإن الإنسان إذا كان في السطح أو كان في الدور الأول، وكان يطوف فإذا جاء إلى جهة المسعى، لو أنه دخل من أحد أبوابه وخرج من الآخر بحيث إنه يكمل جزءًا من الطواف داخل المسعى، أن طوافه صحيح؛ وذلك لأنه لا يخرج عن كونه طاف بالبيت الحرام؛ فخروجه في هذا الجزء إلى جهة المسعى هل يخرجه عن أن يكون طاف بالكعبة، أو طاف بالبيت الحرام؟ هو لم يخرج من المسجد، هو داخل المسجد ويطوف على الكعبة المشرفة، وعلى بيت الله الحرام؛ فهو يسمى طائفًا. وما ذكره بعض أهل العلم من تعليل بأن المسعى خارج المسجد، قلنا عن هذا التعليل إنه لا يستقيم الآن بعد التوسعة الأولى والتوسعة الثانية، والذي أراه راجحًا أنه إذا طاف الطائف جزءًا من طوافه داخل المسعى، فإن طوافه صحيح ولا إشكال فيه؛ زحمه الناس أو لم يزحموه. هذا هو الذي ظهر لي رجحانه، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.



  • النازلة السابعة: المبيت بعرفه ليلة عرفة:
فأولاً قبل أن نبحث هذه المسألة، من المشهور والمعروف والمتفق عليه بين مَن نقل صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي -صلى الله علية وسلم - بات ليلة التاسع بمِنى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ إلى مِنى من مكة يوم التروية يوم الثامن، وبات تلك الليلة بمنى، ولم يخرج من منى إلى عرفات إلا بعد أن طلعت الشمس يوم عرفة، فهذا هو هدي النبي - صلى الله علية وسلم - ولهذا فإن جماهير أهل العلم على أن المبيت ليلة التاسع أن السُّنة فيه أن يبيته الإنسان بمنى؛ لكن في هذه الأزمنه أنتم تعرفون أن الحجاج يصل عددهم أحيانًا إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين، والحملات أحيانًا تكون عبارة عن سلسلة من السيارات الكبيرة والأتوبيسات، حتى إن بعض الحملات ربما يصل عددها إلى ثلاثين أو أربعين (باصًا).


فأصبح هؤلاء الحجاج والقائمون على العناية بأمورهم وترتيب أحوالهم، إذا طبَّقوا هذه السُّنة، وهي المبيت ليلة التاسع بمنى والانصراف أو الدفع من منى إلى عرفات بعد طلوع الشمس من يوم عرفة، يجدون مشقة وعسرًا شديدًا، وربما بعض الحملات - وقد مررت بشيء من ذلك - ربما ما يصلون إلى عرفات إلا بحدود الساعة الثانية أو الثالثة، أو حتى الرابعة ظهرًا أو بعد الظهر، فما يصل الحجاج إلى عرفات إلا وهم في حالة لا تخفى على أمثالكم من التعب والإجهاد والمشقة، ثم يصل إلى عرفات فإذا جاء وقت الدعاء والتضرع، الذي هو أعظم المواقف، التي يقول فيها النبي - صلى الله عله وسلم -: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة))، إذا جاء هذا الوقت وإذا بهذا الحاج في قمة الإنهاك والتعب والمشقة، وإذا هو يبحث عن الراحة، ولو أنه جاهد نفسه ودعا؛ فإنه لا يكون في حالة من الإقبال على الله - سبحانه وتعالى - واستحضار التضرع والخشوع، والإنابة إلى الله - عز وجل - والطمع فيما عنده؛ فمن أجل ذلك بدأت بعض الحملات يسألون عن مسألة لو أننا في اليوم الثامن انصرفنا عصرًا أو بعد العشاء إلى عرفات، وبتنا فيها، هل في ذلك حرج؟


فأقول لا أعلم أحدًا من أهل العلم قال إن المبيت بمنى ليلة التاسع واجب, فهم يقولون إن المبيت بمنى ليلة التاسع سُنة، وبالتالي فإن الذين يتركون هذا المبيت يتركون سُنة بحمد الله تعالى، على أن بعض الناس يقول إنا ذهبنا نطلب الخير، ونطلب ما عند الله - سبحانه وتعالى - ونقتفي آثار محمد - صلى الله عليه وسلم - فأقول وأنت على خير؛ ولكن إذا تعارضت سنة مع مجموعة من السنن، فلا شك أن الإتيان بمجموعة من السُّنن أولى من الإتيان بسنة واحدة، وإذا تعارضت سُنَّتان إحداهما آكد من الأُخرى؛ فإن ترجيح السُّنة الآكد من الفقه، فإذا كان الحاج إذا أتى ليلة عرفه وبات فيها، ثم قام الصبح وإذا هو بكامل الراحة، وحضور القلب والإقبال على الله - سبحانه وتعالى - فإنه إذا جاء وقت الدعاء - الذي هو من أعظم المواقف؛ فإن من أعظم المواقف هو موقف عرفة، ولهذا ما رُئي الشيطان أذل ولا أحقر منه في يوم عرفة؛ لما يرى من تنزل الرحمة من الله - سبحانه وتعالى - والتجاوز عن الذنوب العظام - فإن استغلال مثل هذه الساعات في حالة يكون الإنسان فيها في قمة النشاط والحيوية، والإقبال على الله - سبحانه وتعالى - لا شك أنها من أعظم وآكد سنن الحج، ولهذا الذي يظهر لي - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - أنه إذا تعارض الأمران، فإن الأولى للإنسان أن يترك المبيت بمنى ليلة التاسع؛ من أجل أن يحصل الإقبال والدعاء والتضرع والإخبات إلى الله - سبحانه وتعالى - في يوم عرفة، وإذا كان الإنسان مثلاً يحج بسيارته، ويمكنه أن يجمع الأمرين جميعًا؛ فلا شك أن هذا نور على نور، وخير الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما لا يخفى على أحد؛ لكن مَن ذهب وأخذ بما ذكرناه؛ فإنه لا شك أنه لا يحرج عليه بأنه إنما ترك سُنة، وقد يكون هذا أفضل له، وهو الفقه بالنسبة له إذا كان سيحصِّل شيئًا أعظم مما تركه. هذه هي النازلة السابعة من نوازل الحج.


  • النازلة الثامنة: الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس لمن وقف نهارًا:
قبل أن نبحث حكم هذه النازلة، أحب أن أُنبه على أمور:
الأمر الأول: حُكْم حجِّ مَن وقف بعرفة نهارًا فقط؟ لو أن إنسانًا وقف بعرفة بعد الظهر أو بعد العصر، ثم انصرف إلى مزدلفة ولم يبقَ إلى غروب الشمس، ولم يرجع في الليل، فما حكم حجه؟ حكم حجه كما يقول الموفق بن قدامة - رحمه الله تعالى - أنه صحيح في قول جماعة العلماء، ولم يخالف من أهل العلم أحدٌ في صحة الحج؛ إلا الإمام مالك - رحمه الله تعالى - وقد قال ابن عبدالبر - وهو مالكي أيضًا - قال: "إنه لم يتابع مالكًا في هذا القول أحدٌ"؛ يعني أن مالكًا - رحمه الله تعالى - انفرد بهذا القول، ولا شك أن قول الإمام مالك - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة شاذ؛ لأنه قول مخالف لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عروة بن مُضَرِّس عند الخمسة بسند صحيح، لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في صلاة الفجر بمزدلفة قال: "يا رسول الله، قدمت من جبلي طيئ، أتعبت راحلتي، وأنهكت بدني، وما تركت جبلاً إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف بعرفه ليلاً أو نهارًا؛ فقد تم حجُّه وقضى تفثَه))، فهذا نص صريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن مَن وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا فقد تم حجُّه. وإذًا فقول الإمام مالك - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة قول شاذ، عليه رحمة الله تعالى.


الأمر الثاني الذي أُريد أن أبحثه قبل أن نصل إلى مسألتنا هو: حكم حج مَن وقف بعرفة ليلاً فقط؟ إنسان لم يصلْ إلى عرفات إلا بعد العشاء أو في منتصف الليل، ثم وقف فيها ساعة، ثم انصرف إلى مزدلفة، فما حكم حجه؟ حجه صحيح، يقول الموفق بن قدامة - رحمه الله تعالى -: "لا أعلم في صحته خلافًا"، فهذا الحج حجٌّ صحيح، ولو لم يقف إلا في الليل؛ لحديث عروة ابن مضرس - رضي الله تعالى عنه - الذي مر معنا قبل قليل، وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وكان قد وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا)).


الأمر الثالث بين يدي نازلتنا هو: هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقوفه بعرفة. النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر- رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم – "أنه لما طلعت الشمس من اليوم التاسع أَمَرَ أن تُضرَب له قبةٌ بنَمِرَة، ثم ركب من مِنى حتى أتى نمرة - ونمرة هذه كانت قرية تقع تقريبًا إلى الجهة الشمالية الغربية من عرفات، تقريبًا قبلة المسجد الآن مسجد نمرة المعروف، وهي خارج عرفة - فلما وصل إليها نزل - صلى الله عليه وسلم - حتى زالت الشمس، فلما زالت الشمس ركب راحلته حتى أتى الوادي - الذي هو بطن عُرَنَة، وبطن عرنة أيضًا خارج عرفات - فنزل - صلى الله عليه وسلم -وخطب الناس خطبةً عظيمة، وصلى بهم الظهر والعصر جَمْعًا وقَصْرًا، ثم ركب راحلته - صلى الله عليه وسلم - وأتى الموقف ووقف عند الجبل المعروف بجبل (إيلال)، أو المعروف الآن بجبل الرحمة، ولم يَرْقَه - صلى الله عليه وسلم - أو يصعده؛ وإنما وقف أسفل الجبل، واستقبل القبلة ورفع يديه يتضرع ويدعو الله - سبحانه وتعالى - حتى غربت الشمس، فلما سقط قرص الشمس وذهبت الصفرة دفع - صلى الله عليه وسلم - مِن عرفات إلى مزدلفة". هذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن هذا هو أكمل الهدي وخير الهدي، وأن الإنسان إذا حرص على أن يقتفي آثار محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه على خير عظيم، وأن هذه هي أكمل الأحوال. فأكمل الأحول أن يفعل الإنسان كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يقف نهارًا، ويمكث حتى تغرب الشمس، ثم بعد ذلك ينصرف إلى مزدلفة ولا ينصرف حتى تغرب الشمس.


بعد هذه المقدمات، نرجع إلى نازلتنا، وهي مَن وقف نهارًا، فما حكم بقائه إلى أن تغرب الشمس بعرفات، بحيث إنه لا ينصرف من عرفات حتى تغرب الشمس؟ اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: هو قول جماهير أهل العلم؛ كما يقول الموفق بن قدامة - رحمه الله تعالى – وغيره، فقد قال بهذا القول أبو حنيفة، والشافعي في إحدى الروايتين، والإمام أحمد، وجَمْعٌ من الأئمة والعلماء قديمًا وحديثًا، قالوا: مَن وقف نهارًا يجب عليه أن يبقى بعرفات؛ حتى تغرب عليه الشمس، فإن خرج من عرفات قبل أن تغرب الشمس ولم يرجع إليها؛ فإنه آثم لأنه ترك واجبًا. وهل يجب عليه دم أو لا يجب؟ هذا فيه خلاف بين أهل العلم، بناء على اختلافهم فيمن ترك واجبًا: هل عليه دم أم عليه التوبة فقط؟ إذًا قول جماهير أهل العلم أن من وقف بعرفات نهارًا يجب عليه أن يبقى فيها حتى تغرب عليه الشمس.


القول الثاني: هو الرواية الثانية عن الإمام الشافعي، وهي المذهب عند الشافعية، واختارها الإمام النووي - رحمه الله تعالى - وهذا القول هو قول ابن حزم الظاهري، قال هؤلاء: إن من وقف نهارًا فإن البقاء إلى غروب الشمس سُنة في حقه. إن بقي حتى تغرب الشمس فقد أتى بهذه السُّنة واقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن تركها فليس عليه شيء؛ لأنه إنما ترك سُنة من السنن. نرجع إلى قول جماهير أهل العلم، الذين قالوا إن هذا واجب من واجبات الحج، فنذكر أدلتهم واحدًا واحدًا.
استدل هؤلاء بعدد من الأدلة.


الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفة نهارًا، واستمر واقفًا فيها حتى غربت الشمس، ولم يدفع حتى غربت الشمس، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجه: ((لتأخذوا عني مناسككم))، فهذا أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يقتدي الناس به في مناسك الحج، فنحن مأمورون بالاقتداء به، والأمر للوجوب؛ إذًا البقاء حتى تغرب الشمس واجب؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - ولأمره بالاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الدليل الأول؛ ولكن هذا الدليل يمكن مناقشته فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في كل أفعال الحج يقول: ((لتأخذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))، ومع هذا فإني لا أعلم أحدًا من أهل العلم يقول بأن كل ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجه أنه واجب؛ مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم – فعله، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم))، وإذًا فمجرد هذا الدليل لا يكفي لإيجاب الوقوف بعرفة حتى تغرب الشمس، فالذين قالوا إنه واجب بهذا الدليل لم يقولوا بأن المبيت بمنى ليلة التاسع واجب، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات فيها، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)). ولم يقولوا بأن الدعاء عند الجمرات واجب، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عند الجمرة الأولى والثانية، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)). إذًا مجرد هذا الدليل بمفرده لا ينتج الوجوب؛ بإجماع عمل الأئمة بخلاف هذا الدليل؛ إذا هذا الدليل لا يستقيم.


الدليل الثاني: من أدلة أصحاب هذا القول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفة نهارًا، واستمر بها حتى غربت الشمس، وذلك منه - صلى الله عليه وسلم - مخالفة لهدي المشركين. فإن المشركين - عدا قريشًا - كانوا في الجاهلية يقفون بعرفات، وكان هديهم أنه إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال؛ مثل العمائم على رؤوس الرجال، دفعوا من عرفة إلى مزدلفة، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخالف هديُه هديَهم، فبقي - صلى الله عليه وسلم - حتى غربت الشمس، ولا شك أن من أعظم مقاصد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل عقائد الجاهلية وما كان عليه أهل الجاهلية في ذلك الزمان، ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يخالف الجاهلية في أفعال كثيرة، كما خالفهم - صلى الله عليه وسلم - في الوقوف بعرفة، فإن قريشًا ما كانت تقف بعرفة، ويقولون نحن الحمس - يعني المتحمسون لدينهم - فكانوا يقفون بمزدلفة، وبقية الكفار يقفون بعرفات، فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفاض من حيث أفاض الناس ووقف بعرفة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - خالفهم بمزدلفة؛ فإن المشركين في مزدلفة كانوا يقفون فيها حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس دفعوا إلى منى، وكانوا يقولون: "أَشْرِقْ ثَبِير كي ما نغير"؛ ثبير: جبل مُطلٌّ على مزدلفة، فكانوا إذا رأوا الشمس في أعلى الجبل دفعوا من مزدلفة إلى منى، فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفع حين أسفر جدًّا قبل أن تطلع الشمس، وخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما مر بوادي مُحَسِّر؛ فإن المشركين كانوا إذا أتوا إلى وادي محسر، يقفون ويتفاخرون بشجعانهم وكرمائهم وشعرائهم إلى آخر ذلك، فأمر الله - سبحانه وتعالى - نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - في الحج وأمر المؤمنين أن يذكروه كذكرهم آباءهم أو أشد ذكرًا، فلما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وادي محسر أسرع؛ مخالفةً للمشركين. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في بقائه في عرفات حتى غربت الشمس قَصَدَ مخالفة المشركين, ومخالفةُ المشركين واجبة؛ فعلى مَن وقف نهارًا أن يبقى حتى تغرب الشمس؛ مخالفةً للمشركين.


ولكن حتى هذا الدليل لا ينتج الوجوب في نظري؛ فقد ذكرت لكم آنفًا أن المشركين يبقون بمزدلفة حتى تطلع الشمس، ثم يدفعون منها إلى منى، فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفع قبل أن تطلع الشمس، ولم يقل أحد من أهل العلم أن الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس واجبٌ؛ بل قالوا يُسنُّ للإنسان أن يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس؛ لكنه ليس بواجب، مع أن هذا مخالف لهدي المشركين، وأيضًا الإسراع في وادي محسر، ما أعرف أحدًا من أهل العلم قال إن الإسراع في وادي محسر واجب؛ لكنه سُنة من السنن، لكنه في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يكون متعيِّنًا من أجل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان من مقاصد حجه أن يهدم ما كان عليه المشركون من عقائد فاسدة؛ لكن بالنسة للأمة من بعده، بعد أن انهدمت عقائد المشركين، فإن هذا الأمر لا يصل إلى درجة الوجوب، وإذًا الاستدلال بهذا الدليل في نظري أنه لا ينتج الوجوب.


الدليل الثالث: من أدلة الجمهور على أن مَن وقف نهارًا يجب عليه أن يبقى في عرفات حتى تغرب الشمس: أنه قد ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه - صلى الله عليه وسلم –"، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين وقف بعرفات، أيهما أيسر على المسلمين؟ أن يدفع من عرفات قبل غروب الشمس؛ حتى يصلوا إلى مزدلفة بنهار ووقت إسفار، أم أن يبقى في عرفات حتى تغرب الشمس.


ثم يدفعون بليل إلى أن يصلوا مزدلفة؟ وأنتم تعرفون في ذلك الوقت كان الناس ينتقلون على الإبل وعلى الحُمُر، وعلى أرجُلهم، والمسافة بين عرفات ومزدلفة تحتاج إلى وقت، فقد يمضي عامة الليل قبل أن يصل الإنسان إلى مزدلفة؛ بل إن الناس في ذلك الزمن كان الواحد منهم ربما خرج من عرفات، ولم يصل إلى مزدلفة ويتيه عنها، ولهذا كان الخلفاء وأُمراء الحج يوقدون نارًا في المشعر الحرام في مكان مرتفع يسمى (المِيقدة) من أجل ألا يضل الحجاج يمينًا أو شمالا. إذًا أيهما أيسر على المسلمين الذين حجُّوا مع محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفات إلى مزدلفة نهارًا، أو ليلاً؟ لا شك أن الأيسر لهم - في نظرنا - هو أن يدفع نهارًا؛ حتى يصلوا إلى مزدلفة في وقت إسفار. قالوا فلما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر الأيسر، وأخذ بالأمر الأشق؛ دل على أن الأمر الأيسر لا يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ ما لم يكن إثمًا.


وفي نظري أيضًا أن هذا الدليل لا يستقيم، ولا ينتج الوجوب؛ فإن ثمة أكثر من احتمال لعلها هي التي حملت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على اختيار الآخر؛ بل قد يكون بقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن غربت الشمس هو الأرفق بالمسلمين. كيف يكون هذا؟ نقول قد يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ترك الأيسر، وهو الدفع نهارًا، إلى الأشق وهو الدفع ليلاً؛ إلا ليهدم عقيدة من عقائد المشركين، وأنتم تعرفون أن من أعظم مقاصد حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - هدمَ عقائد المشركين، وإذا لم يهدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - فمَن يهدمها؟! إذًا كان من المقاصد العظيمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت أن يهدم هذه العقيدة؛ فبقي لأنه لو لم يفعل ذلك ما انهدمت، فهذا يحتمل أنه هو الذي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يختار هذا الأمر على الأيسر. أيضًا هناك احتمال آخر هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بقي حتى غربت الشمس؛ ليعلم الناس أن الوقوف بعرفة يصح ليلاً ويستمر حتى الليل، خاصة إذا عَلِمنا أن الليلة في الإسلام تَتْبَع اليوم الذي بعدها، وإذًا الأصل أن يوم عرفة ينتهي بغروب الشمس.


الأصل في الإسلام أن اليوم ينتهي بغروب الشمس، فإذا غربت الشمس دخل يوم جديد، فمعنى ذلك أن الوقوف في الليل يحتاج إلى دليل من النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يعرف الناس أن ليلة العيد تابعة ليوم عرفة؛ وليست تابعة ليوم العيد. إذًا هذه مصلحة، و إذًا كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر الأمة، ويشرع لهم أن هذه الليلة، وإن كانت في الأصل تابعة لليوم الذي بعدها، إلا أنها في هذا اليوم تابعة لليوم الذي قبلها، هذا أرفق بالأُمة؛ لأن وقت الوقوف سيطول، وإذًا هناك أكثر من احتمال كلها يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ترك الأيسر على أُمته؛ إلا لمصالح عظيمة، هي أعظم من الرفق بهم في هذا الجانب، وإذًا فهذا الاستدلال - في نظري - لا يستقيم للقول بوجوب البقاء حتى تغرب الشمس.


ننتقل بعد ذلك إلى القول الثاني في هذه المسألة، وهو: قول الشافعية في أصح القولين عندهم، وهو اختيار الإمام النووي، وابن حزم الظاهري: أن مَن وقف نهارًا؛ فالبقاء إلى الليل سُنة في حقه، فإن تركه فليس عليه شيء. والشافعية يقولون إن تركه فإنه يُسنُّ له أن يذبح شاة، يسن له ويُستحب استحبابًا؛ لكنه لا يجب عليه؛ لأنه إنما ترك سُنةً، وهؤلاء يستدلون بما رواه الخمسة بسند صحيح عن عروة بن مُضَرِّس الطائي - رضي الله عنه – قال: جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في صلاة الفجر بمزدلفة، فقلت: "يا رسول الله، أتعبتُ راحلتي، وأجهدت بدني، وما تركت جبلاً - وفي بعض الروايات حبلاً - إلا وقفت عليه، هل لي مِن حج؟"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجُّه وقضى تفثَه))، قال أصحاب هذا القول: يا مَن تقولون إن الوقوف واجب، وإن مَن تركه عليه دم، هذا الدم من أجل ماذا؟ هذا الدم دم جبران لما حصل في النسك من النقص؛ لأن هذا الحاج قد ترك واجبًا، فيجبر هذا النقص الذي حصل في حجه بترك هذا الواجب، يجبره بالدم. الجبران يكون للنقص، أليس كذلك؟ حسنًا؛ النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((فقد تم حجه))، كيف تقولون إنه ناقص، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((فقد تم حجه))؟! وهل الحج التام يحتاج إلى جبران؟ لا يحتاج إلى جبران.


ثم إنه قد ورد في بعض روايات حديث عروة بن مضرس الطائي - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن صلى صلاتنا هذه، ووقفا معنا حتى ندفع، وكان قد أفاض من عرفات ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه وقضى تفثه)). فإذا كانت هذه الرواية - وهي عند النسائي والإمام أحمد – محفوظةً، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((كان قد أفاض من عرفات ليلاً أو نهارًا - يعني وقف، ثم دفع ليلاً أو نهارًا - فقد تم حجه وقضى تفثه))، وليس بعد التمام نقص، وليس مع التمام نقص. وهذا الدليل لا أعرف أن جمهور أهل العلم أجابوا عنه بإجابة تُبطِل الاستدلالَ به. ولهذا الذي يظهر لي - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - هو القول الثاني في هذه المسألة، وأن مَن وقف بعرفة نهارًا يُسنُّ له أن يبقى فيها حتى تغرب الشمس؛ ولكن لو دفع منها قبل غروب الشمس، فهو إنما ترك سُنة من السنن، وليس عليه شيء، وحجه تام بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي مر معنا في حديث عروة بن مضرس الطائي - رضي الله عنه - وهذا القول تلاحظون أنه يعضده دليل قوي ثابت، حتى يقول الترمذي: حديثُ عروة بن مضرس حديثٌ صحيح، والحاكم - رحمه الله تعالى – يقول: هذا الحديث على شرط الأئمة كافة. إذًا هذا القول يعضده الدليل، واستدلالات الجمهور الذين قالوا بالوجوب - كما مر معنا - فإنها مُناقَشة. فهذا هو الراجح - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - وهذا هو المتوافق - بإذن الله عز وجل - مع حاجة المسلمين، وما يعانونه من مشقة وعسر وضيق؛ بسبب كثرة الأعداد، وتأخر وقت الانصراف. وأنتم تعرفون أنه قبل سنوات قريبة - وسنعرض لهذا - إن شاء الله - في نازلة قادمة - أن الناس لم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس! لماذا؟ لأنهم ما انصرفوا إلا بعد غروب الشمس، فحينما ينصرف ثلاثة ملايين حاج في وقت واحد، مع طرق محدودة، مسافة سبعة كيلو مترات، فمتى سيصل آخر الحجاج؟ وسنعرض المسألة - إن شاء الله تعالى - في مجلس آخر. لم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، وبعض أهل العلم يقول إن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج، فكيف نجبر الناس على أن يقفوا حتى تغرب الشمس، مع أن الأدلة التي استدل بها مَن قال بهذا القول - كما تلاحظون – ضعيفة، ومَن قال بأن الوقوف والبقاء إلى غروب الشمس سُنة، أدلتهم قوية. هذا الذي يظهر لي في هذه المسألة، والعلم عند الله.


  • النازلة التاسعة: العجز عن المبيت بمزدلفة:
أعداد الحجيج في هذه السنوات تصل إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين، والسيارات الكبيرة والصغيرة تصل إلى الآلاف، و الطرق محدودة، ولهذا يظهر بعض المشاكل في خطة السير، فيتعرقل جزء كبير من الحجيج، وفي بعض السنوات تعرقل بعض الحجاج فلم يبلغُوا مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، وهذه لا شك أنها نازلة، وكثير من الحجاج أقلقهم هذا الأمر، وسألوا عنه كثيرًا، ولذلك كان من المناسب أن نبحثها في هذا المجلس، خاصةً أن الأمر ليس نادرًا أو شاذًّا، فمع كثرة الحجيج وكثرة السيارات ربما هذا يحصل كل سَنة؛ لكنه في سنة واحدة ظهر واستفاض لوجود مشكلة كبيرة؛ لكن في بعض السنوات ربما يكون العدد أقل، ولهذا ما تظهر على السطح، فنريد أن نتحدث عن هذه النازلة.





وقبل أن نبحث الحكم فيمَن فاته الوقوف بمزدلفة بهذا السبب ونحوه، نقدم ببعض المقدمات المهمة في هذا الباب.
أول هذه المقدمات هي بيان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في مزدلفة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر، وغيره من الأحاديث التي نقلتْ صفةَ حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما غربت الشمس من يوم عرفة، وسقط قرص الشمس وذهبت الصفرة، دفع - صلى الله عليه وسلم - من عرفات إلى مزدلفة، وكان يسير وعليه السكينة والوقار، ويقول: ((أيها الناس، السكينةَ السكينةَ؛ فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل))، وما زال - صلى الله عليه وسلم - في طريقه عليه السكينة؛ حتى بلغ جَمْعًا؛ يعني بلغ مزدلفة. ومزدلفة تُسمى مزدلفة، وتسمى جَمْعًا، وتسمى المَشعَر الحرام، هذه كلها أسماء لبقعة واحدة، ومنسك واحد من مناسك الحج، وهي المزدلفة، فلما بلغها النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبدأ بشيء قبل الصلاة.





حتى إن الأحمال ما أُنزلت من على ظهور الإبل، فأمر المؤذن فأذَّن ثم أقام ثم صلى - صلى الله عليه وسلم - بالناس صلاة المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيرَه، ثم أقيمت الصلاة وصلى بهم - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ركعتين، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اضطجع أو رقد في تلك الليلة، ولما كان من آخر الليل أمَرَ ضعفةَ أهلِه - صلى الله عليه وسلم - فدفعوا إلى منى، وكان معهم عدد من الشباب من بني عبدالمطلب من أمثال ابن عباس ونحوه في السِّن، فدفعوا من آخر الليل إلى منى، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه بقي في مزدلفة، حتى إذا بزغ الفجر، قائل يقول إنه طلع الفجر، وقائل يقول إنه لم يطلع، أُذِّن لصلاة الفجر ثم أقيمت الصلاة ثم صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين صلاة الفجر في المزدلفة، فلما صلى صلاة الفجر ركب بعيره وأتى إلى المشعر الحرام.





والمشعر الحرام اسم لكل مزدلفة، واسم لجبل في مزدلفة يسمى جبل المشعر الحرام، هذا الجبل أزيل الآن وأقيم عليه المسجد المعروف الآن بمسجد المشعر الحرام، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى وقف عند المشعر الحرام، فقال: ((وقفتُ هاهنا، وجَمْع كلها موقف، وارفعوا عن بطن مُحَسِّر))، ثم استقبل القبلة - صلى الله عليه وسلم - فوحَّد الله، وهلَّله، وكبَّره، ورفع يديه يدعو ويتضرع - صلى الله عليه وسلم - حتى أسفر جدًّا؛ يعني قبيل شروق الشمس، ثم ركب ناقته ودفع إلى منى - عليه الصلاة والسلام - عليه السكينة والوقار. هذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في مزدلفة، وكان المشركون لا يدفعون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، وكانوا يقولون "أَشْرِقْ ثَبِير كي ما نغير"؛ ثبير جبل يطل على مزدلفة، هو أرفع الجبال، كانوا ما ينصرفون من مزدلفة حتى تطلع الشمس على هذا الجبل، فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفع قبل طلوع الشمس، هذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في مزدلفة، ولا شك أن خير الهدي وأكمل الهدي هو هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم.




بعد ذلك ننتقل إلى المقدمة الثانية، قبل الحديث عن مسألتنا التي بين أيدينا، هذه المقدمة هي:
ما حكم المبيت بمزدلفة ليلة العيد؟ فأقول إن أهل العلم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: فمن أهل العلم مَن قال إن المبيت بمزدلفة ليلة العيد ركنٌ من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به؛ فمن فاته فقد فاته الحج. ومن أهل العلم مَن قال إن المبيت بمزدلفة واجبٌ من واجبات الحج، وليس ركنًا، وهذا القول هو قول جماهير أهل العلم، بما فيهم الأئمة الأربعة. والقول الثالث من أقوال أهل العلم أن المبيت بمزدلفة ليلة العيد سُنةٌ. والذي لا ريب فيه ولا شك - والعلم عند الله - هو رجحان قول مَن قال إن المبيت بمزدلفة واجبٌ من واجبات الحج؛ يجب على الحاج لكنه لو فاته فإن حجه صحيح. والذين قالوا بأنه واجب من واجبات الحج استدلوا بعدد من الأدلة، لكن من أظهر هذه الأدلة قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198].



والمشعر الحرام - كما قلت لكم قبل قليل - هو اسم من أسماء مزدلفة، كما أن مما استدل به هؤلاء على وجوب المبيت بمزدلفة حديثَ عروة بن مضرس، الذي مر معنا في المجلس الماضي، وقد رواه الخمسة، وهو حديث صحيح، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعروة بن مضرس: ((مَن صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا؛ فقد تم حجُّه، وقضى تفثه))، فقيد النبي - صلى الله عليه وسلم - تمام الحج بالوقوف بمزدلفة؛ يعني قال: ((من صلى صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع))، ومن أدلتهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بجمع أو بات بمزدلفة، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)). هذا هو ما استدل به أصحاب هذا القول على أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، كما أن مما استدل به أصحاب هذا القول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص للضعفة من آخر الليل...إلخ، والرخصة لا تكون إلا في مقابل الواجب؛ فإنه لا يقال رخص لهم في ترك السُّنة؛ وإنما يقال رخص لهم في ترك الواجب، أو جزء من الواجب.



أما مَن قال إن المبيت بمزدلفة ركنٌ في الحج، فإن هؤلاء أظهرُ دليلٍ لهم هو ما ورد في بعض روايات حديث عروة بن مضرس الطائي - رضي الله تعالى عنه - كما عند النسائي، فإنه ورد في رواية عند النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن أدرك الإمام والناس، وأفاض معنا فقد أدرك، ومن فاته الناس والإمام فلم يدرك))؛ يعني مَن أدرك الوقوف مع الإمام والناس، وأفاض معهم؛ فقد أدرك الحج، ومَن فاته الوقوف مع الناس، والإفاضة معهم؛ فقد فاته الحج. لكن هذه الرواية كما عليه أكثر أهل العلم أنها رواية غير محفوظة، لا تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - والشِّنْقِيطِي كما في "أضواء البيان". فهذه الرواية لا تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حديث عروة بن مضرس روايتُه المحفوظة هي الرواية التي كررناها مرارًا، أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا؛ فقد تم حجه وقضى تفثه))، أيضًا مما يدل على أن المبيت بمزدلفة ليس ركنًا في الحج حديثُ عبدالرحمن بن يعمر- رضي الله تعالى عنه - الذي رواه أصحاب السنن، والإمام أحمد بسند صحيح، أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((الحج عرفة؛ فمن أدرك عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جَمْعٍ فقد أدرك - وفي بعض الروايات - فقد تم حجه))، في هذا الحديث يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن مَن أدرك الوقوف بعرفة، ولو لحظة قبل طلوع الفجر من ليلة مزدلفة؛ فقد تم حجُّه، وأدرك الحج، فالإنسان الذي لا يقف بعرفة إلا في آخر لحظة من ليلة مزدلفة، متى سيقف في مزدلفة؟ إذًا كان جمهور أهل العلم يقولون إن الوقوف قبل طلوع الفجر، فهذا بالتأكيد سيفوته الوقوف بمزدلفة، ولو كان إذا فاته الوقوف بمزدلفة لا يصح حجُّه لأخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه قال: ((فقد تم حجه))، فهذه الأدلة بمجموعها تدل على أن المبيت بمزدلفة واجبٌ من واجبات الحج، يأثم الإنسان بتركه متعمدًا؛ ولكنه لا يبطل حجه؛ بل حجه صحيح، هذا هو أعدل الأقوال في مسألة حكم المبيت بمزدلفة. أما قول مَن يقول إنه سنة فهذا قول ضعيف، ومستنده ضعيف؛ فإنهم يقيسونه على المبيت بمنى ليلة التاسع، ولا شك أن هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه في مقابل النص.





المقدمة الثالثة: المقدار الواجب من المبيت في مزدلفة:

قلنا إن المبيت بمزدلفة واجب على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو الذي عليه جماهير أهل العلم، فما هو المقدار الواجب من هذا المبيت؟ يعني كم يجزئ الإنسان من هذا المبيت؛ بحيث يقال له قد أتيت بالواجب؟ في مسألة الوقوف بعرفة من حديث عروة بن مضرس الطائي، ومن حديث عبدالرحمن بن يعمر، عرفنا أن الوقوف بعرفة يكفي فيه لو دقيقة واحدة، وكان قد وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا؛ أيُّ وقوفٍ بعرفة حتى ولو مرور، فإنه يكفي ويَصدُق على هذا الإنسان أنه وقف بعرفة، وأنه أدرك الحج. فالمبيت بمزدلفة الذي أمر الله - سبحانه وتعالى - به وأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس وغيره، ما هو المقدار الذي نقول إن الإنسان إذا أتى به فقد أتى بالواجب، وما زاد على ذلك فهو سُنة؟ لا شك أن أكمل الهدي وخيره هو هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن أكمل ما يفعله الحاج أنه إذا جاء إلى مزدلفة يصلي بها المغرب والعشاء، ويبيت بها ويصلى الفجر ويقف الموقف، ويدعو حتى يسفر جدًّا، ثم يدفع منها، هذا لا شك أنه هو الكمال بالنسبة لهذه الشعيرة. لكن ما نريد أن نتحدث عنه هو المقدار الواجب، الذي إذا أتى به الإنسان فقد بَرِئَتْ ذمتُه، وخرج من العهدة، وإذا لم يأتِ به أَثِمَ لتفريطه وتركه واجبًا من واجبات الحج. وعلى الخلاف فيما يترتب عليه بعد ذلك. فما هو هذا المقدار؟







اختلف أهل العلم في المقدار الواجب من المبيت بمزدلفة على أقوال:
القول الأول: فذهب الإمام مالك - رحمه الله تعالى - إلى أنه يكفي الحاجَّ أن يقف بمزدلفة بمقدار ما يصلي المغرب والعشاء ويتعشى، فإذا وقف بمزدلفة هذا المقدار؛ فإنه قد أتى بالواجب. يعني إذا قلنا مثلاً صلاة المغرب والعشاء تحتاج إلى ربع ساعة، والعشاء يحتاج مثلاً إلى ربع ساعة، فمعنى ذلك أن الإمام مالك - رحمه الله تعالى - يقول إنه إذا وقف بمزدلفة مقدار نصف ساعة، فإنه يجزئه ذلك ولو دفع بعد ذلك، فلو وصلتَ إلى مزدلفة الساعة التاسعة مساءً، ثم بقيتَ فيها نصف ساعة ثم انصرفت؛ فإنك عند الإمام مالك تكون قد أتيت بالواجب. وما زاد على ذلك فهو تطوع وهو سُنة؛ بل إن من المالكية من قال يكفي من الوقوف بمقدار ما يُنزل الإنسانُ رَحْلَه. هذا هو القول الأول في هذه المسألة.





القول الثاني: وهو الذي ذهب إليه الشافعي، والإمام أحمد، وجماعة من أهل العلم، قالوا إن المقدار الواجب لمن وقف قبل منتصف الليل أن يقف حتى منتصف الليل، ومَن وقف بعد منتصف الليل فإنه يجزئه أيُّ وقوف، فإذا أردنا أن ننصف الليل إلى نصفين، فإنا نحسب المسافة الزمنية من غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ وليس كما يتبادر للأذهان أنه من غروب الشمس إلى طلوعها. الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإننا إذا قلنا هذا المقدار ثماني ساعات مثلاً، فالمنتصف هو أربع ساعات من غروب الشمس، فعند الشافعي وأحمد - عليهما رحمة الله - يجب من الوقوف بمزدلفة إذا وقف الإنسان قبل منتصف الليل، أن يبقى فيها حتى ينتصف الليل، وإن وقف بعد منتصف الليل أجزأه أيُّ وقوف. هذا هو قول الشافعي، وأحمد، وجماعة من أهل العلم.





القول الثالث: قول أبي حنيفة - عليه رحمة الله تعالى - والإمام أبو حنيفة يختلف عن الأئمة الثلاثة، فإنه يرى أن الوقوف بمزدلفة من بعد طلوع الفجر، فمن وقف أول الليل فإنه يجب عليه أن يبقى - عند الإمام أبي حنيفة - حتى يطلع الفجر؛ لأن الوقوف عنده من بعد طلوع الفجر. هذه هي أقوال أهل العلم في هذه المسألة.




أما أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - الذي يقول يجب الوقوف إلى طلوع الفجر، وإن الوقوف المشروع بعد الصلاة، فإنه يستدل على ذلك بحديث عروة بن مضرس الطائي - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار؛ فقد تم حجه وقضى تفثه)). هذا هو مستند الإمام أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - في أن الوقوف بعد صلاة الفجر؛ ولكن الحقيقة أن هذا الحديث ليس على ظاهره في أن الوقوف الواجب بعد صلاة الفجر، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - ومن حديث ابن عمر، وحديث ابن عباس، وحديث عائشة - رضي الله عنهم - أنه - صلى الله عليه وسلم - قدَّم ضعفةَ أهله بليلٍ للدفع إلى منى، ولا يمكن أن يرخص لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ترك الواجب، فهذه الأدلة تدل على أن هؤلاء الضعفة مِن النساء ومَن يرافقهم، أنهم أتوا بجزء من الواجب، ثم رخص لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في باقيه، وفي الدفع إلى منى، فهذا دليل على أن الوقوف يجب قبل طلوع الفجر، لا كما يقول أبو حنيفة - رحمة الله تعالى عليه - إن الوقوف الواجب بعد صلاة الفجر، هذا هو قول أبي حنيفة - رحمة الله تعالى عليه - في هذه المسألة.




أما قول الأئمة الشافعي وأحمد في أن المقدار الواجب إلى منتصف الليل، فإذا انتصف الليل فإن الباقي سُنة ولا يجب، فإنهم يستدلون على ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في أحاديث كثيرة، أَذِنَ للضعفة من أهله أن يدفعوا بليلٍ؛ كما في حديث ابن عمر، وحديث ابن عباس، وحديث عائشة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لهم أن يدفعُوا بليلٍ، فقالوا إذا رخص للضعفة ومَن يرافقهم؛ فهذا دليل على أنه قد أُتي بالواجب، فإذا انتصف الليل وذهب أول الليل وأتى آخره، جاز للضعفة أن يدفعُوا، وهذا دليل على أن الواجب قد أُتي به، وما عدا ذلك فإنه ليس بواجب، فنقول إن هذا المقدار هو الواجب إلى منتصف الليل، وما زاد على ذلك فهو غير واجب، ولهذا الشافعي وأحمد - عليهما رحمة الله - يرخصان بعد منتصف الليل للضعفة وللأقوياء جميعًا، فمَن بقي إلى منتصف الليل فقد أتى بالواجب، وما بقي فهو سُنة في حقه.





أما القول الأول، وهو قول الإمام مالك - رحمه الله تعالى - وهو أن الواجب من المبيت بمزدلفة بمقدار ما يصلي الحاج المغرب والعشاء ويتعشى، أو قول بعض أصحابه إنه يكفي بمقدار ما ينزل الإنسان رحله، فإن حُجة هؤلاء هي ظاهر الآية، فإن الله - سبحانه وتعالى – يقول: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } [البقرة: 198]، فإذا وقف الإنسان بمزدلفة، وصلى المغرب والعشاء وذكر الله؛ فقد وقف عند المشعر الحرام. وأنتم تعرفون أن الصلاة من أعظم الذكر، كما قال الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الجمعة: 9]؛ يعني اسعوا إلى الصلاة، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [التغابن: 9]، قال الضحاك - رحمه الله -: "ذكر الله: الصلوات الخمس". فإذا أتى بهذا فقد أتى بالمأمور به في كتاب الله - سبحانه وتعالى - وما زاد على ذلك فإنه مستحب وكمال؛ ولكنه غير واجب. وما استدل به الشافعية والحنابلة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس: ((مَن صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا؛ فقد تم حجه، وقضى تفثه))، فإن هذا كما يقول الموفق بن قدامة - رحمه الله تعالى - بإجماع أهل العلم، إن الحاج لو أنه وقف حتى طلع الفجر، ولم يُصلِّ الفجر بمزدلفة، ولم يذكر الله - سبحانه وتعالى - في مزدلفة، ودفع قبل ذلك أن وقوفه صحيح، وإذا كان المأمور به صريحًا في الحديث ليس بواجب، فلازِمُه غير واجب من باب أولى.




والذي يظهر - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - في هذه المسألة، هو وجاهة ما ذهب إليه الإمام مالك - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة، وأن هذا هو المقدار الواجب من المبيت، وما ورد من أدلة في هذا الباب؛ كقول النبي - صلى الله علبه وسلم - كما في حديث عروة بن مضرس: ((مَن صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع))، أو أنه أذن للضعفة آخر الليل، أو بليل..إلخ. فإن هذه كلها تدل على أن المبيت بمزدلفة منه قَدْرٌ واجب، ومنه قدر كمال واستحباب. فالواجب هو ما أُمر به في كتاب الله - سبحانه وتعالى - وما زاد على ذلك يكون كمالاً، ولا شك أن هذا القول له وجاهته؛ إلا أن قول أكثر أهل العلم في هذه المسألة له أدلة قوية، وهو محل اعتبار؛ ولكن بالنظر إلى أحوال الناس في هذه الأزمنة، فالازدحام الشديد، وكثرة الحجاج، وكثرة السيارات، وكثير من الناس ربما يأتي إلى مزدلفة فيدخل من طرف ويخرج من الطرف الآخر ما يستطيع أن ينزل بها، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - راعى الضعفاء مِن أهله ومَن كان معهم، وأن الناس في مثل هذه الأزمنة في حاجه شديدة، ولا تقوم الأدلة قيامًا وجيهًا؛ بحيث لا يتوجه عليها مناقشة، بأنه يجب المبيت إلى طلوع الفجر، أو إلى آخر الليل، أو إلى منتصف الليل. فالذي يظهر - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - أن قول الإمام مالك - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة، له وجاهة، وله حظ من النظر. الأَوْلى بالإنسان ألا يتعرض لخلاف أهل العلم، ويدخل بمسألة هل أتى بالواجب أو لم يأتِ به، ويحتاط لنفسه، لكن لو أن الإنسان حصل له مثل ما يحصل كثيرًا في أيامنا هذه، من أنه دخل متأخرًا في مزدلفة، وما استطاع أن يبقى فيها بعد امتلاء مواقفها وساحاتها ونحو ذلك، أننا نقول: مجرد دخوله إلى مزدلفة من طريق وخروجه من الطريق الآخر، وبقائه فيها مدة من الزمن أنه يَصدُق عليه أنه أتى بما أوجبه الله - سبحانه وتعالى – عليه، وأن هذا القدر يكفي في رفع الإثم عنه؛ ولكن كما قلت قبل ذلك الأكمل ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام.





نأتي الآن إلى المسألة التي بين أيدينا وهي: حكم مَن عجز عن المبيت الواجب بمزدلفة؟

حصل في بعض السنوات أن بعض الحجاج ما وصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، وانتهاء وقت الوقوف بمزدلفة تمامًا.

فأولاً على ما رجحناه في حُكْم المبيت بمزدلفة، وأنه واجب وليس بركن؛ فإننا نقول إن حجه صحيح؛ لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن المبيت بمزدلفة ليلة العيد واجبٌ من واجبات الحج، والواجب إذا تركه الحاج، فإن حجه صحيح، ومسألة ماذا يترتب على ذلك نبحثها الآن، المهم أن نعرف أن الحاج الذي يفوته الوقوف بمزدلفة، ويعجز عنه أن حجه صحيح.



نأتي بعد ذلك إلى حكم المسألة التي بين أيدينا في جزئها الثاني: إذا كان الحج صحيحًا، فماذا يلزمه؟ الكلام عمن عجز عن المبيت بمزدلفة، لا عمن ترك المبيت بمزدلفة مختارًا. يعني إنسان خرج من عرفات، وذهب إلى منى مباشرةً، وجلس فيها بدون عذر، هذا ما نتكلم عنه، هذا ترك الواجب مختارًا، ويلزمه ما يلزم مَن ترك الواجب مختارًا مِن الإثم ووجوب التوبة، والجبران عند مَن يقول به. نحن نتكلم عما يحصل لبعض الحجاج في هذه الأزمنة، وهي أنه ربما عجز عن الوصول إلى مزدلفة حتى يفوت وقتها أحيانًا؛ كأن يكون في سيارة مثلاً وفي الطريق يتوقف السير، ما يستطيع أن يذهب لأن أهله معه في السيارة، وإذا جلس انتهى وقت الوقوف بمزدلفة قبل أن يصل إليها، إذًا هذا عاجز عن الوقوف بها، وتركه الوقوف بها عُذْرُه العجز. فماذا يلزم هذا العاجزَ؟





ذهب بعض أهل العلم إلى أن مَن أُحصِر عن الواجب فإن عليه دمًا. من أحصر يعني مُنع، حيل بينه وبين الواجب؛ مثل مَن حيل بينه وبين الوقوف بمزدلفة، أن عليه دمًا؛ يعني يجبره بدم، وجبران الدم مبني على أثر ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وهو قوله - رضي الله عنه -: "مَن ترك نسكًا من غير الفريضة؛ فليهرق دمًا". هذا قولٌ في هذه المسألة.


القول الثاني في هذه المسألة: وهو الذي أفتى به سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين - رحمهما الله تعالى - أفتيا به الحجاج الذين عجزوا عن المبيت بمزدلفة، وأنه لا يلزمهم شيء، فما دام أنهم تركوا المبيت عجزًا؛ فإنه لا يلزمهم شيء.

ما حُجة مَن قال بهذا القول؟





استدلوا بدليلين:
  • الأول: حديث عبدالرحمن بن يعمر الديلي - رضي الله تعالى عنه - وقد رواه الخمسة، وهو حديث صحيح، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((الحج عرفة؛ فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جَمْع؛ فقد تم حجه))، هذا هو الشاهد، فمَن وقف ولو للحظة قبل طلوع الفجر بعرفات؛ فقد تم حجه. ومن المعروف أن مَن وقف في هذا الوقت لن يقف في مزدلفة؛ يعني في آخر لحظة من الليل، فإنه عند جمهور أهل العلم قد انتهى؛ لأن وقت المبيت الواجب عندهم ينتهي بطلوع الفجر. فمن وقف في آخر لحظة في عرفة وهو طلوع الفجر، فإنه بالتأكيد لن يستطيع أن يقف بمزدلفة. والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((فقد تم حجه))، وهذا دَلالته أن مَن وقف بآخر لحظة من "وقت الوقوف بعرفة" بعرفة، ففاته الوقوف بمزدلفة، وفواته ذلك بعذر؛ لأنه ما وقف بعرفة إلا في آخر وقتها؛ فقد تم حجه، وما على مَن تم حجه من شيء. هذا هو الحُجة الأولى لمن قال بهذا القول.

  • الدليل الثاني: قالوا إن كل ما عجز عنه المكلَّف من الواجبات ومن شرائط العبادات، فإنه يسقط؛ كما قرر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، في أن ما عجز عنه المكلَّف من شرائط العبادات ومن واجباتها، فإنه يسقط. كما لو أن الإنسان مثلاً عجز عن ستر العورة، أو غير ذلك؛ كالسجود ونحوه، فإن من عجز عن شيء من الواجبات وشرائط العبادات، فإنه يسقط عنه بالعجز؛ لعموم الأدلة الدالة على أن الله - سبحانه وتعالى - لا يكلف الإنسان إلا وسعه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وهذا القول هو اختيار الشيخين ابن باز والعثيمين - رحمهما الله تعالى - كما سبق، وهذا هو الذي يظهر لي رجحانه في هذه المسألة، والعلم عند الله.


بقية مسألة ليس من النازلة التي نريد أن نتحدث عنها؛ لكن من المهم أن ننبه عليها؛ لأن الترجيح في المسألة السابقة قد يترتب علية إشكال، فقد ذكرت لكم قبل قليل في مسألة المقدار الواجب من الوقوف بمزدلفة أن قول الإمام مالك - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة وجيهٌ، وأن الإنسان لو وقف في مزدلفة ربع ساعة أو نصف ساعة، أو مرَّ بها مرورًا؛ فإن هذا يجزئه على قول الإمام مالك - رحمه الله تعالى - وهو قول وجيه، له حظ من النظر. لكن قد يترتب على هذا أمر آخر، وهو أن يأتي إنسان مثلاً من عرفات، فيصل إلى مزدلفة الساعة التاسعة، ثم يقف فيها لمدة ساعة، ثم يركب سيارته ويذهب إلى جمرة العقبة ويرميها، فحتى لا نقع في هذا الإشكال؛ أردت أن أنبه على هذه المسألة التي أمامكم، وهي مسألة - حتى لو قلنا بقول الإمام مالك - رحمه الله تعالى - ووقف الإنسان بمزدلفة مقدار الواجب، ثم دفع قبل منتصف الليل.





متى يبدأ وقت رمي جمرة العقبة؟
لا شك أن رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس، هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أكمل الأحوال، وهو صحيح بإجماع أهل العلم؛ لكن قبل هذا الوقت، متى يجوز له أن يرمي جمرة العقبة؟ متى يبدأ وقتها؟ لا أعلم أحدًا من أهل العلم قال يجوز أن ترمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل؛ حتى الإمام مالك - رحمه الله تعالى - الذي يقول إنه يجزئه أن يقف بمزدلفة بمقدار ما يصلي بها المغرب والعشاء ويتعشى، يقول لا يجوز له أن يرمي جمرة العقبة؛ حتى تطلع الشمس. وإنما اختلفوا فيما بين منتصف الليل إلى طلوع الشمس، فقال الشافعي وأحمد: إذا انتصف الليل جاز لمن بمزدلفة أن يدفع، وجاز له أن يرمي جمرة العقبة، وقال بعض أهل العلم: لا يرميها حتى يطلع الفجر، وقال بعض أهل العلم: لا يرميها حتى تطلع الشمس. هذه ثلاثة أقوال في هذه المسألة، وهي بداية وقت رمي جمرة العقبة، مَن قال بأن وقت الرمي يبدأ بعد منتصف الليل هم الشافعي وأحمد ومَن قال بقولهم.





وهؤلاء استدلوا بأدلةٍ من أظهرها وأقواها ما رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أرسل أم سلمة بليلٍ، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر، ثم أفاضت إلى البيت وصلَّت الصبح في مكة"، فأم سلمة - رضي الله تعالى عنها - رخَّص لها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدفع بليلٍ، فذهبت ورمت جمرة العقبة قبل الفجر، ثم ذهبت من جمرة العقبة إلى المسجد الحرام، وأفاضت وصلت الفجر هناك؛ فهذا نص صريح أنها رمت قبل الفجر. ومن أدلة أصحاب هذا القول ما في صحيح البخاري وغيره من حديث عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها -: "أنها وقفت بمزدلفة، ثم أخذت تصلي، ثم قالت لمولاها: "يا بني هل غاب القمر؟"، قال: لا، فرجعتْ فصلَّت، ثم قالت: "هل غاب القمر؟"، قال: نعم، فأمرتْ أن يرتحلوا، فارتحلوا حتى أتوا منى، ثم رموا جمرة العقبة، قال مولاها: فرجعنا إلى منزلها - يعني بمنى - ثم صلَّت الصبح فقلتُ: يا هَنْتَاهْ لقد غلَّسنا - يعني صلينا الفجر بغلس - فقالت: "يا بني قد أَذِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – للظُّعُن".





والظعن جمع ظعينة، وهي: المرأة التي تركب على البعير، فالشاهد في هذا أن سياق الدليل يدل على أنها رمت قبل طلوع الفجر؛ لأنها رمت ثم رجعت إلى منزلها، ثم صلت الفجر بغلس. هذا حُجة مَن قال إنه يجوز الرمي بعد منتصف الليل، إذا جاز الدفع جاز الرمي. وأما الذين قالوا إنه لا يجوز الرمي إلا بعد طلوع الفجر فقد احتجوا بحديث أسماء نفسه! وقالوا إن حديث أسماء ظاهرُه أنها ما رمت حتى طلع الفجر. والذي يظهر لي - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - أن أسماء رمت قبل طلوع الفجر؛ لأنها رمت ثم ذهبت إلى منزلها فصلَّت، فقال مولاها: "يا هَنْتَاهْ لقد غلسنا". فبعد رميها ذهبت إلى بيتها ثم صلت الفجر.





فالذي يظهر لي - والله سبحانه وتعالى أعلم - أن حديث أسماء يدل على أن الرمي قبل طلوع الفجر. أما الذين قالوا إن الرمي لا يجوز إلا بعد صلاة الفجر وبعد طلوع الشمس، فاستدلوا بما رواه أهل السنن عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "قدَّمنا رسولُ الله - صلى لله عله وسلم - ليلة جَمْع أُغيلمة بني عبدالمطلب، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَلْطَحُ أفخاذنا ويقول: ((أُبَيْنِيَّ لا ترموا حتى تطلع الشمس))؛ أبيني: بمعني أي أبنائي، وهذا نوع من الملاطفة لهم منه - صلى الله عليه وسلم - لا ترموا حتى تطلع الشمس، والحديث صحيح. وهذا قد يُشْكِل فعلاً، كيف تقولون يرمي بعد منتصف الليل.





والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول لهؤلاء: ((لا ترموا حتى تطلع الشمس))؟! لكن أقول لكم إن حديث ابن عباس يدل على عدم الرمي حتى تطلع الشمس، وحديث أسماء يدل على الرمي قبل طلوع الفجر في الدَّلالة الصحيحة، وحديث عائشة دلالته أكيدة، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أم سلمة أن تدفع فدفعت، قالت عائشة: "فرمت جمرة العقبة قبل الفجر". فهذا فيه ((لا ترموا حتى تطلع الشمس))، وهذا فيه "أن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - رمت قبل الفجر"؛ فهذه متعارضة، وأحسن ما يقال في الجمع بينها هو ما قاله الشِّنْقِيطِيُّ - رحمه الله تعالى - أن حديث أسماء وحديث عائشة في قصة أم سلمة يُحمَل على الجواز، وحديث ابن عباس يُحمَل على الاستحباب. والذي يظهر - والله سبحانه وتعالى أعلم - هو قول الشافعي وأحمد في هذه المسألة، وهو أنه إذا انتصف الليل فقد جاز رمي جمرة العقبة.





تنبيه يسير قبل أن نختم هذا، وهو أن الأحاديث كثيرة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لضعفة أهله وللنساء وللظُّعُن من آخر الليل، فأقول إن هذه الرخصة التي ثبتت لهؤلاء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - تَثْبُتُ لأكثر الناس؛ أو لكل الناس مع هذه الأعداد الهائلة؛ فإنهم يستحقون مثل هذه الرخصة، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.


كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مناضر, جوالات , حب , عشق , غرام , سياحه , سفر





 توقيع : نسر الشام

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع




Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها
ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009