(والدليل على) أن (هذه الأركان الستة) أركانٌ للإيمان، لا يستقيم إيمان العبد إلا بها جميعها، وأنه متى انتفى واحد منها لم يكن المرء مؤمنًا: (قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾، و(أنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسمها مؤخر، والتقدير: ليس البرَّ توليةُ وجوهِكم جهة المشرق أو المغرب، ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ ﴾ الذي يُمدح أصحابُه: ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾، و(الكتاب): اسم جنس يعني: جنس الكتب، أي: كل الكتب، و(النبيين) يعني: الرسل، وهنا ذكر الخمسة هذه: آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، فهذه الآية دليل على خمسة من أركان الإيمان؛ (ودليل) أن (القدر) ركن من أركان الإيمان لا يستقيم إيمان عبد إلا به: (قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾؛ أي: إن كل شيء خلقه الله فإنه مُقدَّرٌ في علمه، ومكتوب في اللوح المحفوظ، وسابق في مشيئة الله وإرادته سبحانه وتعالى[1].
الشرح التفصيلي:
لما ذكر المصنف - رحمه الله تعالى - فيما سبق أركان الإيمان الستة؛ ذكَرَ هنا دليلها من القرآن أولًا، ثم سيذكر الدليل من السنة، فقال: (والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِوَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾، و(البرَّ): اسم جامع لكل عمل من أعمال الخير من العقائد والأعمال[2]، فالبر: جماع الخير، وهذه المذكورات هي جماع الخير، فالشاهد من الآية جعله المذكورات جماع الخير[3]، فهذه الآية دليل على خمسة من أركان الإيمان، وكثيرًا ما تأتي هذه الخمسة مقترنة؛ كقوله جل وعلا في آخر سورة البقرة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285]، فذكر الأربعة، وكقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، ونحو ذلك من الآيات، وقد جاءت أيضًا في حديث جبريل المشهور كما سيأتي؛ أما القدر فأدلته في القرآن أدلة عامة، وأدلة مفصلة لكل مرتبة من مراتب القدر، فمن الأدلة العامة ما ذكره المصنف - رحمه الله تعالى - وهو قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، ووجه الاستدلال: قوله: ﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾؛ أي: ليس ثم مخلوق من مخلوقات الله إلا وقد خُلِقَ بقدرٍ سابق من الله جل وعلا، لا يخرج شيء عن هذه الكلية؛ لأن ﴿ كُل ﴾ من ألفاظ الظهور في العموم؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وكلُ دليل فيه ذكر مرتبة من مراتب القدر يصلح دليلًا على القدر؛ لأنه دليل لبعضه[4]، فالآيتان المذكورتان في كلام المصنف دالتان بمجموعهما على أركان الإيمان الستة.
[1] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (63)؛ وشرح الأصول الثلاثة، صالح بن فوزان الفوزان (221)؛ وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله بن صالح الفوزان (136)؛ والمحصول شرح ثلاثة الأصول، عبدالله الغنيمان (158).
[2] حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله بن صالح الفوزان (136).
[3] بلوغ المأمول بشرح الثلاثة الأصول، عصام بن أحمد مامي (288).
[4] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (166-167).
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف