ننتظر تسجيلك هـنـا

 

{ إعلانات سـهام الروح اَلًيومُية ) ~
 
 
   
( فعاليات سـهام الروح )  
 
 

 

♥ ☆ ♥اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 3,462
عدد  مرات الظهور : 57,757,489
عدد مرات النقر : 3,700
عدد  مرات الظهور : 56,662,355
عدد مرات النقر : 3,093
عدد  مرات الظهور : 55,054,071
عدد مرات النقر : 4,715
عدد  مرات الظهور : 30,231,600
عدد مرات النقر : 2,795
عدد  مرات الظهور : 25,519,450منتديات سهام الروح
عدد مرات النقر : 2,871
عدد  مرات الظهور : 60,546,446
عدد مرات النقر : 3,447
عدد  مرات الظهور : 60,217,770
عدد مرات النقر : 4,545
عدد  مرات الظهور : 60,546,549
عدد مرات النقر : 4,396
عدد  مرات الظهور : 53,384,750

عدد مرات النقر : 2,211
عدد  مرات الظهور : 37,814,246
♥ ☆ ♥تابع اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 2,150
عدد  مرات الظهور : 31,131,605مركز رفع سهام الروح
عدد مرات النقر : 5,159
عدد  مرات الظهور : 60,546,365مطلوب مشرفين
عدد مرات النقر : 2,617
عدد  مرات الظهور : 60,546,357

الإهداءات



الملاحظات

› ~•₪• نبضآت إسلآمِيـہ ~•₪•

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
#1  
قديم 09-30-2020, 08:21 PM
هويد الليل غير متواجد حالياً
Egypt     Female
مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل Coral
 عضويتي » 2318
 جيت فيذا » May 2020
 آخر حضور » 03-19-2024 (12:28 AM)
آبدآعاتي » 83,815
الاعجابات المتلقاة » 8510
الاعجابات المُرسلة » 96
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 34سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » هويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  1
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي يوسف النبي البطل صانع التاريخ



يوسف النبي البطل صانع التاريخ


لم يكن الأنبياء قادة في الشأن الديني فحسب؛ بل كانوا قادة في صناعة الحضارة، وقيادة التحولات التاريخية...

منذ البداية ظهر علم الاقتصاد في حياة أبي البشرية نبي الله آدم (عليه السلام)، فعندما أخرج الله آدم من الجنة وحرمه من المستوى الاقتصادي الذي كان يعيش فيه، توعده بالشقاء وحده دون حَوّاء ﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى [1]؛ لأنه هو الذي سيكدح أكثر منها في الأرض... وعملية (الكدح)، تحتاج إلى معارف، وعلوم متعددة.



وقد أخبر الله آدم بأن جنسه البشري كله سيعاني الصراع، والكفاح في سبيل البقاء: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾[2]... إلا أن يلتزموا بهدي الله، ويتعارفوا، ويتكاملوا.



ومعروف أن الصراع من أجل البقاء هو صراع اقتصادي وحضاري؛ يدفع الإنسان إلى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، والبشرية؛ من أجل زيادة الإنتاج، ومن ثم زيادة القدرة على إشباع الحاجات [3]، كما يدفعه أيضًا - إن كان رشيدًا - إلى استغلال القيم الأمثل لبناء الكيان الداخلي للإنسان.



وعندما امتن الله على آدم عندما كان في الجنة بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى ﴾[4]، فإنه كان يلفت نظره إلى أنه يجب أن يكدح في الدنيا من أجل الحصول على الطعام والكساء والماء، وإلا فإنه وذريته سيتعرضون للجوع، والعرى، والظمأ؛ إذا تركوا العمل، ونستفيد من هذه الآيات أيضًا أن آدم وحواء - بعد أن هبطا من الجنة - أصبحا مسئولين عن حياتهما على هذه الأرض في ظل رعاية الله وهدايته: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾[5].

♦ ♦ ♦



وفي قصة نوح (الأب الثاني للبشرية) هناك ربط بين تحسين الصلة بالله، والتخلص من الذنوب عن طريق الاستغفار، والتوبة الصادقة، وبين الحالة الاقتصادية، فنوح - عليه السلام - يقول لقومه: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾[6].



وينصحهم بالنظر في خلق الله المعجز، وإبداعه الكوني العجيب، ويستنتج من حثهم على هذا النظر؛ أهمية السعي في الأرض، واكتشاف مناحي الحياة فيها، وذلك يتجلى في قوله تعالى على لسان نوح: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾[7].



• كما أن صناعة نوح - عليه السلام - للسفينة، سواء كان وحده - وهو ما يفهم من السياق القرآني - أم بمساعدة عدد من المؤمنين؛ تـُمثل بُعدًا صناعيًا متقدمًا، وتمثل صورة للحياة الاقتصادية التي عاشها نوح - عليه السلام - والتي كان عليها المستوى الاقتصادي لمجتمعه.



ومما لا شك فيه أن سفينة تصنع؛ لتحمل خلاصة الحياة القادمة من الأحياء بشرًا كانوا، أو حيوانات، أو نباتات، إنما هي سفينة عظيمة ذات قوة عظيمة: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ﴾[8]؛ بل إن السفينة - لقوتها - قادرة على مواجهة أعتى الأمواج: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾[9].

♦ ♦ ♦



إنَّ نبيّ الله يوسف (عليه السلام)؛ الذي مرّ بمرحلة العبودية والسجن، ينتقل فورًا إلى مرحلة (رجل الدولة) مرشحًا نفسه - وهو الخادم والسجين السابق - ليكون المسئول الأول عن خزائن الأرض في مصر.



إننا - هنا - أمام صورة أخرى تجمع - أيضًا - بين عظمة النبوة، وكمال الإنسانية.



• إنه مسلح باستيعاب علوم دقيقة كثيرة ألهمها الله إياه تحقيقًا لقولـه تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ﴾ [10]، وهي علوم تقوم عليها - كما سنبين - وزارات كثيرة اليوم.. مع أنه شخص واحد.



وهو يضع نفسه في الموقف الصعب - مع الثقة الكاملة - في أن يتحمل المسئولية - بعون الله - في إنقاذ مصر من خطر داهم.



إنه يرشح نفسه لكي يكون رجل الدولة المفوض وحده؛ لأنه القادر (الحفيظ العليم) على ذلك، وأن يكون موقعه بعد الملك مباشرة في السلطة، وأن يكون له الإشراف المباشر على ما يمكن أن يوازي اليوم وزارات التخطيط، والتموين، والزراعة، والمالية، والاقتصاد، والعمل، والثروة الحيوانية، ووزارة القوى البشرية، والتربية، والتعليم، والإعلام، فضلًا عن أن يحمل لقب (عزيز مصر)، علمًا بأن لقب (العزيز) الذي يحمله يوسف يعني - بمصطلح هذه الأيام - منصب رئيس الوزراء [11].



ومن تيسير الله وتخطيطه سبحانه ليوسف أن الملك مع أنه لم يكن مسلمًا؛ لكنه سرعان ما يستجيب ليوسف، وكأنّه كان ينتظر رجلًا مثله في كفاءته وأخلاقه وأمانته ودينه، وكان يخشى على مستقبل البلاد، لا سيما وأنه (حاكم وافد)، وفي وضوح يتنازل عن سلطانه قائلًا ليوسف: "أنت تكون على بيتي، وعلى فمك يقبل جميع شعبي، إلا أن الكرسيّ أكون فيه أعظم منك، وقد جعلتك على كل أرض مصر"، ثم خلع خاتمه من يده وجعله في يد يوسف وألبسه ثياب بوص، ووضع طوق ذهب في عنقه، وأركبه في مركبته الثانية، وجعله على كل أرض مصر، وصاحب الأمر والنهي، والأمر المطاع، والكلمة النافذة، فخرج يوسف وارتحل في كل أرض مصر لتفقّد الأحوال اللازمة لمقاومة الجوع في البلاد.



وكأنّه بدأ العمل فورًا من خلال رحلة تفقد لأرض مصر، وشعبها، وقراره الفوري بتهيئة الأعمال الضرورية [12].



وقد نجح التحول في المجتمع المصري من مجتمع وثني إلى مجتمع إنساني يخضع عن اقتناع لمنهج الإسلام وينقاد إليه - بواسطة يوسف (عليه السلام) - ولا شك أن يوسف قضى على المظالم وأنصف المظلومين في السجون وغيرها، ثم أخضع المصريين للخطة الاقتصادية التي استمرت خمسة عشر عامًا، فيها سبع سنين دأبًا، ثم سبع سنين شدادًا، ثم عام رحمة وإغاثة.



وكان يوسف في كل ذلك الداعية المؤهل الكامل الذي يجمع بين الفكر والتطبيق، ونور الوحي والعلم معًا.



وهذا المنهج العلمي الذي ظهر في سلوكيات يوسف فور توليه الأمور هو المنهج الإسلامي؛ الذي يأمر بالأخذ بالحيطة والحذر والإحسان؛ أي الإتقان في العمل لأنه عبادة، حتى لو كان دنيويًا بحتًا كما يتصور الناس، وكان الإسلام صاحب الفضل على يوسف، كما كان يوسف صورة رائعة للمسلم المؤهل بأسباب التمكين في الأرض... فيوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم (يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)، وبهذا الرصيد النبويّ وما علمه الله من الحكمة والإيمان طبق المنهج الإسلامي الاقتصادي في مصر، كما طبق المنهج التربوي، وعلـَّم الناس الانضباط السلوكي والأخلاقي معًا.



وكان من أبرز الصفات في يوسف النبيّ القائد المسلم الداعية المؤهل لصناعة الحضارة الإنسانية؛ وقوفه ضد المنكر باللسان والعمل، حين وقف من امرأة العزيز هذا الموقف المعروف، ووفاؤه لرب الدار وتعففه، وصبره على البلاء، واختياره السجن إيثارًا لدينه وتقواه، وحفظه، وعلمه، وأمانته، وحرصه على طهارة ذيله، وإظهار براءته.



وبهذه الأخلاق التي لا تجتمع إلا في نبيّ أوتي ملكات القيادة وأخلاق النبوة، أنقذ يوسف البلاد والعباد، وفرض روح التوحيد السامية على الحياة.



والحق أنه لا طريق لقيام حضارة صحيحة، ونهضة تليق بإنسانية الإنسان إلا بالاقتداء بأنبياء الله وتجاربهم الرائدة، وتقدم لنا سيرة يوسف إعجازًا في هذا الجانب، ومع أن يوسف مرَّ بظروف صعبة، وعمل مع الخدم، ودخل السجون... إلا أنه مع ذلك استفاد من كل هذه التجارب مع ما آتاه الله من العلم والحكمة، وقدم لنا بسيرته وإنجازاته معجزة حقيقية... صدق يوسف عندما عبر عنها - كما يذكر الله في القرآن في قولـه تعالى - ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾[13]، كما صدق عندما قال في نهاية الرحلة، محددًا المعالم الكبرى للانتصار في معارك الحياة والحضارة: ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ ﴾[14].



فيوسف أصبح الرجل الثاني وهناك من يقول إنه الرجل الأول، ويتمتع بأكبر الصلاحيات في قيادة الدولة بعد الملك، ويسيطر على أكثر من عشر وزارات من وزاراتنا الحالية، وهذه الصلاحيات لا يستطيع القيام بواجبها إلا رجل مسلم مؤمن موحى إليه حفيظ عليم مجرب محنك، نابغة في علوم الإدارة، والتخطيط، والاقتصاد.



ويبقى السؤال هنا: من أين ليوسف هذه الخبرة المركبة ذات الطبيعة العلمية المحكمة؟

إننا - بالتأكيد - نعلم أن الله قد أفاض على يوسف علمًا كبيرًا، وذكاءً عبقريًا، كما أشارت السورة إلى ذلك في قولـه تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ﴾[15]، وقولـه:﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ﴾[16]، وقولـه ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾[17]، وقولـه: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾[18].



لكن إلى جانب هذا الفيض الإلهي يبقى السؤال - في النطاق البشري العقلي - قائمًا: من أين ليوسف هذه الخبرات العظيمة، ومن شأن الخبرات أن يكون فيها جانب كسبي!



• هل أخذها من كل مراحل حياته الماضية، أم من مرحلة واحدة منها؟ مع أن هذه المراحل كلها في رأينا - افترقت أو اجتمعت - لا ترقى إلى تخريج عبقري على هذا النحو اليوسفي، فيوسف في حضن أبيه، قبل أن يباع كان غلامًا، أبعد ما يكون عن إدراك مثل هذه الجوانب، ويوسف في بيت عزيز مصر كان خادمًا، أو رئيس الخدم على الأكثر، معظم مهامه - إن لم يكن كلها - في داخل القصر.. فهل أفادت حياة القصر يوسف (الخادم) بما فيها أحيانًا من مؤامرات، أو وشايات، أو مكائد، وما تقتضيه من حيطة وحذر في التعامل مع ساكني القصر، ومع الطبقة العليا؛ التي تزوره رجالًا ونساءً ؟!



ومع تقديرنا للخبرات التي يمكن أن يكون يوسف قد اكتسبها من هذه المرحلة، إلا أنها لا تر‍قى إلى أن تكون (مدرسة) تعلم يوسف فيها كل هذه الجوانب، علمًا بأن كثيرًا من هذه الجوانب تحتاج إلى خبرات ميدانية، وعلمية... فمصدر الوحي هو المصدر الأول والأسمى لعبقرية يوسف وعظمته ونبوته.



وفي رأينا أن السجن أو (المدرسة اليوسفية)، حسب تعبير بعضهم؛ قد أكسب يوسف بعض الخبرات لا سيما عن طريق المعتقلين السياسيين؛ الذين يعرفون كثيرًا من خبايا السياسة، ومن أحوال البلاد في حياة يوسف الذي كان محصوله الثقافي، والعملي، أقل - بدرجة ما - من مواجهة ما تتطلبه الحالة الاقتصادية المعقدة في مصر خلال أربعة عشر عامًا.



وغني عن البيان أن التعامل مع مرحلة (الوفرة) الأولى تحتاج إلى جهد لا يقل عن الجهود المبذولة في مرحلة (النّدرة)، ففي المرحلة الأولى أشار القرآن بإجمال شديد إلى المعالم الرئيسية لخطة يوسف: ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾[19].



إنها الخطة السبعية الأولى في مرحلة الوفرة؛ التي توجب وضع خطة زراعية، وتحقق أكبر مردود، ثم بناء المستودعات والمخازن بشروطها التي تسمح بالحفاظ على المزروعات، مع التقسيم الإداري والنظام المحاسبي الدقيق لهذه المرحلة، ومع ضرورة حماية البلاد أمنيًا في الداخل، ومن الخارج.



وتتجلى لنا عبقرية يوسف التخطيطية التي تبلغ حدّ الإعجاز لاستمدادها من الوحي الإلهي بالنسبة لظروفه وظروف عصره - ما تؤكده الدراسات الجيوهيدرولوجية من حدوث جفاف للنيل من واقع دراسات صخور الفيوم، استمر لفترة 12 عامًا، انقطع فيها الماء من النيل أكثر من نصف هذه المدة تمامًا، أي لم يكن هناك نقطة ماء في النيل (...) وهذا ما يؤكده التاريخ المصري عندما يذكر حدوث الجفاف في هذه الحقبة.



فعندما ولى يوسف - عليه السلام - خزائن مصر، قام - بوحي من إيمانه - بإنجاز مشروعه العظيم بشق قناة النيل إلى منخفض الفيوم عبر فم الهوارة - اللاهون - وذلك لتخزين مياه النيل في ذلك المنخفض العظيم، كما أعاد شق بحر يوسف؛ ليروي المنطقة الوسطى في زمن الجفاف.



وقد أصبحت منطقة هوارة واللاهون صمام الحياة لأرض مصر، وتم إنجاز هذه الأعمال ثم تخزين المياه، والمحاصيل في فترة سبعة أعوام الخير؛ حتى حل الجفاف، وانتشرت المجاعات، فجاء الناس من كل مكان طلبًا للطعام.



لقد كان منخفض الفيوم بكامله خزانًا للمياه في عهد يوسف - عليه السلام - وأطلق عليه (يمّ يوسف) أي بحيرة يوسف، فلمّا انتهت سنوات الجفاف كان منسوب المياه قد انخفض، وظل على حاله حتى عهد موسى - عليه السلام - [20].



ونظرًا للنقص في اليد العاملة ساعد الهكسوس قبائل من الساميين على الهجرة إلى مصر؛ لما تربطهم بهم من علاقات قرابة، فاستوطنوا منطقة الشرقية، وحكموا فيها، في ظل الهكسوس - ملوك الرعاة - وأصبح لبني إسرائيل بما لهم من نفوذ اقتصادي؛ السيطرة على الجزء الشمالي من البلاد [21]؛ نظرًا لعملهم التجاري، ولقربهم من السلطة أيام الهكسوس.



• أما فيما يتعلق بالشق الثاني من الخطة الخمس عشرية فقد تم فيها توزيع الغلال، والقمح من المستودعات التي سبق تشييدها في سنين الرخاء السبعة، وبهذا تمكن يوسف - عليه السلام - من إنقاذ شعب مصر من الجوع.



ومن مراحل الخطة الخمس عشرية وتنظيماتها، والنجاح في تطبيقها؛ تطورت مفاهيم يوسف الميدانية، فأنشأ علم التخطيط للعلاقات الإنسانية مع الشعوب، والقبائل المجاورة، وذلك من خلال التبادل والتعاون الذي ظهر بين قوافل التجارة، وبين الشعوب.



ومن المفاهيم الاقتصادية التي تعلمنا إياها قصة يوسف - عليه السلام - (علم الأسعار)؛ حيث أشارت السورة [22] إلى أحد مراتب الأسعار، وهي الثمن البخس، كما تعلمنا - أيضًا - (علم التقدير بالموازين أو المكاييل).



ومن القصة كذلك؛ نتعرف على باب جديد هو (طرق التجارة) بين مصر، والشعوب، والدول المجاورة.



وكل هذه العلوم الاقتصادية وفروعها؛ تعتبر من المدلولات والمفاهيم التي تكمل التخطيط، وتثبت العلاقات الدولية، وتؤكد رسوخها [23].



لقد أثبتت لنا وقائع هذه المرحلة - بوفرتها وندرتها - أن الزراعة في مصر تعتمد على مياه الفيضان؛ التي قد تكون في معدلها المعتاد أحيانًا، وقد تزيد عن هذا المعدل أو تنقص عنه.



كما أثبتت أن يوسف كان على معرفة جيدة بكيفية خزن الغلال، وذلك بإبقاء المحصول في سنابله؛ حتى لا يتعرض للتلف، وأنه كان يتميز بالقدرة على تنظيم الأمور، معتمدًا على الاقتصاد، وخزن المحصول باستثناء ما يلزم لأقوات الناس، فإذا جاءت السنوات العجاف كان المخزون كافيًا، فلا يتعرض الناس للهلاك، وبذلك يستطيعون اجتياز المحنة.



وأنه كان يدرك ضرورة الحدّ من الاستهلاك (ترشيد الاستهلاك) في أوقات الضرورة، وما من شك أن الذين يضعون خطط التنمية في العصر الحاضر يهتمون اهتمامًا كبيرًا بموضوع الاستهلاك، وبضرورة ضبطه، أو ترشيده؛ لأن الإسراف فيه يقلل من إمكانيات الادخار، ومن إمكانية تمويل العملية الإنمائية.



وأن يوسف - في نهاية الأمر - كان ينظر إلى المستقبل، ويرسم سياسة زراعية وتخزينية، وهذا هو جوهر سياسة التخطيط الاقتصادي كما نعرفها في العصر الحديث [24].



وتتضمن قصة يوسف - بالإضافة إلى كل ذلك - إشارة إلى علم دقيق من العلوم الحديثة وهو (علم التخصص وتقسيم العمل)؛ الذي يعدّ جانبًا من جوانب (علم الإدارة)، فبعد أن اتضح لملك مصر (كمال علم يوسف)، و(نقاء سيرته)، و(سريرته)، و(تمام عقله)، و(رأيه السديد)؛ عرض عليه أن يجعله من خاصته؛ لكن يوسف طلب منه (عملًا محددًا) هو أن يكون مسئولًا عن الخزينة العامة، أو وزارة المال والاقتصاد؛ نظرًا لتوقع يوسف حدوث خلل اقتصادي يستمر عقدين من الزمان، يحتاج في علاجه إلى من تتوافر فيه صفة الحفظ، وصفة العلم، ولم يخجل يوسف أن يُظهر ملكاته، وقدراته في هذا الجانب؛ حيث لا يحتمل الموقف المداراة، أو الخجل، فقال بوضوح شديد لملك مصر: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾[25].



وهنا نستفيد من هذه السيرة المعجزة الدروس التالية:

1- أنه في مواقف الشدة لا يجوز الخجل، أو المداراة؛ بل يجوز طلب الولاية لمن علم في نفسه الأمانة، والكفاءة في عمل ما، أو تخصص ما.



2- أنه يجب على كل فرد؛ أن يظهر ما لديه من قدرات؛ حتى يستفيد منها الجميع.



3- ويجب على ولي الأمر؛ إتاحة الفرصة لجميع الأفراد؛ لإظهار قدراتهم وكفاءتهم، وذلك بتوليتهم الأعمال المناسبة [26] لكفاياتهم، وتخصصاتهم الدقيقة.



وجدير بالذكر أن (علم الإدارة) يرتبط بعلم التخطيط الاقتصادي؛ الذي نبغ فيه يوسف - عليه السلام ـ، وهو علم يقوم على (النظر في حل المشكلات المتوقعة)، وذلك بداية بإدراك جوانب المستقبل المتوقع، وذلك هو ما فعله يوسف؛ عندما وضع الخطة السبعية الأولى؛ أي السنوات السبع التي يتوافر الإنتاج فيها، ثم (الخطة السبعية الثانية)، وهي سنوات الجدب والقحط، وهذا يقتضي النظرة المستقبلية التي تمكن (المخطط الاقتصادي) من اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ومواجهة الأزمة المتوقعة لتوفير متطلبات الحياة الأساسية على أساس من التوازن.



ففي الفترة الأولى: (سبع سنوات الوفرة) خطط لها يوسف تخطيطًا محكمًا قائمًا على العمل الجادّ، والشغل المستمر، والزراعة لكل المساحات المتاحة، وتوفير المخازن اللازمة؛ لتخزين الفائض من الاستهلاك، وادخاره للمستقبل، وفي الفترة الثانية (سبع سنوات عجاف) وهي السنوات التي ستواجه فيها مصر، وشعبها صعوبات اقتصادية؛ نتيجة القحط الشديد، قام يوسف بالتخطيط الاقتصادي لسنوات الجفاف المقبلة على مصر وما حولها؛ كي تكفي السنوات السبع الأولى السبع الثانية.. والمرحلة كلها... والمفاجآت المتوقعة كنزوح بعض المجاورين لمصر.. إلى غير ذلك [27].



وهكذا يمكننا - دون مبالغة - أن نقول إن هذه العبقريات؛ التي تألقت في شخصية يوسف من خلال النص القرآني بومضاته القوية، وإشاراته المعجزة؛ لا يمكن أن تكون فكرًا بشريًا عاديًا، وذلك - على الأقل - قياسًا على مراحل حياة يوسف الصعبة؛ قبل الوصول إلى المنصب، فهذه المراحل: (طفولة في بيت يعقوب مع إخوة حاسدين متربصين، وخدمة أقرب إلى العبودية في بيت عزيز مصر، وسجنًا قام على الظلم والافتراء).



.... هذه المراحل لا تسمح ليوسف بامتلاك هذه العبقريات إلا أن يكون الأمر قائمًا على نفحة إلهية، وكرم رباني، وذكاء خارق من يوسف - عليه السلام ـ.



وكل هذه المسيرة قد وردت على نحو محكم وبأسلوب معجز، تؤكد قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ﴾[28]، وهي - في الوقت نفسه - تقرع آذاننا منذ نزلت على رسول الله الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، مقدمة لنا مفاتيح مضيئة لعدد من العلوم العصرية الدقيقة التي أنقذ من خلالها يوسف البلاد والعباد، من أمثال: (علم التخطيط، والإدارة، والري، والاقتصاد، وتنمية الثروة الحيوانية، والقوى البشرية)، كما تقدم لنا ميزانًا طيبًا نفرق به بين الغرور، والثقة في النفس؛ فالمغرور قد يحتل - في ظروف ما - موقعًا متميزًا، فيفسد البلاد والعباد، لعدم ملكيته مؤهلات الموقع، أما الواثق في نفسه فعليه أن يقدم نفسه من أجل المصلحة العامة، وليس المصلحة الخاصة، وهو إذا كان المؤهل الأكبر لإنقاذ الأمة، ومنعه الخجل، أو الحياء من تقديم نفسه، وتزكيتها؛ كان آثمًا ومسئولًا عن خراب البلاد، مسئولية لا تقل عن مسئولية الصنف المغرور.



وهذه كلها علوم معاصرة تسهم في صنع الحضارة، وهي لم تقدم لنا مجرد فكر وتنظير؛ بل قدمت من خلال تجربة يوسف الميدانية... سابقة بقرون كثيرة لعصرنا الحديث... ومع ذلك غفلنا عن الإعجاز الحضاريٍٍ الموجود فيها.


[1] سورة طه، آية: 117.

[2] سورة البقرة، آية: 36.

[3] راشد البراوي: القصص القرآني تفسير اجتماعي، ص: 22، ط1 /1978م، دار النهضة العربية ـ القاهرة.

[4] سورة طه، آية: 118، 119.

[5] سورة طه، آية: 123، 124.

[6] سورة نوح، آية: (10ـ 12).

[7] سورة نوح، آية: (14 ـ 20).

[8] سورة هود، آية: 40.

[9] سورة هود، آية: 42.

[10] سورة يوسف، آية: 22.

[11] د/ عمر سليمان عبد الله الأشقر: حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية، ص: 48، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة.

[12] عبد الوهاب النجار: قصص الأنبياء، ص: 131، ط/ الثانية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (ب ـ ت).

[13] سورة يوسف، آية: 55.

[14] سورة يوسف، آية: 90.

[15] سورة يوسف، آية: 6.

[16] سورة يوسف، آية:22.

[17] سورة يوسف، آية:55.

[18] سورة يوسف، آية:101.

[19] سورة يوسف، آية: 47.

[20] مراد محمد الدس: قيام إسرائيل العظمى (2083)، دمار إسرائيل سنة (2257)، ص: 110 ـ 112، طبعة 2002م.

[21] مراد محمد الدس: قيام إسرائيل العظمى (2083)، دمار إسرائيل سنة (2257)، ص:110ـ 112، بتصرف.

[22] ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ [يوسف: 20].

[23] دكتور/ نواف الحليسي: المنهج الاقتصادي في التخطيط لنبي الله يوسف عليه السلام ص: 43 ـ 44، ط/ الثانية (1410هـ/ 1990م).

[24] راشد البراوي: القصص القرآني، ص: 105ـ106.

[25] سورة يوسف، آية: 55.

[26] إيهاب محمد يونس: التخصص وتقسيم العمل في حياة الأنبياء، ص: 11، ندوة الجوانب الاقتصادية في حياة الأنبياء ـ مركز صالح كامل بجامعة الأزهر، (صفر 1425هـ / إبريل 2004م).

[27] سعيد مراد: الجوانب الاقتصادية في حياة سيدنا يوسف عليه السلام، ص: 16، 17، ندوة الجوانب الاقتصادية في حياة الأنبياء ـ مركز صالح كامل ـ جامعة الأزهر (صفر 1425هـ).

[28] سورة يوسف، آية: 22.

كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مناضر, جوالات , حب , عشق , غرام , سياحه , سفر





 توقيع : هويد الليل

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن » 08:13 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها
ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009