الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن ، والمودة ، والرحمة ، وحسن المعاشرة ، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق . وقد يحدث أن يكره الرجل زوجته ، أو تكره هي زوجها . والاسلام في هذه الحال يوصي بالصبر والاحتمال ، وينصح بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية ، قال الله تعالى : " وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " ( 1 ) . وفي الحديث الصحيح : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر " . إلا أن البغض قد يتضاعف ، ويشتد الشقاق ، ويصعب العلاج ، وينفد الصبر ، ويذهب ما أسس عليه البيت من السكن والمودة ، والرحمة ، وأداء الحقوق . وتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للاصلاح ، وحينئذ يرخص الاسلام بالعلاج الوحيد الذي لابد منه . فإن كانت الكراهية من جهة الرجل ، فبيده الطلاق ، وهو حق من حقوقه ، وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله . وان كانت الكراهية من جهة المرأة ، فقد أباح لها الاسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع ، بأن تعطي الزوج ما كان أخذ ت منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها . وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ، إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " ( 2 ) . وفي أخذ الزوج الفدية عدل وإنصاف ، إذ أنه هو الذي أعطاها المهر وبذل تكاليف الزواج ، والزفاف ، وأنفق عليها ، وهي التي قابلت هذا كله بالجحود ، وطلبت الفراق ، فكان من النصفة أن ترد عليه ما أخذت . وإن كانت الكراهية منهما معا : فإن طلب الزوج التفريق فبيده الطلاق وعليه تبعاته ، وإن طلبت الزوجة الفرقة ، فبيدها الخلع وعليها تبعاته كذلك . قيل إن الخلع وقع في الجاهلية . ذلك أن عامر بن الظرب زوج ابنته ابن أخيه ، عامر بن الحارث ، فلما دخلت عليه ، نفرت منه ، فشكا إلى أبيها ، فقال : : لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك وقد خلعتها منك بما أعطيتها .
تعريفه : والخلع الذي أباحه الاسلام مأخوذ من خلع الثوب إذا أزاله ، لان المرأة لباس الرجل ، والرجل لباس لها . قال الله تعالى : " هن لباس لكم ، وأنتم لباس لهن " ( 1 ) . ويسمى الفداء ، لان المرأة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها . وقد عرفه الفقهاء بأنه " فراق الرجل زوجته يبدل يحصل له " . والاصل فيه ما رواه البخاري ، والنسائي ، عن ابن عباس . قال : " جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولادين ( 1 ) ولكني أكره الكفر في الاسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم . اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " .
ألفاظ الخلع : والفقهاء يرون أنه لابد في الخلع من أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ مشتق منه . أو لفظ يؤدي معناه . مثل المبارأة والفدية . فإذا لم يكن بلفظ الخلع ولا
( 1 ) سورة البقرة آية 187 . ( 2 ) أي أنها لا تريد مفارقته لسوء خلقه ، ولا لنقصان دينه ، ولكن كانت تكرهه لدمامته ، وهي تكره أن تحملها الكراهية على التقصير فيما يجب له من حق ، والمقصود بالكفر كفران العشير .
بلفظ فيه معناه . كأن يقول لها : أنت طالق في مقابل مبلغ كذا ، وقبلت ، كان طلاقا على مال ولم يكن خلعا . وناقش ابن القيم هذا الرأي فقال : " ومن نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها : يعد الخلع فسخا بأي لفظ كان ، حتى بلفظ الطلاق " . وهذا أحد الوجهين لاصحاب أحمد . وهو إختيار شيخ الاسلام ابن تيمية ، ونقل عن ابن عباس . ثم قال ابن تيمية : " ومن اعتبر الالفاظ ووقف معها واعتبرها في أحكام العقود جعله " بلفظ الطلاق طلاقا " . ثم قال ابن القيم مرجحا هذا الرأي . وقواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها ، لا صورها وألفاظها . ومما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم - أمر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته في الخلع تطليقة ، ومع هذا أمرها أن تعتد بحيضة وهذا صريح في أنه فسخ ، ولو وقع بلفظ الطلاق . وأيضا فإنه سبحانه علق عليه أحكام الفدية بكونه فدية ومعلوم أن الفدية لا تختص بلفظ ، ولم يعين الله سبحانه لها لفظا معينا . وطلاق الفداء طلاق مقيد ، ولا يدخل تحت أحكام الطلاق المطلق . كما لا يدخل تحتها في ثبوت الرجعة والاعتداد بثلاثة قروء بالسنة الثابتة ( 1 ) " .
العوض في الخلع : الخلع - كما سبق - إزالة ملك النكاح في مقابل مال . فالعوض جزء أساسي من مفهوم الخلع . فإذا لما يتحقق العوض لا يتحقق الخلع . فإذا قال الزوج لزوجته : خالعتك ، وسكت . لم يكن ذلك خلعا ، ثم إنه إن نوى الطلاق ، كان طلاقا رجعيا . وإن لم ينو شيئا لم يقع به شئ ، لانه من ألفاظ الكتابة التي تفتقر إلى النية . كل ما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون عوضا في الخلع : ذهبت الشافعية إلى أنه لافرق في جواز الخلع ، بين أن يخالع على الصداق ، أو على بعضه ، أو على مال آخر ، سواء كان أقل من الصداق أم أكثر . ولافرق بين العين ، والدين والمنفعة . وضابطه أن " كل ما جاز أن يكون صداقا جاز أن يكون عوضا في الخلع " لعموم قوله تعالى : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " . ولانه عقد على بضع فأشبه النكاح . ويشترط في عوض الخلع أن يكون معلوما متمولا ، مع سائر شروط الاعواض ، كالقدرة على التسليم ، استقرار الملك وغير ذلك ، لان الخلع عقد معاوضة ، فأشبه البيع والصداق ، وهذا صحيح في الخلع الصحيح . أما الخلع الفاسد فلا يشترط العلم به ، فلو خالعها على مجهول ، كثوب غير معين ، أو على حمل هذه الدابة ، أو خالعها بشرط فاسد . كشرط ألا ينفق عليها وهي حامل ، أو لاسكنى لها ، أو خالعها بألف إلى أجل مجهول ونحو ذلك - بانت منه بمهر المثل . أما حصول الفرقة ، فلان الخلع ، إما فسخ أو طلاق ، فإن كان فسخا فالنكاح لا يفسد بفساد العوض ، فكذا فسخه ، إذ الفسوخ تحكي العقود . وإن كان طلاقا ، فالطلاق يحصل بلا عوض ، وماله حصول بلا عوض فيحسن مع فساد العوض ، كالنكاح ، بل أولى ، ولقوة الطلاق وسرايته . أما الرجوع إلى مهر المثل ، فلان قضية فساد العوض ارتداد العوض الآخر . والبضع لا يرتد بعد حصول الفرقة ، فوجب رد بدله . ويقاس بما ذكرنا ما يشبهه ، لان ما لم يكن ركنا في شئ لا يضر الجهل به كالصداق . ومن صور ذلك ما لو خالعها على ما في كفها ، ولم يعلم ، فإنها تبين منه بمهر المثل . فإن لم يكن في كفها شئ . ففي الوسيط أنه يقع طلاقا رجعيا ، والذي نقله غيره أنه يقع بائنا بمهر المثل . أما المالكية فقالوا : يجوز الخلع بالغرر كجنين ببطن بقرة أو غيره ، فلو نفق ( 1 ) الحمل فلا شئ له ، وبانت . وجاز بغير موصوف ، وبثمرة لم يبد صلاحها ، وبإسقاط حضانتها لولده . وينتقل الحق له . وإذا خالعها بشئ حرام . كخمر ، أو مسروق علم به ، فلا شئ له ، وبانت ، وأريق الخمر ، ورد المسروق لربه ، ولا يلزم الزوجة شئ بدل ذلك ، حيث كان الزوج عالما بالحرمة ، علمت هي أم لا . أما لو علمت هي بالحرمة دونه فلا يلزمه الخلع . الزيادة في الخلع على ما أخذت الزوجة من الزوج : ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز أن يأخذ الزوج من الزوجة زيادة على ما أخذت منه ، لقول الله تعالى : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به ( 2 ) " . وهذا عام يتناول القليل والكثير . روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : " كانت أختي تحت رجل من الانصار ، فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتردين حديقته ؟ قالت : وأزيد عليها ، فردت عليه حديقته وزادته ( 3 ) " . ويرى بعض العلماء : أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ منها أكثر مما أخذت منه ، لما رواه الدارقطني بإسناد صحيح : " أن أبا الزبير قال : إنه كان أصدقها حديقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته التي أعطاك . قالت : نعم وزيادة . فقال النبي صلى الله وسلم : أما الزيادة فلا ، ولكن حديقته . قالت : نعم " . وأصل الخلاف في هذه المسألة الخلاف في تخصيص عموم الكتاب بالاحاديث الآحادية فمن رأى أن عموم الكتاب يخصص بأحاديث الآحاد : قال لا تجوز الزيادة ، ومن ذهب إلى أن عموم الكتاب لا يخصص بأحاديث الآحاد ، رأى جواز الزيادة . وفي " بداية المجتهد " قال : " فمن شبهه بسائر الاعواض في المعاملات ، رأى أن القدر فيه راجع إلى الرضا ، ومن أخذ بظاهر الحديث لم يجز أكثر من ذلك ، فكأنه رآه من باب أخذ المال بغير حق " .
الخلع دون مقتض : والخلع إنما يجوز إذا كان هناك سبب يقتضيه . كأن يكون الرجل معيبا في خلقه ، أو سيئا في خلقه ، أو لايؤدي للزوجة حقها ، وأن تخاف المرأة ألا تقيم حدود الله ، فيما يجب عليها من حسن الصحبة ، وجميل المعاشرة . كما هو ظاهر الآية . فإن لم يكن ثمة سبب يقتضيه فهو محظور ، لما رواه أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة : ( المختلعات هن المنافقات ) . وقد رأى العلماء الكراهة .
الخلع بتراضي الزوجين : والخلع يكون بتراضي الزوج والزوجة ، فإذا لم يتم التراضي منهما فللقاضي إلزام الزوج بالخلع ، لان ثابتا وزوجته رفعا أمرهما للنبي صلى الله عليه وسلم ، وألزمه الرسول بأن يقبل الحديقة ، ويطلق . كما تقدم في الحديث . الشقاق من قبل الزوجة كاف في الخلع : قال الشوكاني : وظاهر أحاديث الباب أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كاف في جواز الخلع . واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق منهما جميعا ، وتمسك بظاهر الآية . وبذلك قال طاووس ، والشعبي وجماعة من التابعين . . وأجاب عن ذلك جماعة ، منهم الطبري : بأن المراد ، أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضيا لبغض الزوج لها ، فنسبت المخالفة إليها لذلك . ويؤيد عدم اعتبار ذلك من جهة الزوج أنه صلى الله عليه وسلم لم يستفسر ثابتا عن كراهته لها عند إعلانها بالكراهة له .
حرمة الاساءة إلى الزوجة لتختلع : يحرم على الرجل أن يؤذي زوجته بمنع بعض حقوقها . حتى تضجر وتختلع نفسها . فإن فعل ذلك فالخلع باطل ، والبدل مردود ، ولو حكم به قضاء . وإنما حرم ذلك حتى لا يجتمع على المرأة فراق الزوج والغرامة المالية ، وقال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن ( 1 ) لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( 2 ) " . ولقوله سبحانه : " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ( 3 ) " . ويرى بعض العلماء نفاذ الخلع في هذه الحال مع حرمة العضل . وأما الامام مالك فيرى أن الخلع ينفذ على أنه طلاق ، ويجب على الزوج أن يرد البدل الذي أخذه من زوجته جواز الخلع في الطهر والحيض : يجوز الخلع في الطهر والحيض ، ولا يتقيد وقوعه بوقت : لان الله سبحانه أطلقه ولم يقيده بزمن دون زمن . قال الله تعالى : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به ( 4 ) " . ولان الرسول عليه الصلاة والسلام أطلق الحكم في الخلع بالنسبة لامرأة ثابت بن قيس ، من غير بحث ، ولااستفصال عن حال الزوجة ، وليس الحيض بأمر نادر الوجود بالنسبة للنساء . قال الشافعي : " ترك الاستفصال في قضايا الاحوال مع قيام الاحتمال
( هامش ) العضل : التضييق والمنع .
ينزل منزلة العموم في المقال . والنبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل هي حائض أم لا ؟ ولان المنهي عنه الطلاق في الحيض : من أجل ألا تطول عليها العدة . وهي - هنا - التي طلبت الفراق ، واختلعت نفسها ورضيت بالتطويل .
الخلع بين الزوج وأجنبي : يجوز أن يتفق أحد الاشخاص مع الزوج على أن يخلع الزوج زوجته ، ويتعهد هذا الشخص الاجنبي بدفع بدل الخلع للزوج ، وتقع الفرقة ، ويلتزم الاجنبي بدفع البدل للزوج . ولا يتوقف الخلع في هذه الصورة على رضا الزوجة لان الزوج يملك إيقاع الطلاق من نفسه بغير رضا زوجته ، والبدل يجب على من التزم به . وقال أبو ثور : لا يصح لانه سفه ، فإنه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه ، فإن الملك لا يحصل له . وقيده بعض علماء المالكية ، بأن يقصد به تحقيق مصلحة أو درء مفسدة ، فإن قصد به الاضرار بالزوجة فلا يصح . ففي " مواهب الجليل " : " ينبغي أن يقيد المذهب بما إذا كان الغرض من التزام الاجنبي ذلك للزوج ، حصول مصلحة ، أو درء مفسدة ترجع إلى ذلك الاجنبي ، مما لا يقصد به إضرار المرأة " . وأما ما يفعله أهل الزمان في بلدنا من التزام أجنبي ذلك وليس قصده إلا إسقاط النفقة الواجبة في العدة للمطلقة على مطلقها - فلا ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء . وفي انتفاع المطلق بذلك بعد وقوعه نظر . الخلع يجعل أمر المرأة بيدها : ذهب الجمهور ، ومنهم الائمة الاربعة ، إلى أن الرجل إذا خالع امرأته ملكت نفسها وكان أمرها إليها ، ولا رجعة له عليها ، لانها بذلت المال لتتخلص من الزوجية ، ولو كان يملك رجعتها لم يحصل للمرأة الافتداء من الزوج بما بذلته له . وحتى لو رد عليها ما أخذ منها ، وقبلت - ليس له أن يرتجعها في العدة ، لانها قد بانت منه بنفس الخلع . روي عن ابن المسيب والزهري : أنه إن شاء أن يراجعها فليرد عليها ما أخذه منها في العدة ، وليشهد على رجعته . جواز تزوجها برضاها : ويجوز للزوج أن يتزوجها برضاها في عدتها ، ويعقد عليها عقدا جديدا . خلع الصغيرة المميزة ( 1 ) : ذهب الاحناف إلى أنه إذا كانت الزوجة صغيرة مميزة وخالعت زوجها ، وقع عليها طلاق رجعي ولا يلزمها المال . أما وقوع الطلاق . فلان عبارة الزوج معناها تعليق الطلاق على قبولها ، وقد صح التعليق لصدوره من أهله ، ووجد المعلق عليها ، وهو القبول ممن هي أهل له ، لان الاهلية للقبول تكون بالتمييز - وهي هنا صغيرة مميزة - ومتى وجد المعلق عليه وقع الطلاق المعلق . وأما عدم لزوم المال : فلانها صغيرة ليست أهلا للتبرع ، إذ يشترط في الاهلية للتبرع : العقل والبلوغ ، وعدم الحجر لسفه أو مرض . وأما كون الطلاق رجعيا : فلانه لما لم يصح التزام المال ، كان طلاقا مجردا لا يقابله شئ من المال ، فيقع رجعيا .
خلع الصغيرة غير المميزة : وأما الصغيرة غير المميزة فلا يقع خلعها طلاقا أصلا ، لعدم وجود المعلق عليه ، وهو القبول ممن هو أهله . خلع المحجور عليها ( 2 ) : قالوا : وإذا كانت الزوجة محجورا عليها لسفه وخالعها زوجها على مال
وقبلت ، لا يلزمها المال ، ويقع عليها الطلاق الرجعي ، مثل الصغيرة المميزة في أنها ليست أهلا للتبرع ، ولكنها أهل للقبول .
الخلع بين ولي الصغيرة وزوجها : وإذا جرى الخلع بين ولي الصغيرة وزوجها ، بأن قال زوج الصغيرة لابيها : خالعت ابنتك على مهرها ، أو على مائة جنيه من مالها ، ولم يضمن الاب البدل له . وقال : قبلت ، طلقت ، ولا يلزمها المال ولا يلزم أباها . أما وقوع الطلاق فلان الطلاق المعلق يقع متى وجد المعلق عليه ، وهو هنا قبول الاب ، وقد وجد . أما عدم لزوجها المال ، فلانها ليست أهلا لالتزام التبرعات . وأما عدم لزوم أبيها المال ، فلانه لم يلتزمه بالضمان ، ولا إلزام بدون التزام . ولهذا إذا ضمنه لزمه . وقيل : لا يقع الطلاق في هذه الحال لان المعلق عليه قبول دفع البدل . وهو لم يتحقق . وهذا القول ظاهر ، ولكن العمل بالقول الاول .
خلع المريضة : لا خلاف بين العلماء في جواز الخلع من المريضة ، مرض الموت . فلها أن تخالع زوجها . كما للصحيحة سواء بسواء . إلا أنهم اختلفوا في القدر الذي يجب أن تبذله للزوج مخافة أن تكون راغبة في محاباة الزوج على حساب الورثة . فقال الامام مالك : يجب أن يكون بقدر ميراثه منها . فإن زاد على إرثه منها تحرم الزيادة ويجب ردها ، وينفذ الطلاق . ولا توارث بينهما إذا كان الزوج صحيحا . وعند الحنابلة : مثل ما عند مالك ، في أنه إذا خالعت بميراثه منها فما دونه صح ولا رجوع فيه ، وإن خالعته بزيادة بطلت هذه الزيادة . وقال الشافعي : لو اختلعت منه بقدر مهر مثلها جاز . وإن زاد على ذلك كانت الزيادة من الثلث وتعتبر تبرعا . . أما الاحناف : فقد صححوا خلعها بشرط ألا يزيد عن الثلث مما تملك . وأنها متبرعة ، والتبرع في مرض الموت وصية ، والوصية لا تنفذ إلا من الثلث للاجنبي ، والزوج صار بالخلع أجنبيا . قالوا : وإذا ماتت هذه المخالعة المريضة وهي في العدة . لا يستحق زوجها إلا أقل هذه الامور ، بدل الخلع ، وثلث تركتها ، وميراثه منها . لانه قد تتواطأ الزوجة مع زوجها في مرض موتها وتسمي له بدل خلع باهظا ، يزيد عما يستحقه بالميراث . فلاجل الاحتياط لحقوق ورثتها ، وردا لقصد المتواطأ عليه . قلنا : إنها إذا ماتت في العدة لا تأخذ إلا أقل الاشياء الثلاثة . فإن برئت من مرضها ولم تمت منه ، فله جميع البدل المسمى ، لانه تبين أن تصرفها لم يكن في مرض الموت . أما إذا ماتت بعد انقضاء عدتها فله بدل الخلع المتفق عليه ، بشرط ألا يزيد عن ثلث تركتها ، لانه في حكم الوصية . والذي عليه العمل الان في المحاكم بعد صدور قانون الوصية سنة 1946 : أن للزوج الاقل من بدل الخلع ، وثلث التركة التي خلفتها زوجته ، سواء أكانت وفاتها في العدة أم بعد انتهائها ، إذ أن هذا القانون أجاز الوصية للوارث ، وغير الوارث - ونص على نفاذها فيما لا يزيد عن الثلث بدون توقف على إجازة أحد . وعلى هذا ، فلا يكون هناك حاجة إلى فرض محاباة زوجها بأكثر من نصيبه ومنعها من ذلك . هل الخلع طلاق أم فسخ : ذهب جمهور العلماء إلى أن الخلع طلاق بائن ، لما تقدم في الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذ الحديقة وطلقها تطليقة " . ولان الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقة الغالبة للزوج في الفراق ، مما ليس يرجع إلى اختياره . وهذا راجع إلى الاختيار ، فليس بفسخ . وذهب بعض العلماء ، منهم أحمد ، وداود من الفقهاء ، وابن عباس ، وعثمان ، وابن عمر من الصحابة : إلى أنه فسخ . لان الله تعالى ذكر في كتابه الطلاق ، فقال : " الطلاق مرتان " . ثم ذكر الافتداء . ثم قال : " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " ( 1 ) . فلو كان الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زواج ، هو الطلاق الرابع . ويجوز هؤلاء أن الفسوخ تقع بالتراضي ، قياسا على فسوخ البيع كما في الاقالة ( 2 ) . قال ابن القيم : والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه سبحانه وتعالى رتب الطلاق بعد الدخول الذي لا يستوف عدده ثلاثة أحكام ، كلها منتفية عن الخلع : ( الاول ) أن الزوج أحق بالرجعة فيه . ( الثاني ) أنه محسوب من الثلاث ، فلا تحل بعد استيفاء العدد ، إلا بعد دخول زوج وإصابته . ( الثالث ) أن العدة فيه ثلاثة قروء . وقد ثبت بالنص والاجماع أنه لا رجعة في الخلع ، وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أن العدة فيه حيضة واحدة ( 3 ) ، وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين ، ووقوع ثالثة بعدها . وهذا ظاهر جدا في كونه ليس بطلاق . وثمرة هذا الخلاف تظهر في الاعتداد بالطلاق . فمن رأى أنه طلاق ، احتسبه طلقة بائنة . ومن رأى أنه فسخ لم يحتسبه ، فمن طلق امرأته تطليقتين ثم خالعها ، ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك ، وإن لم تنكح زوجا غيره ، لانه ليس له غير تطليقتين . والخلع لغو . ومن جعل الخلع طلاقا قال : لم يجز له أن يرتجعها حتى تنكح زوجا غيره ، لانه بالخلع كملت الثلاث . هل يلحق المختلعة طلاق ؟ : المختلعة لا يلحقها طلاق ، سواء قلنا بأن الخلع طلاق أو فسخ ، وكلاهما
( هامش ) ( 1 ) سورة البقرة آية 230 . ( 2 ) بداية المجتهد ص 65 ج 2 . ( 3 ) قال الخطابي : هذا أقوى دليل لمن قال : إن الخلع فسخ وليس بطلاق ، إذ لو كان طلاقا لم يكتف بحيضة للعدة
يصير المرأة أجنبية عن زوجها . وإذا صارت أجنبية عنه ، فإنه لا يلحقها الطلاق . وقال أبو حنيفة : المختلعة يلحقها الطلاق ، ولذلك لا يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختها . عدة المختلعة : ثبت من السنة أن المختلعة تعتد بحيضة . ففي قصة ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " خذ الذي لها عليك وخل سبيلها . قال : نعم . فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها " . رواه النسائي بإسناد رجاله ثقاة . وإلى هذا ذهب عثمان ، وابن عباس ، وأصح الروايتين عن أحمد ، وهو مذهب إسحق بن راهويه ، واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وقال : من نظر هذا القول وجده مقتضى قواعد الشريعة : فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ، ليطول زمن الرجعة ، ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة ، فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود براءة رحمها من الحمل ، وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء . وقال ابن القيم : هذا مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، وعبد الله ابن عمر ، والربيع بنت معوذ ، وعمها وهو من كبار الصحابة رضي الله عنهم ، فهؤلاء الاربعة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم ، كما رواه الليث بن سعد ، عن نافع مولى ابن عمر : أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء ، وهي تخبر عبد الله بن عمر ، أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان . فجاء عمها إلى عثمان ، فقال له : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم ، أفتنتقل ؟ فقال عثمان : لتنتقل ، ولا ميراث بينهما . ولا عدة عليها . إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة . خشية أن يكون بها حبل . فقال عبد الله بن عمر : فعثمان خيرنا وأعلمنا . ونقل عن أبي جعفر النحاس في كتاب - الناسخ والمنسوخ - أن هذا إجماع من الصحابة . . ومذهب الجمهور من العلماء أن المختلعة عدتها ثلاث حيض إن كانت ممن يحيض .
نشوز الرجل إذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضة عنها إما لمرضها أو لكبر سنها ، أو لدمامة وجهها ، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما ، ولو كان في الصلح تنازل الزوجة عن بعض حقوقها ترضية لزوجها . لقول الله سبحانه : " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ، والصلح خير ( 1 ) " . وروى البخاري عن عائشة قالت في هذه الرواية : " هي المرأة تكون عند الرجل ، لا يستكثر منها ، فيريد طلاقها ، ويتزوج عليها ، تقول : أمسكني ، ولا تطلقني ، وتزوج غيري ، فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي " . روى أبو داود عن عائشة أن سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت ( 2 ) أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : " يارسول الله يومي لعائشة " فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : في ذلك أنزل الله جل ثناؤه ، وفي أشباهها . أراه قال : " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " . قال في المغني : ومتى صالحته على ترك شئ من قسمتها أو نفقتها ، أو على ذلك كله جاز . . فإن رجعت فلها ذلك . قال أحمد في الرجل يغيب عن امرأته فيقول لها : إن رضيت على هذا ، وإلا فأنت أعلم ، فتقول : قد رضيت ، فهو جائز ، فإن شاءت رجعت .
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف