مستجدات الحج الفقهية ( النوازل في الحج ) (12من16)
ما زال الحديث متصلاً عن نوازل الحج المتعلقة بالإحرام ومحظوراته ، فمن نوازل الحج المتعلقة بمحظورات الإحرام : المسائل المستجدة المتعلقة باستعمال الطيب ولبس المخيط ، والتي يمكن توضيحها فيما يلي : فمن النوازل المتعلقة باستعمال الطيب :استخدام المحرم للصابون المعطر : وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على تحريم استخدام المحرم للطيب ؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم- في الذي وقصته ناقته فمات وهو محرم : " لا تمسوه بطيب" (متفق عليه) ، واتفاقهم هذا منصب على ما يتخذه الناس طيباً يتطيب به ، وليس على كل ما فيه راحة طيبة ؛ لذلك لا يدخل في هذا رائحة أنواع الفواكه ، وكذا الريحان عند جمهور الفقهاء خلافاً للشافعية ؛ ومن ثمّ اختلف المعاصرون في حكم الصابون المعطر ، فمنهم من أجازه بالنظر إلى أنه اتخذ للتنظف وليس للتطيب ، ومنهم من منعه لأن المستعمل له هو في الحقيقة مستعمل للطيب الذي أضيف إليها ودخل في تركيبها ، وهذا القول أصح _ كما أنه أحوط _ ، لكن بشرط أن تكون الرائحة المضافة إلى الصابون من جنس ما يتطيب الناس به : كالعود ، أو الياسمين ، أو المسك ، أما إذا كانت الرائحة المضافة ليست من جنس ما يتطيب الناس به : كرائحة الليمون ، أو البرتقال ، أو النعناع ونحو ذلك ، فهذا ليس استعمالاً للطيب ، وأظنه الغالب في أنواع المنظفات التي يستخدمها الناس اليوم ، والله أعلم . ومما يتعلق بلبس المخيط : اتفق الفقهاء رحمهم الله على تحريم لبس المخيط على المحرم الذكر ؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث ابن عمر " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف " ، والمقصود بالمخيط ما حيك على قدر العضو ، كالمخيط على قدر اليد أو الرجل ، ونحو ذلك ، وليس المقصود مجرد وجود الخيوط فيه .
وعليه فيجوز للمحرم بعد إحرامه إن ركب السيارة ، أن يربط حزام الأمان ، لأنه ليس بمخيط على قدر العضو ، ولا مانع منه شرعا ، كما لا يحرم على الصحيح لبس رباط طبي يلفه المحرم على يده أو ركبته أو قدمه ، ولا في لبس الحزام الطبي الذي يلفه على ظهره ، ويربطه بلاصق أو نحوه .
والإزار ليس مخيطاً ؛ فهو لا يفصل على قدر عضو في الجسد ، وقد أحرم فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم ، وفي الحديث الذي رواه البخاري: " من لم يجد الإزار فليلبس السراويل " ، ومن يستقرئ النصوص النبوية يرى أن الإزار يوصف بالعقد ويوصف بالانحلال ، ومن ثمّ فيجوز الإزار الذي فيه لاصق، وكان هذا اللاصق يشبه الهِميان _ الذي يعرف بالكَمر _ الذي أجازه فقهاء المذاهب الأربعة ويشد به أعلى الإزار ، فهو إزار لغة وعرفا ، فيكون إزارا شرعا ، وليس هو محيكا على قدر العضو ، فهو خارج عن حد المخيط عند العلماء ، أما إن كان هذا اللاصق يمسك أطراف الإزار بعضها ببعض من أعلاه إلى أسفله ، فهذا يجعل هذا الإزار مفصلاً على قدر أسفل البدن فيحرم ، ومثل ذلك في التحريم: الإزار الذي فصل على قدر وسط الرجـل ، والمتصلة أطرافه بالمغاط المطاطي ، وهذا وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين أجازه _ وعلى رأسهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله _ ؛ بالنظر إلى أنه يسمى إزاراً ، لكن الصحيح أنه ليس كذلك ، بل هو خارج عن حقيقة الإزار ، فهو أشبه ما يكون بالتنورة التي يلبسها النساء ، ولعله يسمى لغة النُّقْبةُ جاء في لسان العرب (1/768 ) : " والنقبة: خرقة يجعل أعلاها كالسراويل، وأسفلها كالإزار"اهـ ، وعليه فالصحيح عدم جواز لبس هذا النوع من الإزار للمحرم ،والله أعلم . وأما لبس الساعة فالظاهر أنه كلبس الخاتم ، وهو جائز عند جمهور الفقهاء إلا المالكية بالنسبة للرجل ؛ والصحيح جوازه ؛ إذ لم ينقل أن النبي–صلى الله عليه وسلم-خلع خاتمه في إحرامه .
وأما وضع الكمامة الطبية على الفم والأنف فحكمها حكم تغطية الوجه ، فلا يجوز للمرأة استعمالها ؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري _ : " ولا تنتقب المرأة المحرمة " ، وإحرام المرأة في وجهها فلا تغطيه إلا بغشوة تطرحها على وجهها كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه"(رواه أبو داود وابن ماجه) ، لكن إن احتاجت المرأة للبسها لدواعٍ صحية أو وقائية فلا بأس بلبسها ، لكن عليها فدية تخير فيها بين ذبح شاة ، أو صوم ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، على أنه يقوى إذا كانت الحاجة عامة للبس هذه الكمامات _ كما حدث عند انتشار وباء إنفلونزا الخنازير _ أن لا توجب الكفارة على أحد ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وما احتاج إليه العموم لم يحظر عليهم ، ولم يكن عليهم فيه فدية ، بخلاف ما احتيج إليه لمرض أو برْد ، ومن ذلك حاجةٌ لعارض ... والله لم يحرم على الناس في الإحرام ولا غيرِه ما يحتاجون إليه حاجة عامة "[ مجموع الفتاوى 21/197-198 ] .وأما لبس الكمامة للرجل فينبني على خلاف الفقهاء في جواز تغطية المحرم لوجهه ، فالحنفية والمالكية يمنعون ذلك ، والشافعية والحنابلة يجيزونه ، ومستند من منع ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس { في قصة الرجل الذي وقصته دابته فمات فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: " لا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " . زاد مسلم " ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " ، لكن الأقرب أن زيادة " ولا وجهه " غير محفوظة في الحديث ، وعلى تقدير صحتها يكون النهي عن تغطية وجهه إنما كان لصيانة رأسه، لا لقصد كشف وجهه ، والآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم دالة على جواز تغطية الرجل وجهه وهو محرم ، قال ابن القيم رحمه الله : " وبإباحته قال ستة من الصحابة عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وجابر - رضي الله عنهم – "[ زاد المعاد 2/225] ، وعليه فلا حرج على المحرم في استعمال الكمامات الطبية لحاجة أو لغير حاجة ، وإن كان الأولى ألا يستخدمها من غير حاجة خروجاً من الخلاف ، والله أعلم . وتظليل الحاج رأسه بغير ملاصق له : كالشمسية وسقف السيارة لا بأسَ به ؛لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- إنما نهى عن تغطية الرأس لا عن تظليل الرأس، والشيء البائن عن الرأس المبتعد عنه لا يقال: إنه غطى الرأس ، بل ظلل الرأس، ولهذا قالت أم الحصين رضي الله عنها : " حجَجنا مع النبي –صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلالٌ وأسامة ، أحدُهما يقود راحلته والآخر رافعٌ ثوبه على رأس النبي –صلى الله عليه وسلم- يُظلله من الشمس" رواه مسلم ، ونصوص الحنفية والشافعية دالة بوضوح على هذا الحكم ، يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا بأس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت في الصحيح، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة ."اهـ [التحقيق والإيضاح ص18].
وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف