الدعاة إلى الله هم ورَثة الأنبياء، فهم الهُداة إلى الله، وهم القوَّامون على دِينِه، والذائدون عن حُرُماته، والواقفون على مفترق الطريق، يُرشدون الحيارى ويبصِّرونهم، وهم المبلِّغون عن الله ورسوله دينَ الحق وهداية الخلق؛ لذا لا بد لمن يتصدى لهذا الأمر أن يتصف بالصفات التي تؤهِّله للقيام بعمل الأنبياء والرسل من قبلُ، وهذه الصفات إما أن تكون ذاتية وفطرية أو مكتسبة، كما أن هناك صفاتٍ سلوكيَّة وعملية.
وفي هذا المطلب سنتحدث بإيجاز عن بعض الصفات الذاتية؛ كالإخلاص والصدق والصبر وقوة الصلة بالله عز وجل والالتجاء إليه والتوكل عليه، وفي مباحث أخرى سنتعرض لبعض الصفات العمليَّة؛ كالتواضع والقصد والاعتدال والترفُّع عن اللغو واجتناب الموبقات والمبادرة بالتوبة والتدريب على مهمات الدعوة وطلب العلم، وغيرها من الصفات الأخرى.
أولًا: الإخلاص:
معنى الإخلاص في اللغة: هو الصفاء من الكدر والشوائب[1].
وفي الاصطلاح: التبرِّي عن كل ما دون الله تعالى[2].
وعرَّفه الجُرجاني: بأنه تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدِّر لصفائه[3]. والإخلاص هو روح الدِّين، ولُبُّ العبادة، كما قال سبحانه: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 3] "أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلَصَ فيه العاملُ لله وحده لا شريك له"[4].
والإخلاص أحد ركنَي العمل المتقبَّل، وهو شرط في صحة العمل وقَبولِه عند الله، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، قال ابن كثير: "﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ وهو ما كان موافقًا لشرع الله، ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبَّل، لا بد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله"[5].
وكما قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الأعراف: 29]؛ "أي: أمَرَكم بالاستقامة في عبادته في مجالها، وهي متابعة المرسَلين فيما أخبَروا به عن الله، وما جاؤوا به من الشرائع، وبالإخلاص في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبَّل العملَ حتى يجمع هذين الركنين: أن يكون صوابًا موافقًا للشريعة، وأن يكون خالصًا من الشرك"[6].
وكما يجب إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، فلا بد أيضًا من إخلاص التوكل عليه ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 164]، قال ابن كثير: "فهذه الآية فيها الأمر بإخلاص التوكل"[7].
فالحاصل أن الإخلاص له أثر كبير على الأعمال والطاعات، فالعبد "إذا أخلص الطاعة، صارت أفعاله كلُّها لله عز وجل"[8].
ويتجلى الإخلاص عند الداعية في أنه لا يريد مِن دعوتِه إلا وجهَ الله، فلا يبالي بالناس، ولا يسعى إلى مدحهم وثنائهم؛ لأنه لا يريد أن يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة، ولا يهمه كثيرًا أن يكون مرفوعًا أو يكون مغمورًا بين الناس، وليس معنى هذا أن يكون حريصًا أن يذُمَّه الناس أو يُسيئوا الظنَّ به، كلا؛ وإنما ينبغي له أن يسير في الدعوة على الطريق السويِّ لا يريد إلا وجه الله[9].
[1] مختار الصحاح للرازي ص 184.
[2] المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص 154.
[3] التعريفات للجرجاني، تحقيق إبراهيم الإبياري ص 28.
[4] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 54.
[5] المرجع نفسه 3/ 138.
[6] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 265.
[7] المرجع نفسه 2/ 253.
[8] المرجع نفسه 2/ 715.
[9] انظر صفات الداعية، لمحمد الصباغ ص 44-45، طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1391هـ.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف