يمثل التاريخ أرضاً خصبة لمن يرغب في تعلم دروس الماضي، وفهم الاستراتيجية التي تتحرك بها الدول والجماعات من أجل ضرب دول الجوار من الداخل؛ سواء بالإرهاب أو التآمر. وفي قصة "حشاشو إيران" أو "أول فرقة إرهابية في تاريخ الإسلام" درسٌ لمن يريد أن يعرف كيف تتحرك إيران وحرسها الثوري وتنظيم "داعش" والموالون له في المنطقة، بالتسلل إلى الدول المجاورة واستغلال الظروف السياسية والاقتصادية والخلافات المذهبية، واستغلال الجهال من المراهقين والشباب؛ من أجل تجنيد الأتباع، ثم تكليفهم بالعمليات الإرهابية والتخريبية.
الحشاشون
في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، قام حسن الصباح في فارس، بتأسيس فرقة الحشاشين التي تنتمي إلى الطائفة الشيعية الإسماعيلية النزارية، وكان هدف هذه الفرقة القيامَ بأعمال القتل والإرهاب في العالم الإسلامي.
ودخلت كلمة "حشاشين Assasin" معظم اللغات الأوروبية بمعنى "القاتل المأجور المحترف" الذي "يقتل خلسة أو غدراً، وغالباً ما تكون ضحيته شخصية عامة، وهدفه التعصب أو الجشع"، وفي اللغة الإنجليزية يستخدم الفعل "Assasinate" بمعنى "يغتال".
فمن هو "حسن الصباح" وكيف كوّن فرقة الحشاشين لاغتيال القيادات الإسلامية في الدول المجاورة لإيران؟ ومن أين جاءت تسمية "حشاش"؟ ولماذا أصبحت تعني "قاتلاً أو إرهابياً"؟
في كتابه "الحشاشون.. فرقة ثورية في تاريخ الإسلام"، قدّم الكاتب برنارد لويس قصة حسن الصباح وفرقة الحشاشين.
حسن الصباح
إنه الفارسي حسن الصباح (1037- 1124)، الملقب بالسيد أو شيخ الجبل، وُلد في مدينة "قم" الإيرانية، ويدّعي البعض أنه من أصل حميري قحطاني عربي، ثم انتقل مع عائلته وهو طفل صغير إلى مدينة الري وهي من المراكز التي كان ينتشر فيها دعاة الإسماعيلية، والري بالقرب من مدينة طهران الحالية، وكان "الصباح" حادّ الذكاء والفطنة، اتبع تعاليم طائفة الإسماعيلية، وأقسم يمين الولاء لها.
في مصر
بعد ذلك التقى حسن الصباح بأحد زعماء الإسماعيلية وهو عبدالملك بن عطاش، كبير الدعاة الإسماعيلية في إيران، والذي طلب من "الصباح" السفر إلى القاهرة لمقابلة الخليفة العبيدي، وتمكّن بعد ذلك بمدة من السفر إلى مصر ثم بقي فيها حوالى ثلاث سنوات ما بين القاهرة والإسكندرية.
انقسام الإسماعيلية
وأثناء تواجد حسن الصباح في مصر، حدث أمر محوري قلَب الأمر رأساً على عقب؛ فبعد هلاك المستنصر بالله الخليفة العبيدي الفاطمي، اختلف "ابن الصباح" مع القائد الأرمني الإسماعيلي القوي الذي كانت بيده شؤون الدولة العبيدية، وهو الأمير الأفضل شاه بن بدر الجمالي؛ وذلك أن "الصباح" كان من الذين يرون أن الإمامة يجب أن تنتقل بعد هلاك المستنصر بالله إلى ابنه الأكبر "نزار"، وكان الأفضل الجمالي قد نصّب الابن الأصغر أحمد ولقبه بـ"المستعلي"، وهذا الأمر بالنسبة لعقيدة الإسماعيلية مسألة خطيرة جداً؛ لذلك انقسمت الإسماعيلية إلى "مستعلية" و"نزارية".. نزارية يرون إمامة نزار، ومستعلية يرون إمامة المستعلي، وبسبب هذا الخلاف مع الأفضل الجمالي تم سجن حسن الصباح ثم طرده من مصر على متن مركب للإفرنج إلى شمال إفريقيا؛ لكن المركب غرقت؛ فنجى "حسن"؛ فنقلوه إلى سوريا، ثم تركيا، ورحل إلى بغداد؛ ومنها عاد إلى أصفهان يحمل روح الانتقام وروح نشر الدعوة الجديدة، وهي دعوة "الإسماعيلية النزراية" التي سوف تتطور إلى طائفة الحشاشين الإرهابية.
وبدأ حسن الصباح بالبحث عن قاعدة ينشر منها سمومه إلى الناس، وحصن حصين يربي فيه اتباعه على الشر المستطير الذي يكمن في أعماق عقله، وبعد البحث الطويل وجد ضالته المنشودة في قلعة "ألموت".
قــلــعة ألــمـــوت
قلعة ألموت تعني بالفارسية (عش النسر)، وهي قلعة ذات حصانة ومناعة لا تخطر على بال إنسان، ولما استولى عليها حسن الصباح دخلها ولم يخرج منها إلا بعد أن هلك بعد 35 عاماً، وأخذ أتباعه يستولون على كثير من القلاع المنيعة لكي يتخذوها مراكز لبث سمومهم؛ حتى بلغ عدد هذه القلاع في أخريات أيام دولة الحشاشين أكثر من 100 قلعة، وهذه القلاع كانت في غاية التحصين؛ ولكن القلعة الأم كانت قلعة ألموت.
وتقع هذه القلعة في حصن جبلي موجود في وسط جبال البرز أو جبال الديلم جنوب بحر قزوين في مدينة "رود بار" بالقرب من نهر شاه، و"رد" تبعد حوالى 100كم عن العاصمة طهران في إيران الحالية.
الاستيلاء على القلعة
يصف برنارد لويس في كتابه "الحشاشون"، كيف استولى حسن الصباح على قلعة ألموت، يقول: كانت القلعة في يد عَلَوي آخر يُدعى مهدي، كان قد منحها له السلطان السلجوقي. وأعد حسن الصباح خطة مُحكمة للاستيلاء على قلعة ألموت؛ فقد استقر في قرية دمغان، وأخذ يرسل الدعاة للعمل في القرى المحيطة بالقلعة، ثم أرسل الدعاة مرةً أخرى إلى داخل قلعة ألموت نفسها.. وأمكن كسب بعض الرجال في القلعة للعقيدة الإسماعيلية بواسطة الدعاة، وهؤلاء حاولوا تحويل العلوي صاحب القلعة نفسه، وتظاهر العلوي بأنهم كسبوه إلى جانبهم؛ ولكنه بعد ذلك تحايل على إرسال جميع المتحولين إلى الخارج، ثم أغلق أبواب القلعة وقال إنها تخص السلطان، وبعد مناقشات كثيرة سمح لهم بالدخول، وبعد ذلك رفضوا أن ينفذوا أوامره بالخروج مرة أخرى.
وبعد أن نجح حسن الصباح في زرع أنصاره داخل القلعة، غادر قزوين إلى مشارف ألموت؛ حيث مكث مختبئاً بعض الوقت، إلى أن تمكن أنصاره من تهريبه سراً إلى داخل القلعة، وظل فترة أخرى من الوقت متخفياً داخل القلعة؛ ولكن شخصيته لم تلبث أن أميط عنها اللثام في الوقت المناسب، وتحقق المالك القديم للقلعة مما حدث؛ ولكنه أسقط في يده ولم يستطع أن يفعل شيئاً لوقف مجرى الأحداث أو تغييرها، وسمح له حسن بمغادرة القلعة، وأعطاه -طبقاً لقصة يوردها المؤرخون الفرس- مبلغاً قدرة 3000 دينار ذهبي ثمناً للقلعة.
وبذلك أصبح حسن الصباح سيداً لقلعة ألموت، ولم يغادرها مرة واحدة من دخوله حتى وفاته بعد ذلك بخمسة وثلاثين عاماً، كما لم يغادر البيت الذي يقيم فيه داخل القلعة سوى مرتين اثنتين، وفي هاتين المرتين صعد فقط إلى سطح البيت! ويقول رشيد الدين: أما بقية الوقت حتى وفاته؛ فقد أمضاه في قراءة الكتب وكتابة كلمات الدعوة وإدارة شؤون مملكته.
وغداً نعرف من أين جاءت تسمية "حشاش"؟ ولماذا أصبحت تعني "قاتلاً أو إرهابياً"؟ وكيف سيطر حسن الصباح على أتباعه بنبات الحشيش حتى تَخَطّى مرتبة الأنبياء لديهم ووصل إلى مرتبة الإله الذي يعبدونه، وكيف استعملهم كأدوات قتل فاقدة العقل لاغتيال قيادات العالم الإسلامي.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف
العرض الشجري