الحمدُ لله الذي أَنْعَمَ علينا بِشَهْرِ الصِّيام والقِيامِ، ونزولِ القرآنِ، وأكرمَ فيه عِبادَه بالرَّحمةِ والمَغفرةِ والعِتقِ من النِّيران، والصلاةُ والسَّلامُ على إمام المُتَّقين نبيِّنا محمدٍ المَبْعُوثِ رحمةً للعالمين، وعلى أصحابِه الأبرارِ الصَّائمين الخاشعين، ومَنْ سار على نَهْجِهِم إلى يومِ الدِّين؛ أما بعد: فما أسرعَ تَعاقُبَ اللَّيالي والأيام، وما أعجلَ دَوَرَانَ رَحَى الزَّمانِ، فالأيامُ واللَّيالي تُطْوَى، والأعمارُ والأعوامُ تَفْنَى، ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27].
عِبادَ اللهِ.. فقد أظَلَّكُمْ شهرٌ عظيمٌ، وضَيْفٌ مُبارَكٌ، يَطْرُقُ الأبوابَ هِلالُه؛ فاسْتَقْبِلوه بِالتَّوبَةِ النَّصُوحِ: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 23]. واسْتَقْبِلُوه بِالفَرَحِ والبِشْرِ: فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُ أصحابَه بِقُدُومِ رمضانَ، ويَحُثُّهم على العملِ الصَّالِحِ، فيقول: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» صحيح - رواه النسائي. مِمَّا يَسْتَدْعِي حُسْنَ استقبالِه، والتَّعبيرَ عن تعظيمِه، والابتهاجَ بِقُدومِه.
والمُؤْمِنُ يَفْرَحُ بِرَمَضانَ؛ لِمَا فيه من أسبابِ الفَوزِ بِالجِنانِ، والنَّجاةِ من النِّيران، ويَفْرَحُ المؤمنٌ برمضانَ؛ لأنه شهرٌ يربِّي فيه نَفْسَه على الصَّبرِ على الشَّهَواتِ، والصَّبرِ على الطَّاعاتِ، فيُفِيدُه قُوَّةً في دينِه، وزِيادةً في إيمانه، فما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا، ولا أوسعَ من الصَّبر. ويَفْرَحُ المؤمنٌ برمضانَ؛ لِيُجَدِّدَ في نَفْسِه الأمَلَ، ويَزْدادَ فيه من العَمَلِ.
ورَمَضانُ شَهْرُ الجُودِ والإِحْسَانِ؛ قَولًا وفِعْلًا، فالنُّفوسُ زاكيةٌ بالصِّيامِ والقِيامِ، وقِراءَةِ القرآنِ، ومَنْ عَلِمَ سِيرةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعمَلَه في رمضانَ؛ رأى ذلك واضِحًا بَيِّنًا في أَخْذِه بِمَكارِمِ الأخلاقِ فوقَ ما كان يَعْمَلُه في غَيرِ رمضانَ، قال ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» رواه البخاري ومسلم.
ومِنْ أَوْسَعِ الأبوابِ المُوصِلَةِ إلى اللهِ تعالى الدُّعاءُ؛ في السَّراءِ والضَّراءِ، والشِّدةِ والرَّخاءِ، قال اللهُ تعالى - في سِياقِ آياتِ الصِّيام: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. فتَحَرَّوا مَواطِنَ الإجابةِ؛ فإنَّ للصائِمِ دعوةً مُسْتجابَةً، وأَرْجَى ما تكونُ عند فِطْرِه. قال ابنُ كثيرٍرحمه الله: (فِي ذِكْرِهِ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الدُّعَاءِ، مُتَخَلِّلَةً بَيْنَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ؛ إِرْشَادٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ إِكْمَالِ العِدّة؛ بَلْ وعندَ كُلِّ فِطْرٍ).
والصَّائِمون والصَّائِماتُ تتَجَدَّدُ فَرْحَتُهم كُلَّ يومٍ بالفِطْرِ، ونِعْمَةِ الصِّيامِ؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» رواه البخاري. قال النَّوَوِيُّ رحمه الله: (أَمَّا فَرْحَتُهُ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ؛ فَبِمَا يَرَاهُ مِنْ جَزَائِهِ، وَتَذَكُّرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا عِنْدَ فِطْرِهِ؛ فَسَبَبُهَا تَمَامُ عِبَادَتِهِ، وَسَلَامَتُهَا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ، وَمَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِهَا). فهذا سَيِّدُ الشُّهورِ، وهو شَهْرُ الصِّيامِ والقرآنِ، وشَهْرُ القِيامِ والإحْسَانِ، وشَهْرُ الصَّبرِ والغُفرانِ، وشَهْرُ الرَّحْمَةِ والعِتْقِ من النِّيرانِ، فاغْتَنِمْه يا عبدَ الله! فقد لا يعودُ مَرَّةً أُخْرَى.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف