اقرأ ، فبفعل القراءة أنت موجودُ ..
اقرأ، و ناج طائر ارتيابكْ ..
مهجتك ، الآنْ ، بقدرة القراءة
وحدها صارت جناحاهُ ..
صفق بهما .. ولا تكترث بما تصادف
من غربان قلمت أجنحة الفكر ،
فسكنت سوادها و استكانت لليل
سرمدي يلعق ما تبقى من
ندى صباحها الباهتِ ..
ِ
اقرأ .. و لا تعبأ بنعيقها المخيف
الذي يعلن موت هذا الوجودْ .
اقرأ .. لكي ينتابك جنون العارفين
بخبايا فراشة القلوبْ ، فترتاب في نفسكْ ..
في زفراتك التي تجتاح قمم
النفوس و سفوحها ..
اقرأ.. حتى تحس بأنك بلا مأوى
يحميك من حر يقين مطلق،
و من قر سير الأجداد المجيدة ،
فتبدد هذا الخراب الذي سكن دواخلكْ ..
اقرأ .. فالقراءة فعل جميلْ .. يطهر
الإنسان، كل إنسانْ ، من دنس الجهل
و الأمية و الاغتراب اللعينْ..
اقرأ و انفض عن جسمك
المفهوميِّ غبار كل هذي السنينْ ..
اقرأ .. حتى تنجلي لك ممكنات
هذا الوجودْ .. فأرض يقينياتك ،
لو تدري ، هشةٌ .. غادرها بسرعة
دون ندمٍ .. دون التفاتٍ إلى الوراءْ ..
فالماضي حقل مليء بألغام
سَتُصَيِّرُ جسدك أشلاء إن اسْتَكَنْتَ
عند نقطة من نقطهِ .
اقرأ .. لترى ، دائما ، ك " زرادشت " ،
فعل الكينونة ، من أعالي الجبال ،
يسبق زفراتك .. يمتص رحيقها
المر، كي يخرج من بطنها
الألم و الاغترابْ ..
اقرأ .. كي تصرخ نحلات أزهاركْ ،
في وجه قمر رمادي بليدْ ،
يستلذ بالتيهان في صحاري
نجواكْ .. فرقصهن نهر ماؤه
لم يفارق ، بعد ، التدفق و الانسيابْ .
اقرأ .. حتى لا تصاب يعسوب
لغتك بعماء الصمتْ .. بالتهاب
الفواصلْ ، فتهتز كلماتها
و نقط حروفها .. و تغدو مجرد
قطران أسود انطلى على أوراق
الكراسات و الكتبْ .
اقرأ .. حتى تستطيع أن تعانق
حريتكْ .. و تنفض عنك غبار
العبوديةِ.. فبالقراءة وحدها
تستطيع أن تسترد حريتك
من عبث اليومي و عبث المبتذل
الذي تساق إليه من
حيث تدري أو لا تدري ..
اقرأ .. لكي تكون قادرا على
أخذ معولك لهدم حقائقك
الجوفاء و أوثانك الصدئةِ.
فبخمول الذهن قد تكون
أو لا تكونْ .. لكن بالقراءة
تكونْ .. و تكونْ ..
اقرأ عن تاريخك ، عن سير الأولين
و الآخرين لتعيد أمجاد أجدادكْ ..
اقرأ عن أرضكْ ، التي لم تعد
تنبت أزهار الطفولةِ ، لكي تنفخ
فيها روح المحبة و التسامح
وتزرع فيها بذور الدهشةِ ، حتى
تستعيد خصوبتها و تصبح قادرة
على إنجاب جيل العطاءْ ..
فلا أحد من أهلك و ناسك ،
هناك ، أصبح قادرا ، من فرط
الخمول و الكسلْ ، على استعادة
دهشة الأطفال عند رؤيتهم
زرقة السماء و نور الشمس
و ضياء القمرْ ..
اقرأ .. لكي تسابق بقراءتك
الرياح و الضوءْ ، نحو غد
قد يبدو بعيدا .. لكنه ، دون شك ،
غد مرتقبٌ . . في مدينة عشاق
الحرف و الكلمة ، حُطَّ الرحالَ ..
سترى ، هناكْ ، دررا مرميةً ،
أصبحت بفعل التقادم ، متآكلة
و منسيةً .. سترى قبورا بلا شواهدْ ،
لأسلاف رحلوا عنك ، بغتة ، دون
إشارة وداعْ .. فقد كانت أرضهم ،
بالأمس البعيد، أرض أحلام
و مسراتْ ، تصغي لتغاريد
الشحاريرْ ، و الآن ، غذت
أرض خراب و سرابْ .
اقرأ .. فقد تكون ، أنتْ ،
نطفة بعث جديدْ، أو تكون
بلسما لداء هذا الخرس
الذي أصاب العقولْ .
اقرأ .. لتبحث في مرآة كينونتك
عن وجوه تتقاطع مع بقايا
ملامحكْ ، فتصير تلك المرآة
عنوانا لمعاناة عشاق الحكمة،
أو تطهيرا لمهجتك من
صخب هذا الناقوس المزعج
الذي يدق معلنا اقتراب
ساعة الموت و الفناءْ..
اقرأ .. لتبدد هذه الظلال
المكبلة ليدكْ، و المصفدة
لقدميكْ، و القاذفة بك
في قرارها السرمديِّ..
اقرأ ليغدو عالمك كهفا
يشتاق لغاوون الشعراءْ ،
و لوثة الحكماءْ . فإن كنت
عاشقا للحكمة ، منصتا لها ،
فأنا صوفياكْ ، حكيمة الحكماءْ ،
اعشقني مثلما عشق قيس لبناهْ ..
و جميل بثيناهْ ، وعنترة عبلاهْ ..
و ابحث لك عن بصيص نورْ ،
حتى لا تلتهم ظلال كهفك
ما تبقى من زادكْ ، وانتظرني ،
فأنا قادمة ، من أعالي الجبال
لأفك عنك قيود شهواتكْ .. ..
تأمل في وجهيَّ الإشراقيَّ ،
فسترى في عينيَّ الشمسَ
تطرز بخيوطها الذهبية،
هذا الخواءْ.. ليصير، من أجلك ،
أيها القارئ الحكيم ، بهاءْ ..
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف