الحمد لله رب العالمين، يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، والصلاة والسلام على من تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وبعد
فمن البدع المظلمة المتكررة التي روَّج لها الشيطان بدعةُ الاحتفال بالموالد التي درج عليها بعض الناس واستحسنوها، وقد تأثروا في ذلك بالنصارى المحتفلين في كل عام بما يطلقون عليه «الاحتفال بالعيد المجيد»، ويعنون به عيد ميلاد المسيح عليه السلام ، وذلك في اليوم السابع من شهر يناير، ومما يؤسف له أن جَهَلة المسلمين يشاركونهم في ذلك
وفي شهر ربيع الأول وهو الشهر الذي وُلد فيه النبي يحتفل كثير من الطُّرُقية بالمولد النبوي؛ زاعمين صدق محبتهم للنبي ، والأمر ليس كذلك؛ لأن البدع لا يُتَقَرَّب بها إلى الله، وقد مضت القرون المفضلة التي شهد لها بالخيرية نبينا محمد ، وفيهم الصحب الكرام ولم يفعلوا شيئًا من ذلك مع شدة محبتهم واتباعهم للنبي ، وهم أعلم الناس بالسنة، وأحرصهم على اتباع الحق وسلوك طريق الخير والموالد بدعة محدثة أحدثها أولاد بني عبيد القداح الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين
قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله «الموالد هي الاجتماعات التي تُقام لتكريم الماضين من الأنبياء والأولياء، والأصل فيها أن يُتَحرى الوقت الذي وُلد فيه من يُقصد بعمل المولد، وقيل أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش، ثم أُعيدت في خلافة الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعدما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي في مدينة إربل الملك المظفر أبو سعيد في القرن السابع، وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، وتوحيه إليهم شياطين الإنس والجن» الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ ص ،
والفاطميون يزعمون نسبتهم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد كذبوا في ذلك؛ لأن جدهم هو ميمون بن ديصان المعروف بالقداح سُمي قداحًا؛ لأنه كان كحالاً يقدح العيون إذا نزل فيها الماء، انظر وفيات الأعيان ، ولسان العرب ، وكان مولًى لجعفر بن محمد الصادق، وكان يظهر التشيع ويبطن الزندقة الأعلام للزركلي ، ثم خرج من نسله رجل اسمه «سعيد بن الحسين»، ولكنه غَيَّر اسمه ونسبه وقال لأتباعه أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، ولقب نفسه بالمهدي
قال الذهبي رحمه الله «وعبيد كان اسمه سعيدًا، فغيَّره بعبيد الله لما دخل إلى المغرب، وادَّعى نسبًا ذكر بطلانه جماعة من علماء الأنساب، ثم ترقى، وتملَّك، وبنى المهدية، وكان زنديقًا خبيثًا، ونشأت ذريته على ذلك، وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها» سير أعلام النبلاء
قال ابن خلكان «وأهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون في دعواه النسب» وفيات الأعيان
وقال محمد بن الحسن الديلمي «والصحيح أنهم من أولاد عبيد الله بن ميمون القداح الثنوي، وإنما أرادوا أن يؤكدوا خديعتهم للعوام بالقربة إلى العترة عليهم السلام» بيان مذهب الباطنية وبطلانه ص
وقال ابن تيمية وقد عُلم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس، أو اليهود وهذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وأهل الحديث، وأهل الكلام، وعلماء النسب، والعامة وغيرهم، وهذا أمر أقره عامة المصنِّفين لأخبار الناس وأيامهم، حتى بعض من يتوقف في أمرهم كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه، فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم» مجموع فتاوى ابن تيمية
وهؤلاء القوم المذكورون بهذه الصفات عند أئمة أهل العلم هم الذين أحدثوا هذه الموالد، وأدخلوها على المسلمين؛ حتى جعلوا السَّنَةَ كلها أعيادًا ومواسم، واحتفلوا بأعياد المجوس والنصارى، وهذا يدل على فساد معتقدهم وشناعة بدعهم، وقد ذكر المقريزي أعيادهم ومواسمهم على مدار العام، فقال «وكان للخلفاء الفاطميين في السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي ، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن، ومولد الحسين، عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء، عليها السلام، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان لعله يقصد السُّمُط التي تُمَدّ ويُوضع عليها الطعام، ويحدث هذا في المناسبات كما يكون في رمضان، ولعله كان عادة عند الفاطميين العبيديين في رمضان، انظر القاموس المحيط ، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النيروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات» الخطط المقريزية
ويلاحظ من هذا السرد كثرة احتفالاتهم التي صرفوا الناس بها عن الحق والهدى والسنة، وشغلوهم بما لم يشرعه الله تعالى، وبعض هذه الأعياد هي مناسبات لغير المسلمين وأعيادهم، وذلك كيوم النيروز، وهو من أعياد الفرس، وكانوا يرشون الماء في ذلك اليوم، ويتيمنون به، وقيل أول من اتخذ النيروز عيدًا أحد ملوك الفرس الأُوَل، ويقال في اسمه جمشيد أو جمشاد المرجع السابق
ويوم الغطاس من أعياد النصارى، قال المسعودي في مروج الذهب «ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وهي ليلة إحدى عشرة من طوبة، ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلاثمائة ليلة الغطاس بمصر، وقد حضر النيل في تلك الليلة مئو ألوف من الناس من المسلمين والنصارى، وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ونشرة للداء»
وأما خميس العدس فهو خميس العهد، والعامة الذين يسمونه بخميس العدس، ويعمله نصارى مصر قبل الفصح بثلاثة أيام ويتهادون فيه، وكان من جملة رسوم الدولة الفاطمية
والحاصل من ذلك أن العبيديين أحدثوا مواسم وأعيادًا كثيرة، وكانوا يظهرون الفرح والسرور بها، وبعضها كما أشرت إلى ذلك من أعياد المجوس والنصارى، وهذا يدل على أنهم كانوا يرغبون من وراء ذلك نشرَ عقائد فاسدة بين المسلمين، وصرفهم عن العبادات المشروعة إلى بدع ومحدثات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا سنَّها النبي عليه الصلاة والسلام ، وإذ قد عرفنا أن بعض هذه الأعياد من شرائع الكفار، ومن شعائر أديانهم الباطلة، فلا يجوز للمسلمين أن يتشبهوا بهم، وأن يسيروا في ركاب باطلهم
يقول ابن تيمية رحمه الله «ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات، وسواء بلغت الكراهةُ التحريمَ أو لم تبلغه، وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نُهِيَ عنها لسببين أحدهما أن فيها مشابهة الكفار، والثاني أنها من البدع، فما أُحدث من المواسم والأعياد هو منكر» اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم
وقد استند القائلون ببدعة المولد النبوي إلى شبهات ظنوا أنها تؤيد عملهم، وأنه المشروع، ومن هذه الشبهة ما ذكره أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي سُئل عن صيام يوم الاثنين، فقال «ذلك يوم وُلدت فيه، ويوم بُعثت أو أنزل عليَّ فيه» أخرجه مسلم في كتاب الصيام باب ، ، وأحمد في مسنده وغيرهما
والجواب عن هذه الشبهة أن النبي لم يخصّ يوم الاثنين وحده بالصيام، بل كان يتحرى صيام يومي الاثنين والخميس، وذكر العلة في ذلك كما في الحديث أن مولى أسامة ابن زيد انطلق مع أسامة إلى وادي القرى يطلب مالاً له، وكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فقال له مولاه لِمَ تصوم يوم الاثنين والخميس وأنت شيخ كبير قد رققت؟ قال إن رسول الله كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فسُئل عن ذلك فقال «إن أعمال الناس تُعرض يوم الاثنين والخميس» وفي رواية «وأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم» أخرجه أحمد في مسنده ، ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود
فالحديث دلَّ على استحباب صوم يومي الاثنين والخميس؛ لأنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال، فالاستدلال بصوم يوم الاثنين على جواز الاحتفال بالمولد في غاية التكلف والبعد، وخروج عن العلة التي ذكرها الرسول نفسه، وكان يصوم الخميس مع الاثنين، ولو أراد الاحتفال بمولده لاكتفى بيوم الاثنين فحسب
وهناك لفتة أخرى مهمة ذكرها الشيخ محمد عبد السلام الشقيري رحمه الله قال فيها «لا يختص هذا الشهر بصلاة، ولا ذكر ولا عبادة، ولا نفقة ولا صدقة، ولا هو موسم من مواسم الإسلام كالجُمَع والأعياد التي رسمها لنا الشارع صلوات الله وتسليماته عليه وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، ففي هذا الشهر وُلد ، وفيه تُوفي، فلماذا يفرحون بميلاده، ولا يحزنون لوفاته؟ فاتخاذ مولده موسمًا والاحتفال به بدعةٌ منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم؟ لا شك أنه ما أحدثه إلا المتصوفون الأكالون أصحاب البدع، وتبع الناس بعضهم بعضًا فيه إلا من عصمه الله ووفقه لفهم حقائق الإسلام» السنن والمبتدعات، ص
ثم إن النبي لم يصم يوم ولادته فقط، وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه الذي وُلد فيه وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه أربع مرات، وأحيانًا خمس مرات، فلو أراد الاحتفال بمولده لصام اليوم الذي وُلد فيه فقط
ويضاف إلى هذا أن النبي اقتصر على الصيام فحسب، وما عليه أرباب الموالد والطُّرُقية اليوم على نقيض هذا، فهم يتناولون في هذا اليوم أشهى الأطعمة، ويتوسعون في ذلك، بل يطربون ويرقصون من خلال المدائح والأنغام التي يفعلونها، وفيها من الضلال ما فيها، وهذا في غاية البعد عن فعله وقصده الذي أراده من وراء صيام الاثنين، فشتان بين الفعلين والغرضين، وهل يمكن أن يكون هذا القياس صحيحًا؟
وهناك شبهات أخرى للقائلين بالموالد أتعرض لها إن شاء الله في العدد القادم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف