الآثار التربوية المترتبة على اختلال ميزان القوامة في الأسرة
الآثار التربوية المترتبة على اختلال ميزان القوامة في الأسرة
تعد آية القوامة في القرآن الكريم واضحةً في تحديد مسؤولية القيادة في الأسرة، قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].
إن تكليف الرجل بالقيادة في الأسرة من خلال آية القوامة، له العديد من الأسباب التشريعية والبيولوجية والتربوية التي جاءت بما يوافق فطرة خلق الإنسان، إن كون القوامة بيد الرجل لا يلغي أهمية دور المرأة في الأسرة؛ كما جاء ذلك في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، فهي مكلفة ومسؤولة في بيتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)؛ متفق عليه.
إن تطبيق آية القوامة في الأسرة له آثار اجتماعية واقتصادية إيجابيةً على الأسرة، كما تمتد هذه الآثار على الجانب النفسي، فتسهم في الاستقرار الأسري، وتحقيق السكن النفسي، مما ينعكس إيجابًا على الأبناء في مختلف جوانب تربيتهم النفسية والعقلية والاجتماعية، وهذا بدوره يؤثر إيجابًا على المجتمع الذي تعد الأسرة اللبنة الأساسية فيه.
وفي المقابل هناك العديد من الآثار التربوية المترتبة على اختلال ميزان القوامة في الأسرة، ولعل من أهمها فقد الاستقرار الأسري، والسكن النفسي الناتج من معرفة الأدوار في الأسرة؛ حيث يعد اختلال الأدوار وما يترتب عليه من صراع بين الزوجين من العوامل التي تهدد الاستقرار الأسري.
والاستقرار الأسري من أهم الأمور التي سعى الإسلام إلى تحقيقها، ويقوم الاستقرار الأسري على ثلاث دعائم: السكن النفسي، والمودة والرحمة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
قال ابن كثير[1]: "من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك.
إن العلاقة الزوجية يجب أن تقوم على المودة والسكن والاستقرار النفسي الذي يمكن تحقيقه إذا ما عرف كل من الزوجين اختصاصه ودوره في الأسرة بصورة متكاملة؛ مما يزيد في عمق الترابط الأسري، وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على تربية الأبناء.
إن الترابط الأسري وقلة الخلافات الزوجية، عامل مهم من عوامل الاستقرار النفسي للأبناء، وقد أكدت العديد من الدراسات[2] أهمية دور الأسرة في التربية النفسية للأبناء، وذكرت أن الأسرة ذات المناخ الجيد المستقر قادرة على تحقيق التربية النفسية الوجدانية السليمة لأطفالها من خلال العلاقات الطيبة والمعاملة الحسنة بين أفرادها، وأن على الأسرة إشباع الحاجات النفسية للأبناء عن طريق التوجيه والإرشاد، كما تناولت دراسات أخرى[3] أهمية تنمية المهارات الاجتماعية للأبناء وتعليم الأطفال السلوك الإيجابي، والمهارات الاجتماعية المطلوبة للتواصل مع الآخرين بنجاح وفعالية.
والأسرة التي تكون مهارات التواصل فيها بين الزوجين عالية نتيجة فهم الأدوار الزوجية في ضوء القوامة، تؤثر إيجابًا على مهارات الأبناء الاجتماعية، وفي المقابل لو كانت مهارات التواصل بين الزوجين ضعيفة، وصراع الأدوار موجودًا ستتأثر تربية الأبناء سلبًا؛ مما قد يؤدي إلى ظهور الازدواجية في التربية.
والازدواجية في التربية من أبرز الآثار التي قد تنجم من جراء اختلال ميزان القوامة في الأسرة، ومن أبرز صور الازدواجية داخل الأسرة الواحدة أن الأب يعطي قرارًا معينًا يخص الأسرة عامة، ثم تأتي الأم لتعطي قرارًا مخالفًا، ويقف الابن حائرًا بين الاثنين أي قرار ينفذ، ومن صورها أن الأب قد يعطي جزاءً وعقابًا للأبناء، ثم تأتي الأم وترفع هذه الجزاءات من خلف ظهره؛ مما قد ينشأ عنه عدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ؛ حيث تسبب ازدواجية التربية في إرباك الطفل، وتجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض، كما قد تؤدي إلى دفع الابن إلى الكذب؛ كأن تعرض الأم على زوجها أمرًا، فإذا أبى الزوج خالفته خفيةً مع أولادها، فيتعود الأولاد مخالفة الوالد والكذب عليه، ثم يقومون بنفس التصرف معها هي إذا احتاجوا إليه، فنجد أنفسنا أمام شخصية غير سوية، كما قد تؤدي الازدواجية في التربية إلى تنمية مشاعر العدائية تجاه أحد الطرفين، فقد يكره الطفل والده، ويميل إلى الأم، أو قد يحدث العكس إذا كان أحداهما يتصف باللين والآخر يتصف بالشدة[4]، ومن المعروف أن من أهم العوامل الفاعلة في التربية: استقرار المنهج التربوي المتبع بين أفراد البيت من أم وأب، وهذا يمكن تحقيقه من خلال تشريع القوامة في الإسلام.
إن اختلال ميزان القوامة في الأسرة ينعكس على المجتمع، فالأسرة هي اللبنة الأولى التي يتكون منها المجتمع، وعلى ضوء صلاحها وتماسكها وقوة بنائها، وسلامة قيادتها، يتحدد مصير المجتمع، لذلك نجد أن الأسرة في الإسلام حظيت بالعناية العظيمة، والاهتمام البالغ في تعاليم ديننا الحنيف، وشريعتنا الغراء[5].
ويتفق الكثير على أن صراع الأدوار الناتج من التمرد على تشريع القوامة، يزيد من حدة الخلافات الزوجية؛ مما قد يؤدي إلى الطلاق في بعض الأحوال.
إن الطلاق يؤدي إلى تفكك الأسرة، وهذا بدوره يؤثر على المجتمع تأثيرًا سلبيًّا خطيرًا.
جاء في دراسة[6] قام بها مركز (أسبار للدراسات والبحوث والإعلام) - أن الطلاق يؤدي إلى تصدع الأسرة، ويعد في نظر كثير من الباحثين سببًا مهمًّا في انحراف الأحداث وفي السلوك الإجرامي عامة، وفي عدد من مشاكل سوء التكيف والتوافق، والمرض النفسي الذي يتعرض له الأفراد في حياتهم، أو في تفاعلهم مع أعضاء المجتمع الآخرين.
إن الحفاظ على تماسك المجتمع واستقرار أفراده، من أهم أهداف الإسلام؛ حيث جاءت تشريعاته بما يحقق هذا المطلب، ومنها تشريع القوامة في الأسرة؛ حيث يترتب على الإخلال به آثار سلبية على الزوجين وعلى الأبناء، وعلى المجتمع بشكلٍ عام؛ مما يستلزم توعية المرأة بمفهوم القوامة، وأهميتها في استقرار الأسرة عن طريق الدورات والأنشطة التوعوية للمرأة، وإقامة المؤتمرات التي تبين حفظ حقوق المرأة في الإسلام ومكانتها، ودورها الفاعل في بناء المجتمع.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف