الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالإنسان مدني بطبعه، لا بُدَّ له من جلساء وأصحاب، وإذا أراد الله عز وجل بعبده خيرًا وفَّقه لجليس صالح، قال مضاء بن عيسى الشامي رحمه الله: إذا أراد الله بالشابِّ خيرًا وفَّق له رجلًا صالحًا، وقال الإمام السلمي رحمه الله: إذا أراد الله بعبدٍ من عبيده خيرًا وفَّقه لمعاشرة أهل السنة، وأهل الستر، والصلاح، والدين، ويرده عن صحبة أهل الهوى والبدع، والمخالفين.
والأخوة في الله من أفضل القُرُبات، قال الإمام الغزالي رحمه الله: التحابُّ في الله تعالى والأخوَّة في دينه من أفضل القُرُبات، وألطف ما يستفاد من الطاعات.
وصحبة الأخيار لها ثمن، قال السلمي رحمه الله: للمعاشرة ثمن، فيجب أن يطالب صاحبه بثمن معاشرته، وهو صدق المودَّة، وصفاء المحبَّة، فإن العشرة لا تتمُّ إلا بهما.
فَلْيَحرص المسلم على الجليس الصالح، قال خيثمة بن عبدالرحمن رحمه الله: أتيتُ المدينة، فسألت الله أن يُيَسِّر لي جليسًا صالحًا، فيسَّر لي أبا هريرة، فجلستُ إليه.
للسلف أقوال في صحبة الصالحين يسَّر الله فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.
• قال علي رضي الله عنه: عليكم بالإخوان، فإنهم عدة في الدنيا والآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101].
• قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه: الجليسُ الصالح خيرٌ من الوحدة.
• قال الإمام ابن حِبَّان رحمه الله: العاقل يلزم صحبة الأخيار.
• قال الإمام السلمي رحمه الله: واجب على المؤمن أن يجتهد في معاشرة أهل الخير، ومَن يدلُّه على طلب الآخرة.
• قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: العزلة عن الأخيار مذمومة.
• قال الإمام النووي رحمه الله: فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب.
• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: استحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبتهم على أكمل الهيئات.
• قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: الوصية للشباب بصحبة الأخيار المعروفين بالاستقامة.
الحرص على مجالسة أهل العلم:
• قال أبو الدرداء رضي الله عنه: من فقه الرجل: ممشاه ومدخله ومخرجه ومجلسه مع أهل العلم.
• قال لقمان: يا بُنيَّ، جالِس العلماء، وزاحمهم بركبتيك؛ فإن القلوب لتحيا بالحكمة، كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر.
• قال جعفر بن محمد رحمه الله لابنه: يا بُنيَّ، من خالط العلماء وُقِّرَ.
• قال عمرو بن قيس رحمه الله: الشابُّ إن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يَسْلم.
• قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: ما عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم.
الحرص على مجالسة مَن ماتوا من السلف بقراءة كتبهم:
قال أبو داود: قلتُ لعبدالله بن المبارك: مَن تُجالس؟ قال: أجالس شعبة وسفيان، رحم الله الجميع، قال أبو داود: يعني أنظر في كتبهما.
الحرص على مجالسة مَن يُزهِّدك في الدنيا:
قال سفيان الثوري رحمه الله: ليكن جليسك من يُزهِّدك في الدنيا، ويُرغِّبك في الآخرة.
الحرص على صحبة العاقل:
• قال طاوس بن كيسان اليماني رحمه الله لابنه: يا بُنيَّ، صاحب العقلاء تُنسَب إليهم وإن لم تكن منهم.
• قال الإمام ابن حِبَّان رحمه الله:
- الواجب على العاقل...لزوم صحبة العاقل الأريب، وعشرة الفطن اللبيب.
- صحبة العاقل...إن لم يصبك الحظُّ من عقله أصابَكَ الاعتبار به.
• قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: صداقة العقلاء قرابة الأبد.
• قال الإمام الغزالي رحمه الله: ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته أن يكون عاقلًا.
الحرص على صحبة حسن الخلق:
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا خالطت...فخالط حسن الخلق؛ فإنه لا يدعو إلَّا إلى الخير، وصاحبه منه في راحة.
• قال الإمام الغزالي رحمه الله: ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته أن يكون حسن الخلق....إذ رُبَّ عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه؛ ولكن إذا غلبه غضب، أو شهوة، أو بخل، أو جبن أطاع هواه، وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه، فلا خير في صحبته. قال بعض الأدباء: لا تصحب إلا مَن يكتم سرَّك، ويستر عيبَك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك بالرغائب.
الحرص على صحبة مَن يُستحيا منه:
• قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أحبُّوا الطاعات بمجالسة مَن يُستحيا منه.
• قال عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: ما أوقعني في بلية إلا صحبة مَن لا أحتشمه.
• قال ابن نجيد رحمه الله: عاشر مَن تحتشمه، ولا تعاشر مَن لا تحتشمه.
• قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: كان يُقال: أحيوا الحياء بمجالسة مَن يُستحيا منه.
• قال الإمام السلمي رحمه الله: صحبة مَن يُستحيا منه ويحتشمه؛ ليزجره ذلك من المخالفات.
من فوائد صحبة الصالحين ومحبتهم:
• قال ابن مسعود رضي الله عنه: المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالسهم زيادة.
• قال مجاهد بن جبر رحمه الله: صحبتُ ابنَ عمر رضي الله عنهما، وإني أريد أن أخدمه، فكان هو يخدمني.
• عن أبي الربيع الأعرج رحمه الله قال: صاحب أهل التقوى إن صحبْتَ؛ فإنهم أقل مؤنة، وأحسن معونة.
• قال الإمام ابن حِبَّان رحمه الله:
- مودة الأخيار سريعٌ اتصالها، بطيءٌ انقطاعُها.
- صحبة الأخيار تُورِث الخير.
• قال سلمة بن دينار رحمه الله: إن أدنيْتَ أهلَ الخير ذهب أهلُ الشرِّ.
• قال ذو النون: بصحبة الصالحين تطيبُ الحياةُ، والخيرُ مجموعٌ في القرين الصالح، إن نسيت ذكَّرك، وإن ذكرت أعانَك.
• قال رجل لداود بن نصير الطائي رحمه الله: أوْصِني، فقال: اصحَب أهل التقوى؛ فإنهم أيسَرُ أهل الدنيا مؤونة عليك، وأكثرُهم لك معونة.
• قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: صحبةُ أهلِ الصلاح تُورِث في القلب الصلاحَ.
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾ [الكهف: 18]، إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العُلْيا بصحبته ومخالطته الصُّلَحاء والأولياء، حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه، فما ظنُّك بالمؤمنين الموحِّدين المخالطين المحبِّين للأولياء والصالحين؟ قال ابن عطية: وحدثني أبي...قال سمعتُ أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة: إنَّ مَن أحبَّ أهل الخير نال من بركتهم، كَلْب أحبَّ أهل فضل وصحبهم، فذكره اللهُ في مُحْكَمِ تنزيله.
• قال الإمام النووي رحمه الله:
- الحثُّ على مصاحبة أهل الدين في كل شيءٍ؛ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم،...وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم.
- ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعًا من التلبُّس بشيء من النقائص؛ احترامًا لهم، واستحياء منهم.
• قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: الشاب، الكبير، الصغير، الرجل، المرأة، إذا كان بنفسه أتاه الشيطان، وأما إذا كان مع أصحاب له يُعينونه على الهدى، فهم جلاء القلب الذي يبعدون عنه الصدأ، ويجعلون الخير مُحبَّبًا إليه، ويجعلون الشرَّ مُبغَّضًا إليه.
من صفات الرفيق والصديق والجليس:
• قال لقمان لابنه: يا بُنيَّ، ثلاثة لا يعرفون إلا في...مواطن...ولا يُعرَف الأخ إلَّا عند الحاجة.
• عن الأصمعي رحمه الله قال: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ودوام عهده، فانظر إلى تشوُّقِه إلى إخوانه.
• قال يوسف بن الحسين رحمه الله: قلت لذي النون: أوْصِني، قال: عليك بصحبة من تَسْلم منه في ظاهر أمرك، ويبعثك على الخير صحبته، ويذكرك الله رؤيته.
• قال يحيى بن معاذ رحمه الله: أخوك من ذكَّرك العيوب، وصديقك من حذَّرك الذنوب.
• قيل لذي النون رحمه الله: مَنْ أُجالِس؟ قال: عليك بمجالسة من يُذكِّرك بالله رؤيته، وتقع هيبتُه على باطنك، ويزيد في عملك منطقه، ويُزهِّدك في الدنيا عملُه، ولا تعصي اللهَ تعالى ما دُمْتَ في قربه، يَعِظُك بلسان فعله، ولا يعِظُك بلسان قوله.
• قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: الأخ الذي يَعِظُكَ برؤيته قبل كلامه.
• قال الأحنف بن قيس: خيرُ الإخوان من إن استغنيتَ عنه لم يزدْك في المودَّة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن عثرت عضَّدك، وإن احتجت إلى مؤونته رفَدَك.
• قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: قال بعضهم: إن أحبَّ إخواني إليَّ مَن كثرت أياديه عليَّ.
• قال الإمام ابن حِبَّان رحمه الله: الواجب ألَّا يعد في الأدواء إخاء مَن لم يُواسِه في الضرَّاء، ولم يُشاركه في السرَّاء، ورُبَّ أخي إخاء خيرٌ من أخي ولادة.
• قال الإمام السلمي رحمه الله: لا يصحب إلا عاقلًا، وعالمًا، وحليمًا، وتقيًّا، قال ذو النون: ما خلع الله على عبدٍ من عبيده خلعة أحسن من العقل، ولا قلَّده الله قلادةً أجمل من العلم، ولا زيَّنَه بزينةٍ أفضل من الحِلْم، وكمال ذلك التقوى.
• قال الإمام النووي رحمه الله: صديق الإنسان ومحبُّه هو مَن سعى في عمارة آخرته، وإن أدَّى ذلك إلى نقص في دُنْياه، وعدوُّه مَن سعى في ذَهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دُنْياه.
• قال العلَّامة مُحِبُّ الدين الخطيب رحمه الله: كان لي أخٌ، هو أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه،كان خارجًا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يُكثِر إذا وجد، وكان خارجًا من سلطان لسانه، فلا يتكلَّم بما لا يعلم، ولا يُماري فيما علم، وكان أكثر دهره صامتًا، فإذا قال بَذَّ القائلين، وكان يُرى ضعيفًا مستضعفًا، فإذا جد الجدُّ فهو الليث عاديًا، وكان لا يشكو وجعه إلا عند مَنْ يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبًا إلا أن يرجو منه النصيحة.
وختامًا: فالأخ الصالح، والصديق الصادق جوهرةٌ ثمينةٌ، قال الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله: ما أعياني شيءٌ كما أعياني أني لا أجد أخًا في الله.
فمن وجد الأخ في الله فلا يُفرِّط فيه، ولا يُضيِّعه، ولا يقطعه، فالصداقة والإخوَّة عزيزةٌ.
• قال الإمام السلمي رحمه الله: المؤمن إذا ظفر بأخٍ، أو صديق فلا يُضيِّعه، فالأخوَّة والصداقة عزيزة، فلا تقطع صديقًا بعد أن صادقته، ولا تردَّه بعد أن قبلته.
• قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البارِّ عِوَضًا من الرحم المُدْبِرة.
• قال الشافعي ليونس بن عبدالأعلى: يا يونُسُ، إذا كان لك صديق فشدَّ يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهل، وقد كان الرجل الصالح يشبه سهولة مفارقة الصديق بصبي يطرح في البئر حَجَرًا عظيمًا، فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه.
• قال الإمام الغزالي رحمه الله: من آثار الصدق والإخلاص وتمام الوفاء: أن تكون شديد الجزع من المفارقة، نَفُورَ الطبع عن أسبابها.
• قال أيوب السختياني: إذا بلغني موت أخٍ لي فكأنما سقط عُضْوٌ مني.
• قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله:
- كان يقال: أعجزُ الناس من فرط في طلب الإخوان، وأعجزُ منه مَنْ ضيَّعَ مَنْ ظفَرَ به منهم.
- كان يُقال: الرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال.
ومما يوصى به أن يحذر المسلم من آفات الاجتماع بالإخوان، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الاجتماع بالإخوان قسمان:
أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشُغل الوقت، فهذا مضرَّتُه أرجحُ من منفعته، وأقلُّ ما فيه أنه يُفسِد القلب ويُضيِّعُ الوقت.
الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها؛ ولكن فيه ثلاث آفات:
إحداها: تزيُّنُ بعضهم لبعض.
الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف