ننتظر تسجيلك هـنـا

 

:: كل عام وانتم بخير ::  
♥ ☆ ♥اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 3,364
عدد  مرات الظهور : 55,927,573
عدد مرات النقر : 3,601
عدد  مرات الظهور : 54,832,439
عدد مرات النقر : 3,002
عدد  مرات الظهور : 53,224,155
عدد مرات النقر : 4,568
عدد  مرات الظهور : 28,401,684
عدد مرات النقر : 2,679
عدد  مرات الظهور : 23,689,534منتديات سهام الروح
عدد مرات النقر : 2,792
عدد  مرات الظهور : 58,716,530
عدد مرات النقر : 3,358
عدد  مرات الظهور : 58,387,854
عدد مرات النقر : 4,450
عدد  مرات الظهور : 58,716,633
عدد مرات النقر : 4,278
عدد  مرات الظهور : 51,554,834

عدد مرات النقر : 2,131
عدد  مرات الظهور : 35,984,330
♥ ☆ ♥تابع اعلانات منتدى سهام الروح♥ ☆ ♥

عدد مرات النقر : 2,068
عدد  مرات الظهور : 29,301,689مركز رفع سهام الروح
عدد مرات النقر : 5,054
عدد  مرات الظهور : 58,716,449مطلوب مشرفين
عدد مرات النقر : 2,541
عدد  مرات الظهور : 58,716,441

الإهداءات



الملاحظات

› ~•₪• نبضآت إسلآمِيـہ ~•₪•

 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
#1  
قديم 12-08-2021, 05:25 PM
هويد الليل غير متواجد حالياً
Egypt     Female
مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل Coral
 عضويتي » 2318
 جيت فيذا » May 2020
 آخر حضور » 03-19-2024 (12:28 AM)
آبدآعاتي » 83,815
الاعجابات المتلقاة » 8510
الاعجابات المُرسلة » 96
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 34سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » هويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond reputeهويد الليل has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  1
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي أسبابُ نُشوءِ البِدَع



أسبابُ نُشوءِ البِدَع


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

فتختلف أسباب نشوء البدع باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف أصناف الناس وأحوالهم؛ فما هو شائعٌ في مكانٍ ما؛ قد يكون نادرًا في مكانٍ آخر، وما هو حادِث في زمنٍ ما؛ قد يتلاشى في زمنٍ آخر، وأمَّا عن أصناف الناس وأحوالهم، فالأسباب الخاصة بهم تختلف وتتنوَّع باختلافهم وتوُّعهم؛ فهناك مِنَ الناس مَنْ هو رأسُ بدعةٍ ومُنشِئُها، ومنهم المُقلِّد المُتَّبع بوعيٍ وعلم، ومنهم العاميُّ المُقلِّد دون علمٍ ودون وعيٍ، وفيما يلي أهم الأسباب التي أدت إلى نشوء البدع:

السبب الأول: الجهل.

السبب الثاني: اتِّباع الهوى.

السبب الثالث: تقديم آراء الشُّيوخ والأكابر على النُّصوص.

السبب الرابع: تقديم العقل على النَّقل.

السبب الخامس: التعلُّق بالشُّبهات.

السبب السادس: مجالسة أهل البدع والأهواء.

السبب السابع: الاستمساك بالنُّصوص الموضوعة والضعيفة.

السبب الثامن: الغلو في الدِّين.



فهذه الأسباب أدَّت إلى نشوء البدع، وترجع خطورة انتشار البدعة إلى أنه كُلَّما تظهر بدعةٌ تؤدِّي إلى اختفاء سُنَّة، وعند ذلك يتعاهد الناسُ البدعة ويهجرون السُّنَّة، ومع مرور الزمان وتتابع الأجيال على ذلك تحيا البدعُ وتموتُ السُّنن؛ كما قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (مَا أَتَى عَلَى النَّاسِ عَامٌ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً؛ حَتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ، وَتَمُوتَ السُّنَنُ)[1]، وهذه الأسباب التي أدَّت إلى ظهور البدع، وهجر السُّنن، قد أشار إليها القرآن العظيم وحذَّر منها النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم وكذا مَنْ تبعه من العلماء الربانيين، وبيان ذلك ما يلي[2]:

السبب الأول: الجهل:

من أعظم أسباب نشوء البدع وانتشارها الجهل بالدِّين؛ بل هو القاسم المشترك في الوقوع في المُحرَّمات جميعها من كفرٍ وبدعٍ ومعاصٍ، وهذا الجهل له صور مختلفة؛ فمن ذلك: الجهل بالنصوص بعدم الاطلاع عليها، والجهل بمنزلتها في الدِّين، والجهل بدلالات الألفاظ، والجهل بمقاصد الشريعة، والجهل بقواعد العلوم وأصولها؛ كالمطلق والمقيد، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، المجمل والمبيَّن[3]. ونصوص الكتاب والسنة حافلة من التحذير من الجهل وبيان خطورته، والترغيب في العلم وبيان فضله، ومن ذلك:

• قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]. وجه الدلالة: تحريم القول على الله تعالى بِلا عِلم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه؛ لِمَا فيه من الظلم والمفاسد الخاصَّة والعامَّة، وتغيير دينِه وشرعِه[4]. قال ابن القيم رحمه الله: (وأمَّا القول على الله بلا علم؛ فهو أشدُّ هذه المحرَّمات تحريمًا وأعظمها إثمًا، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أُسِّسَت البدعُ والضَّلالات، فكلُّ بدعةٍ مُضِلَّةٍ في الدِّين أساسُها القولُ على الله بلا علم)[5].



• وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. أي: ولا تَتَّبع ما لا عِلْمَ لك به من قولٍ أو فعلٍ، وما لم تعلمْه عِلْمَ اليقين، وما لم تتثبَّتْ من صِحَّتِه؛ من قول يقال، ورواية تُروى، ومن ظاهرة تُفَسَّر أو واقعة تُعَلَّل، ومن حُكْمٍ شرعي أو قضية اعتقادية[6].



• وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ، وَيُبْقِي فِي النَّاسِ رُؤُوسًا جُهَّالًا يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ)[7]. وجه الدلالة: وصَفَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالجهل؛ فلذلك جَعَلَهم ضالِّين مُضِلِّين، وهذا خلاف الذين قال فيهم: ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]، ولذلك أمر بالرجوع إلى قولهم[8]. قال النووي رحمه الله: (المراد بقبض العلم ليس هو مَحْوُه من صدور حُفَّاظِه؛ ولكن معناه: أنه يموت حَمَلَتُه، ويتَّخِذ النَّاسُ جُهَّالًا يحكمون بجهالاتهم فَيَضلون ويُضِلون، وفيه التحذير من اتِّخاذ الجُهَّال رؤساء)[9].



السبب الثاني: اتِّباع الهوى:

اتِّباع الهوى من أعظم الأسباب التي أدَّت إلى نشوء البدع وكثرتها، وصدِّ الناس عن اتِّباع السُّنة والهدى، وقد توافرت النصوص؛ كتابًا وسُنَّةً في ذمِّ الهوى والتَّحذير منه، ومن ذلك:

• قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]. وجه الدلالة: نهى الله تعالى عن طاعة مَنْ أغفلَ اللهُ قلبَه عن ذكرِه واتَّبَع هواه، وكان أمره فرطًا[10].ولهذا قال: ﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ أي: صار تَبَعًا لهواه، يفعل ما تشتهيه نفسُه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتَّخذ إلهه هواه[11].



• وقال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]. وجه الدلالة: أنَّ كلَّ مَنْ لم يتَّبع الشرع فقد اتَّبع هواه؛ لأنَّ الله تعالى قسَّم الأمور قسمين، لا ثالثَ لهما: اتِّباعٌ لِمَا دعا إليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم، واتِّباع للهوى[12]. قال السعدي رحمه الله: (فاعلم أنَّ تركهم اتباعك، ليسوا ذاهبين إلى حقٍّ يعرفونه، ولا إلى هدًى، وإنما ذلك مُجرَّد اتِّباعٍ لأهوائهم، ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ فهذا من أضَلِّ الناس، حيث عُرِضَ عليه الهدى، والصراط المستقيم، الموصل إلى الله وإلى دار كرامته، فلمْ يلتفتْ إليه ولم يُقبِل عليه، ودعاه هواه إلى سلوك الطُّرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء؛ فاتَّبَعَه وتركَ الهدى، فهل أحدٌ أضلُّ مِمَّنْ هذا وَصْفُه؟)[13].



• وقال سبحانه: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]. قال ابن كثير رحمه الله: (إنما يأتمر بهواه؛ فمهما رآه حسنًا فَعَلَه، ومهما رآه قبيحًا تركه، وهذا قد يُستدل به على المعتزلة في قولهم بالتَّحسين والتَّقبيح العقليين)[14].



• وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ؛ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ لِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ، وَلَا مَفْصِلٌ؛ إِلَّا دَخَلَهُ)[15]. وجه الدلالة: أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه يخرج أقوام من هذه الأُمَّة تتجارى فيهم الأهواء، وهي البدع التي يُتَّبع فيها الهوى، ولا تُتَّبع فيها السُّنة فينحرفوا عن جادة الصواب من الكتاب والسنة، إلى الضلالات.



قال الشاطبي رحمه الله: (أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بما سيكون في أُمَّتِه من هذه الأهواء التي افترقوا فيها إلى تلك الفِرق، وأنه يكون فيهم أقوام تُداخل تلك الأهواء قلوبَهم حتى لا يمكن في العادة انفصالُها عنها وتوبتهم منها، على حدِّ ما يُداخل داء الكَلَبِ جِسمَ صاحبِه فلا يبقى من ذلك الجِسْمِ جزءٌ من أجزائه، ولا مِفصل ولا غيرهما إلَّا دخله ذلك الدَّاء، وهو جريان لا يَقبل العلاجَ، ولا ينفع فيه الدواء، فكذلك صاحب الهوى إذا دخل قلبَه، وأُشْرِبَ حُبَّه، لا تعمل فيه الموعظة ولا يقبل البرهان، ولا يكترث بَمَنْ خالَفَه)[16].



والخلاصة: أنَّ الأهواء تدخل وتجري وتسري في مفاصلهم، والمراد بها - هنا - البدعة، فوَضَعَها مَوْضِعَها وَضْعًا للسَّبب مَوْضِعَ المُسَبِّب؛ لأنَّ هوى الرجل هو الذي يحمله على إبداع الرأي الفاسد، أو العمل به، وذَكَرَ الأهواءَ بصيغة الجمع؛ تنبيهًا على اختلاف أنواع الهوى، وأصناف البدع[17].



السبب الثالث: تقديم آراء الشُّيوخ والأكابر على النُّصوص:

من أعظم أسباب نشوء البدع والاستمرار عليها تقديم آراء الشيوخ والأكابر على النصوص الشرعية؛ لذا نرى في زماننا مَنْ قدَّموا رأيَ شيوخهم أو جماعاتهم أو أحزابهم أو قبائلهم أو آبائهم أو أعرافهم أو أنظمتهم أو قوانينهم على النصوص الثابتة في الكتاب والسُّنة، وقد حذَّر القرآن الكريم من هذا السُّلوك المشين، ومن ذلك:

• قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]، (أي: إذا دُعُوا إلى دينِ الله وشرعِه، وما أوجبَه، وتَرْكِ ما حَرَّمَه؛ قالوا: يكفينا ما وَجَدْنَا عليه الآباءَ والأجدادَ من الطرائق والمسالك، قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتَّبعونهم والحالةُ هذه؟ لا يتَّبِعُهم إلَّا مَنْ هو أجهلُ منهم، وأضلُّ سبيلًا)[18]. (فذَمَّهم بتقليدهم آباءهم وتركِهم اتَّباعَ الرسل؛ كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبراءَهم، وتركِهم اتِّباعَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في دينه)[19].



فهذا هو حال أهل البدع والضَّلالات (إذا أُمروا باتَّباع ما جاء في الكتاب والسُّنة رغبوا عن ذلك، وقالوا: ﴿ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ وقالوا: ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ [البقرة: 170] فاكتفَوا بتقليد الآباء، وزَهِدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهلُ الناس، وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهةٌ - لِرَدِّ الحقِّ - واهيةٌ، فهذا دليلٌ على إعراضِهم عن الحق، ورغبتِهم عنه، وعدمِ إنصافهم)[20]. (ولو كان في آبائهم كفايةٌ ومعرفةٌ ودِرايةٌ؛ لهان الأمر. ولكن آباءُهم لا يعقلون شيئًا، أي: ليس عندهم من المعقول شيء، ولا من العلم والهُدى شيء. فتَبًّا لِمَنْ قَلَّدَ مَنْ لا عِلمَ عنده صحيحٌ، ولا عقلَ رجيحٌ، وتَرَكَ اتِّباعَ ما أنزل الله، واتِّباعَ رُسُلِه الذي يملأ القلوبَ عِلمًا وإيمانًا، وهدًى، وإيقانًا)[21].



ومن الآثار المُحذِّرة من تقديم آراء الشُّيوخ والأكابر على النُّصوص: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (لا رَأْيَ لأحدٍ مع سُنَّةٍ سَنَّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم)[22]. وقال ابن خزيمة رحمه الله: (ليس لأحدٍ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قولٌ إذا صَحَّ الخَبَرُ عنه)[23]. وقال ابن تيمية رحمه الله: (دِينُ الْمُسْلِمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ، فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ هِيَ أُصُولٌ مَعْصُومَةٌ، وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الأُمَّةُ رَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَلَيْسَ لأحَدٍ أَنْ يُنَصِّبَ لِلأُمَّةِ شَخْصًا يَدْعُو إلَى طَرِيقَتِهِ، وَيُوَالِي وَيُعَادِي عَلَيْهَا، غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلا يُنَصِّبَ لَهُمْ كَلامًا يُوَالِي عَلَيْهِ وَيُعَادِي غَيْرَ كَلامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ؛ بَلْ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ شَخْصًا أَوْ كَلامًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الأُمَّةِ يُوَالُونَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْكَلامِ أَوْ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَيُعَادُونَ)[24].



السبب الرابع: تقديم العقل على النَّقل:

كرَّم الله الإنسان وفضَّله بالعقل، ولكنَّ كثيرًا من الناس لم يُبقوا العقلَ في المكانةِ التي وضعه اللهُ فيها، بل زلُّوا على صنفين: الصنف الأول: عطَّله ولم يُقِم له وزنًا. الصنف الثاني: بالغ فيه وجعله مصدرًا للتشريع، وقدَّمه على النقل.



والله تبارك وتعالى أمرنا بالتسليم لِحُكمِه وحُكمِ رسولِه صلى الله عليه وسلم تسليمًا مطلقًا، وليس بجعل العقل مصدرًا للتشريع أو تقديمه على النصوص أو بجعله حاكمًا على النصوص أو بمحاكمة النصوص إلى العقول قبل التسليم بها؛ كما في قوله سبحانه: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].



وهؤلاء العقلانيون بالغوا في تقديس العقول وقدَّموها على النُّقول، وبَنوا لأنفسهم ضلالات يسمُّونها تارةً بالحقائق واليقينيات، وتارةً بالمصالح والغايات، وفي الوقت ذاته يُسمُّون النصوص بالظَّنيات، فيعرضونها على تلك الضَّلالات، فما وافقها قَبِلوه وما عارضها ردَّوه؛ اعتمادًا منهم على قاعدة: اليقين لا يزول بالشك!



ولم يعلم هؤلاء العقلانيون أنَّ الله تعالى حافظٌ دينَه وعاصمٌ نبيَّه صلى الله عليه وسلم من الزَّلل والانحراف في تبليغ الدين، فما جاء به من حقٍّ لا مريةَ فيه، كما أنَّ ما يُسمُّونه حقائق ويقينيات هي عين الباطل، ولم يعلموا أيضًا أنَّ للعقول حدودًا تنتهي في الإدراك إليها، وأنَّ الله تعالى لم يجعل لها سبيلًا إلى إدراك كلِّ شيء[25].



قال ابن أبي العِزِّ الحنفي - شارحًا قولَ الطَّحاوي: "وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الإسْلامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالاسْتِسْلامِ":(أَيْ: لا يَثْبُتُ إِسْلامُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ لِنُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ، وَيَنْقَادُ إِلَيْهَا، وَلا يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا، وَلا يُعَارِضُهَا بِرَأْيِهِ وَمَعْقُولِهِ وَقِيَاسِهِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الإمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: "مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَمِنَ الرَّسُولِ الْبَلاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ" )[26].



السبب الخامس: التعلُّق بالشُّبهات والضَّلالات:

من أعظم أسباب نشوء البدع التعلُّق بالشُّبهات والضلالات، وترك المحكمات، وهذا هو منهج المُبتدِعة في كلِّ مكانٍ وزمان، أما أهل السنة والجماعة يعملون بالمُحْكَم من نصوص الكتاب والسُّنة، ويؤمنون بالمُتشابه، ويَكِلُون ما أشكَلَ عليهم إلى عالِمِه، بخلاف أهل البدع والضلال الذين يتَّبعون المتشابه، ويتركون المُحْكَم؛ لذا حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل السَّيِّئ:

• عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: تَلَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذه الآيَةَ: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]. قالت: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فإذا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكِ: الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ)[27].



فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يحذِّرنا من الذين يتَّبعون ما تشابه من القرآن، بمعنى أنهم يبحثون في الآيات المُتشابهة، ويتركون المُحْكَم منها؛ بقصد أنْ يفتنوا الناس عن دينهم ويُضلُّوهم، فهؤلاء هم الذين سمَّاهم اللهُ تعالى أهلَ الزَّيغ، فأمَرَ صلى الله عليه وسلم بالحذر منهم والتَّوقِّي من شرِّهم وضلالهم، وذلك بعدم مُجالستهم ومُؤاكلتهم ومُكالمتهم؛ فإنهم أهل الزَّيغ والبدع والفساد، فحقُّهم أن يُهجروا في الله تعالى[28].



قال ابن رجب رحمه الله: (الراسخون في العلم: يؤمنون بذلك كلِّه، ويَرُدُّون المتشابه إلى المُحكم، ويَكِلون ما أشكل عليهم فَهمُه إلى عالِمِه، والذين في قلوبهم زيغٌ: يتَّبعون ما تشابه منه؛ ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله، فيضربون كتابَ الله بعضَه ببعض، ويَرُدُّون المُحكم، ويتمسَّكون بالمتشابه؛ ابتغاء الفتنة، ويُحرِّفون المُحكَم عن مواضعه، ويعتمدون على شُبهاتٍ وخيالاتٍ لا حقيقةَ لها، بل هي من وسواس الشيطان وخيالاته، يقذفها في القلوب)[29].



• وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ)[30]. جاء في "فيض القدير": (سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي) يزعمون أنهم علماء (يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ) من الأحاديث الكاذبة، والأحكام المُبتَدَعة، والعقائد الزَّائفة (فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ) أي: احذروهم وبَعِّدوا أنفسَكم عنهم، وبَعِّدُوهم عن أنفُسِكم، وهذا عَلَمٌ من أعلام نُبوَّتِه ومعجزةٌ من معجزاته فقد يقع في كلِّ عصرٍ من الكذَّابين كثير)[31].



ومن تحذير السلف الصالح من الشُّبُهات وأصحابِها: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (سَيَأْتِي نَاسٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ؛ فإنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ)[32]. وقَالَ أَبُو قِلابَةَ رحمه الله: (لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الأهْوَاءِ وَلَا تُجَادِلُوهُمْ؛ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ)[33].



السبب السادس: مجالسة أهل البدع والأهواء:

من أعظم أسباب نشوء البدع مجالسة أهل البدع والأهواء والضلالات؛ حيث يزيِّنون لجليسهم ما هم عليه من باطل فيظُنُّه حقًّا، وربَّما شاركهم في باطلهم وبدعتهم - من غير اقتناع؛ مجاملةً لهم، أو خوفًا من استهزائهم ونقدهم؛ لذا جاء في القرآن والسنة النهي عن مجالسة أهل الشَّر والبدع والمعاصي؛ خشية التلبُّسِ ببدعتهم وضلالهم، ثم يصيبه ما أصابهم من العذاب في الدنيا والآخرة، ومن ذلك:

• قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68]. و(المراد بالخوض في آيات الله: التَّكلُّم بما يُخالِف الحق؛ من تحسينِ المقالات الباطلة، والدَّعوةِ إليها، ومدحِ أهلها، والإعراضِ عن الحق، والقدحِ فيه وفي أهله، فأمَرَ اللهُ رسولَه أصلًا وأُمَّتَه تبعًا، إذا رأوا مَنْ يخوض بآيات الله بشيءٍ مِمَّا ذُكِرَ، بالإعراضِ عنهم، وعدمِ حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرارِ على ذلك، حتى يكون البحثُ والخَوضُ في كلامٍ غيرِه، فإذا كان في كلامٍ غيرِه، زال النَّهي المذكور. ثم قال: ﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ﴾ أي: بِأَنْ جلستَ معهم، على وجه النِّسيان والغفلة ﴿ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ يشمل الخائضين بالباطل، وكلَّ مُتَكلِّمٍ بِمُحرَّم، أو فاعِلٍ لِمُحرَّمٍ؛ فإنه يحرم الجلوسُ والحضورُ عند حضور المُنْكَر، الذي لا يقدر على إزالته)[34].



• وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ؛ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)[35]. وجه الدلالة: (فضيلة مجالسة الصَّالحين وأهلِ الخير والمروءةِ ومكارمِ الأخلاق والوَرَع والعلم والأدب، والنَّهي عن مجالسة أهل الشَّر، وأهلِ البدع، ومَنْ يغتاب النَّاسَ أو يَكثر فُجْرُه وبطالتُه ونحو ذلك من الأنواع المذمومة)[36].



ومن الآثار المُحذِّرة من مجالسة أهل البدع والأهواء: قال أبو عثمان النَّهدي: (كتبَ إلينا عمرُ: "لا تُجالسوا صَبِيغًا" فلو جاء ونحن مائِةٌ لَتَفَرَّقْنَا عنه)[37]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تُجالسْ أهلَ الأهواء؛ فإنَّ مُجالَسَتَهم مُمْرِضَةٌ للقلوب)[38]. وقال مصعب بن سعد رحمه الله: (لا تُجالِسْ مَفْتونًا؛ فإنِّه لن يُخطِئَكَ منه إحدى اثنتين: إمَّا أنْ يَفْتِنَك فتتابعه، وإمَّا أنْ يؤذيك قبل أنْ تُفارِقَه)[39]. وقال مفضل بن مهلهل رحمه الله: (لو كان صاحبُ البدعةِ - إذا جلستَ إليه يُحدِّثك ببدعته حَذِرْتَه، وفَرَرْتَ منه؛ ولكنَّه يُحَدِّثك بأحاديثَ السُّنة في بُدُوِّ مَجْلِسه، ثم يُدْخِلُ عليك بِدعتَه، فلعلَّها تلزم قلبَك، فمتى تخرجُ من قلبك؟!)[40].



وهكذا نجد أن مجالسة أهل الأهواء والبدع تُمثِّل خطرًا كبيرًا على أصحاب العقيدة الصحيحة، إذ أن الأخلاق والسُّلوك تُعدِي، كما تُعدِي الأمراض الظاهرة وتنتقل من المصاب إلى السليم.



وإذا كان القرآن الكريم قد حَرَّجَ على المسلم أن يُجالس أهل الأهواء والبدع؛ فإن هذه المُجالسة قد تطوَّرت بتطوُّر الزمان والمكان، إذ انتقلت إلى عقر دارنا؛ عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، وما بُثَّ فيها من أفكارٍ هدَّامة وسموم قاتلة، الغرض منها التشكيك في ثوابتنا وسنة نبيِّنا، مستخدمين في ذلك كافة المؤثرات السمعية والبصرية، ومعتمدين على خلفية دقيقة وقوية من علم الإعلام وعلم النفس، وأثرها في توجيه الرأي العام وتضليله.



فهؤلاء يصدق عليهم حُكم مجالسة أهل الأهواء والبدع، ومن ثَمَّ فلا بد من هجر برامجهم الهدَّامة بالكلية، ولا يغتر القائل بأنه إنما يسمعهم ليرى ما عندهم، فليس عندهم إلَّا الضلال ولا يملكون إلَّا الخراب، فهَجْرُهم أَولى وتركهم أنفع والبُعد عنهم أصح لديننا ودنيانا.



السبب السابع: الاستمساك بالنُّصوص الموضوعة والضعيفة:

من أعظم أسباب نشوء البدع وانتشارها الاستمساك بالنصوص الضعيفة والموضوعة، وإثبات الأحكام بها، وهذا هو دأب أهل البدع الذين اعتمدوا على الأحاديث الواهية المكذوبة في تسويق وترويج مذاهبهم الباطلة، فأحاديثهم لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها، وفي الوقت ذاته يردُّون الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها تُخالف ما هم عليه من البدع والضلالات[41].



قال النووي رحمه الله: (لا فرقَ في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام، وما لا حُكْمَ فيه؛ كالترغيب والترهيب، والمواعظ، وغير ذلك، فكلُّه حرام، من أكبر الكبائر، وأقبح القبائح، بإجماع المسلمين الذين يُعتدُّ بهم في الإجماع)[42]. وقال ابن حجر رحمه الله: (وقد اغترَّ قوم من الجهلة فوضعوا أحاديثَ في الترغيب والترهيب، وقالوا: نحن لم نكذب عليه، بل فَعَلْنا ذلك؛ لتأييد شريعته، وما دَرَوا أنَّ تَقْوِيلَه صلى الله عليه وسلم ما لم يَقُلْ يقتضي الكذبَ على الله تعالى؛ لأنه إثباتُ حُكمٍ من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه، ولا يُعْتَدُّ بمَنْ خالف ذلك من الكرامية؛ حيث جوَّزوا وضْعَ الكذبِ في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسُّنة، واحتجُّوا بأنه كذبٌ له لا عليه! وهو جهلٌ باللغة العربية)[43].



السبب الثامن: الغلو في الدِّين:

الغلو: هو مجاوزة الحدِّ في الاعتقادات والأقوال والأعمال؛ بأنْ يُزاد في مدح الشيءِ، أو يزاد في ذمِّه على ما يستحق[44].

والغلو في الدِّين من أعظم أسباب انتشار الشرك والبدع والأهواء والضلالات، وتتنوَّع مظاهر الغلو؛ فقد يكون غلوًا في الأنبياء؛ كالتوسل غير المشروع بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو ادِّعاء رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً، ونحو ذلك، وقد يكون الغلو في الأشخاص؛ كتقديس الأئمة والأولياء، ورفعهم فوق منزلتهم، ومن ثم يصل إلى عبادتهم من دون الله تعالى، وقد يكون الغلو بالزيادة على ما شرعه الله سبحانه، أو التشدد والتكفير بغير حقٍّ، ونصوص الشرع في التحذير من الغلو كثيرة، ومنها:

1- قال الله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [النساء: 171]. فالله تعالى أهلَ الكتاب عن الغلوِّ في الدِّين - وهو مجاوزة الحدِّ والقدْرِ المشروع إلى ما ليس بمشروع؛ وذلك كقولِ النَّصارى في غلوِّهم بعيسى عليه السلام، ورفعِه عن مقام النُّبوة والرِّسالة إلى مقام الرُّبوبية الذي لا يليق بغير الله[45].



2- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المدح الباطل المؤدِّي إلى الغلوِّ في شخصه الكريم؛ بقوله: (لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)[46]. قال ابن الجوزي رحمه الله: (الإطراء: الإفراط في المدح. والمراد به ها هنا: المدح الباطل. والذين أطروا عيسى عليه السلام ادَّعوا أنه ولدُ اللهِ، تعالى اللهُ عن ذلك، واتَّخذوه إلهًا، ولذلك قال: "فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" )[47].



3- وعن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَجُلًا قال: يَا مُحَمَّدُ! يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا! وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا! فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ! عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي التِّي أَنْزَلَنِي اللهُ عز وجل)[48].



من آثار الغلو في الدِّين:

1- أنه يُفضي الغلو إلى الشرك بالله؛ كالغلو في الأشخاص؛ فإنه يُفضِي إلى عبادتهم من دون الله تعالى؛ كما حصل لقوم نوحٍ لمَّا غلوا في الصالحين، وكما حصل للنصارى لمَّا غلوا في المسيح، وكما حصل لِعُبَّاد القبور من هذه الأمة.



2- يحمل الغلو على تكفير المسلمين، وسفك دمائهم؛ كما حصل للخوارج من هذه الأمَّة حتى قتلوا خيارها؛ كعثمانَ بنِ عفان، وعليِّ بنِ أبي طالبٍ وكثير من الصحابة رضي الله عنهم.



3- يحمل الغلو على الخروج على وليِّ أمر المسلمين، وشقِّ عصا الطاعة، وتفريق كلمة المسلمين؛ كما فعل الخوارج ولا يزالون كذلك، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل مَنْ يفعل ذلك في قوله: (إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ؛ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهْيَ جَمِيعٌ؛ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ)[49].



4- يُزهِّد الغلو في السُّنة النبوية والوسطية والاعتدال، ويعتبر ذلك تساهلًا في الدِّين والعبادة؛ كما في قصة الثلاثة الذين تَقَالُّوا عِبادَةَ النبيِّ، فأنكر عليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِعلَهم؛ قائلًا: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؛ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)[50].



5- يحمل الغلو على القنوط من رحمة الله؛ كما جاء عَنْ جُنْدَبٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ. وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ؛ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ)[51].



6- يتسبَّب الغلو في الانقطاع عن العمل الصالح؛ فإنَّ النفس تضعف مع شدة العمل، وقد تعجز أو تمل من العمل فتتركه؛ ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ من الدُّلْجَةِ)[52].


[1] رواه الطبراني في (المعجم الكبير)، (10/ 262)، (رقم 10610)؛ وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد)، (1/ 447)، (رقم 894): (رجاله مُوثَّقون).

[2] انظر: الاعتصام، (1/ 287)؛ حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال، (ص 124)؛ نور السنة وظلمات البدعة في ضوء الكتاب والسنة، (ص 49).

[3] انظر: مجموع الفتاوى، (14/ 22).

[4] انظر: تفسير السعدي، (ص 287).

[5] مدارج السالكين، (1/ 372) باختصار.

[6] انظر: تفسير المراغي، (15/ 45).

[7] رواه البخاري، (3/ 1476)، (ح 7393)؛ ومسلم، واللفظ له، (2/ 1131)، (ح 6974).

[8] انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 352).

[9] شرح النووي على صحيح مسلم، (16/ 224-225) باختصار.

[10] انظر: أضواء البيان، (19/ 140).

[11] انظر: تفسير السعدي، (ص 475).

[12] انظر: أضواء البيان، (22/ 295).

[13] تفسير السعدي، (ص 617).

[14] تفسير ابن كثير، (7/ 268)

[15] رواه أبو داود، (2/ 772)، (ح 4599). وحسنه الألباني في (صحيح سنن أبي دواد)، (3/ 116)، (ح 4597).

[16] الاعتصام، (2/ 29).

[17] انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، (2/ 60).

[18] تفسير ابن كثير، (3/ 211-212).

[19] تفسير القرطبي، (2/ 212).

[20] تفسير السعدي، (ص 81) بتصرف يسير.

[21] المصدر نفسه، (ص 246).

[22] رواه المروزي في (السنة)، (ص 31)، (رقم 94)؛ والهروي في (ذم الكلام)، (3/ 12).

[23] رواه الخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه)، (1/ 313)؛ والبيهقي في (الكبرى)، (1/ 17).

[24] مجموع الفتاوى، (20/ 164).

[25] انظر: الاعتصام، (2/ 70).

[26] شرح الطحاوية، (ص 120).

[27] رواه البخاري، (4/ 1655)، (ح 4273)؛ ومسلم، (2/ 1127)، (ح 6946).

[28] انظر: عون المعبود، (12/ 227).

[29] فتح الباري في شرح صحيح البخاري، (5/ 105).

[30] رواه مسلم، (1/ 7)، (ح 15).

[31] فيض القدير، (4/ 174).

[32] رواه اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة)، (1/ 123)، (رقم 203)؛ والهروي في (ذم الكلام)، (2/ 32)، (رقم 191).

[33] رواه البيهقي في (الاعتقاد)، (ص 238)؛ وابن بطة في (الإبانة)، (2/ 435).

[34] تفسير السعدي، (1/ 260).

[35] رواه البخاري، (3/ 1153)، (ح 5592)؛ ومسلم، واللفظ له، (2/ 1113)، (ح 6860).

[36] شرح النووي على صحيح مسلم، (16/ 178).

[37] رواه الهروي في (ذم الكلام)، (4/ 244)، (رقم 707)؛ وابن بطة في (الإبانة)، (1/ 414).

[38] رواه الآجري في (الشريعة)، (1/ 452)، (رقم 130)؛ وابن بطة في (الإبانة)، (2/ 438).

[39] رواه الهروي في (ذم الكلام)، (4/ 268)، (رقم 729)؛ وابن بطة في (الإبانة)، (2/ 442).

[40] رواه ابن بطة في (الإبانة)، (2/ 444)، (رقم 399).

[41] انظر: مجموع الفتاوى، (22/ 361-363)؛ الاعتصام، (1/ 228).

[42] صحيح مسلم بشرح النووي، (1/ 70).

[43] فتح الباري، (1/ 199-200).

[44] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، (1/ 289).

[45] انظر: تفسير السعدي، (1/ 216).

[46] رواه البخاري، (3/ 1271)، (ح 3261).

[47] كشف المشكل من حديث الصحيحين، (1/ 65).

[48] رواه أحمد في (المسند)، (3/ 153)، (ح 12573). وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة)، (3/ 88)، (ح 1097).

[49] رواه مسلم، (2/ 816)، (ح 4902).

[50] رواه البخاري، (3/ 1062)، (ح 5118).

[51] رواه مسلم، (2/ 1111)، (ح 6847).

[52] رواه البخاري، (1/ 23)، (ح 39).
الموضوع الأصلي: أسبابُ نُشوءِ البِدَع || الكاتب: هويد الليل || المصدر: منتديات سهام الروح

كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مناضر, جوالات , حب , عشق , غرام , سياحه , سفر





 توقيع : هويد الليل

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع




Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها
ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009