♦ يقول سبحانه: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]. قال ابن عباس: الصغيرة: التبسُّم، والكبيرة: الضحك، وقال مجاهد: "اشتكى القوم الإحصاء، وما اشتكى أحد ظلمًا، فإياكم ومحقِّرات الذنوب؛ فإنها تجتمع على صاحبها حتى تُهلِكَه"، فهل تستحي من الله حقَّ الحياء الذي يعلم السرَّ وأخفى؟! ورحم الله القائل:
يا مَن يَرى مَدَّ البعوضِ جَناحَها
في ظُلمةِ الليلِ البهيمِ الأَلْيَلِ
ويَرى نِياطَ عُروقِها في مُخِّها
والمخَّ في تلك العِظامِ النُّحَّلِ
اغفِرْ لعبدٍ تابَ مِن زلَّاتِهِ
ما كان منه في الزمانِ الأولِ
♦ يدخل أحد الأدباء مجلسَ إمام أهل السُّنة أحمد بن حنبل، فقال له الإمام: أَسْمِعْني بعض الأبيات، فقال:
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا تقُلْ
خلَوتُ ولكنْ قلْ عليَّ رقيبُ
ولا تحسبَنَّ اللهَ يغفُلُ ساعةً ولا
أن ما تُخفى عليه يغيبُ
فترَكَ الإمام كتبه ومحبرته وقلمه، وقام، وأغلق غرفته، وأخذ يبكي وهو يردد خلف الجدار هذا البيت:
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا تقُلْ *** خلَوتُ ولكنْ قلْ عليَّ رقيبُ
♦ وحُكي أن رجلًا راوَدَ فتاة عن نفسها، فقالت له: ألا تستحي؟ فقال: ممن ولا يرانا إلا الكوكبُ؟! فقالت: فأين مكوكبُها؟ فتاب وأناب.
♦ وحكي أن (زليخا) لما خلَتْ بيوسف عليه السلام قامت فغطَّتْ وجه صنم كان لها، فقال لها: أتستحين من مراقبة جماد، ولا تستحين من مراقبة الملِك؟!
♦ حين تحاسِب نفسك وتراقب ربَّك، حين تراجع كل عمل، كل كلمة، كل خاطرة، كل حركة.. حينئذٍ سوف يستقيم الأمر كلُّه.. أمر الحاكم والمحكوم.. الفرد والمجتمع.. الرجل والمرأة.
كيف يَظلِم الحاكمُ وهو يراقب الله كأنه يراه؟! كيف يظلم وهو يعلم قول الله تعالى ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [الشعراء: 227]، وهو يعلم الحديث: ((إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي))، وهو يعلم أنه مأمور بأن يعدل بين الناس ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [النساء: 58]؟!
وكذلك المحكوم حين يعبُد الله كأنه يراه، يؤدِّي عمله بإخلاص وأمانة واجتهاد، بلا خداع ولا رشوة ولا كسل.
♦ حين كان المسلمون الأوائل يعبدون ربَّهم كأنهم يرَوْنه، كانت تلك الأُمَّةُ العجيبة الفريدة في التاريخ.
♦ كان الحاكم يقول: "إن أحسنتُ فأَعينوني وإن أسأتُ فقوِّموني"، كان يقول: "لو أن بغلة عثَرتْ في العراق كنتُ مسؤولًا عنها أمام الله".
كان التاجر الصدوق الذي يراقب الله، فلا احتكار ولا غلاء ولا غشَّ في بيع؛ بل كان يُظهِر العيب الموجود في السلعة، ويربح القليل بنفسٍ راضية، وقلب منيب.
♦ كان الشباب يتربَّى على الحياء والفضيلة، فلا يُخادِنُ امرأة، أو يسرق عِرض فتاة.
♦ وكانت المرأة لا تخرج إلا لضرورة، غير متبرجة في زينة، ولا متعطرة في ثياب.. كان مجتمع الطُّهر والعفاف.
♦ كان الزوج يعاشر زوجته بالمعروف، ويعرف لها حقوقها، ويتقي الله فيها؛ لأنه يراقب الله سبحانه.
♦ كذلك الزوجة تصبر على زوجها عند ضِيقِ ذات اليد؛ بل تسأل الحلال وإنْ قلَّ، وتأبى الحرام وإن كثُر.
♦ كانت المرأة الصالحة تقول لزوجها عند الخروج للرزق: "اتقِ الله ولا تُطعِمْنا حرامًا"؛ كل ذلك لأنها تراقب الله.
واجب عملي:
حاسِبْ نفسك كلَّ ليلة قبل أن تنام، واستشعر مراقبة الملِك العلَّام.
جميع ما يطرح في منتديات سهام الروح لا يعبر عن رأي الإدارة وإنما يعبر عن رأي كاتبها ابرئ نفسي أنا مؤسس الموقع ، أمام الله ثم أمام جميع الزوار و الأعضاء على ما يحصل من تعارف بين الأعضاء على مايخالف ديننا الحنيف