الموضوع: جدران خاوية
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 12-03-2018, 07:48 PM
نسر الشام غير متواجد حالياً
Syria     Male
مشاهدة أوسمتي
لوني المفضل Whitesmoke
 عضويتي » 1738
 جيت فيذا » Aug 2017
 آخر حضور » 03-28-2020 (11:16 PM)
آبدآعاتي » 48,168
الاعجابات المتلقاة » 481
الاعجابات المُرسلة » 0
 حاليآ في » المانيا
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Syria
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » اعزب
 التقييم » نسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond reputeنسر الشام has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
88 جدران خاوية



جدران خاوية
القصة تبدأ مع أول شروقٍ لشمسِ عقلي، وأول شعور بنهر يتدفَّق داخل قلبي، أول مرة رأيت فيها كائنًا خلُوقًا صامتًا، إلى أن انتهيت إلى حالة إدمان لا رجاءَ في الشفاء منها.

في أحد الأيام مررت على أحد الورَّاقين يفرش نفائسَ من الكتب الملقاة على الأرض، وهذه بداية قصتي، أخذت منه في هذا اليوم الكثيرَ من القصص والروايات؛ فقد كنت أظن أني في أمسِّ الحاجة إليها، كنت أتشمَّمُها، وأقلِّب بين دفتي كل كتاب، كالذي يبحث عن الكنز، وأي كنز وجدته؟! أول الأمر كانت هواية الشراء في حد ذاتها متعةً، حتى إنني لم أكن أنتبه إلى العناوين، بقدر أن أرجع إلى بيتي وأنا محمَّلٌ بالكتب؛ لأُشْعِر ذاتي أني مختلفٌ عن بقية أتْرابي.

أيامَ كنت أسير في الطرقات، أتشمَّم رائحة الكتب، أقترب منها، أتحسَّسُها، ثم أجلس بجانبها؛ لتمر عليَّ الساعاتُ الطِّوال وأنا فاقدُ كلِّ ما يمُتُّ للحياة بصِلة، الملل قد تبدَّد وانتهى، أتصبَّب عرقًا، أحمل هذا وأترك ذاك؛ حتى كنت ألحظ على بعض الورَّاقين أنه ينظر إليَّ بغيظٍ وتأفُّفٍ مما أفعل، ولكن هيهات، فلم أكن أُعيره انتباهًا، أولِّي بصري ناحية الكتاب؛ لأتحاشى مقابلة الأعين، والوقوع في حرج الإطالة والقراءة دون الشراء، أستمرُّ على هذه الجلسة ناسيًا نفسي أو متناسيًا.

وقتها كانت حواسِّي كلُّها مشدودةً ناحية الكتاب، أتسمَّع حديثه المتواري عن أُذُن بعض الناس؛ فقد حباني ربي أن أسمع حديثه، وأشمَّ عبق المسك من كعبه، ثم أترك البائع وأنا حاملُ كتابٍ أو أكثر أو مغادرُ المكان في هدوء وتؤدة وصمت لقلة المال، فوقفة المشاهد مؤلمةٌ مُقطِّعة لأحاسيس ومشاعر الفَقْد لما وقع النظر عليه، وقِصَر باع اليد في حمله.

فلطالما قلت: "على أقل تقدير، قد عرَفت شيئًا جديدًا، وجالستهم سويعاتٍ قليلةً، قرأت فيها مقدِّمات كتبٍ، واطَّلعت على عناوين وأسماء كُتَّاب جُدد"، لكن استضافتهم في بيتي شيء آخر طبعًا، حبُّ الاستحواذ مُتجذِّرٌ ومتأصِّلٌ في نفسي، أظل مُطأطئَ الرأس، كاسفَ البال، حاملًا للكتاب.
الورَّاق ينظر ويتأمل وينتظر، أفكر... أبحث عن حلٍّ يُرضي جميع الأطراف، فإن لم أجد، كنت أنظر نظرةَ المشتاق، ثم أولِّيهم دُبُرِي واعِدًا بالعودة.

وفي أوقات وما أكثرها! أتدبَّر أمري، وأشتري الكتاب مُضحِّيًا بكل ما يحمله جيبي من مال؛ لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، ثم أحمله سيرًا على الأقدام في طُرُقات القاهرة لمسافات طويلة، وأنا أقلِّب صفحاته الذاخرة، العامرة بالخيرات، أشعر بفرحة غامرة تملأ قلبي، أقهقه قهقهةً عاليةً، كأني ظفِرت بنصر عظيم؛ فيظن الناس أني جُننت، لكنهم لا يعلمون قيمة الثروة التي أحملها على صدري من هذا الكتبيِّ؛ ألم يعِ مرةً قيمةَ ما يبيعه؟! ألم يشعر بالإثم بما تقترفه يداه كل يوم من إهانة وتجريح وقطع لهذه الكائنات الطاهرة بالفطرة؟! قد يعلم لكنه يغفل أو يتغافل.

في بعض الأحيان كنت أتلصَّص وأتربَّص؛ لأرى فعلته الشنعاء وهو يُلقي ببعض الكتب أرضًا بلا رحمة ولا هوادة؛ فأخِرُّ باكيًا، وأترك نفسي للصمت الرهيب، والتساؤل المقيت: أيرضاها على نفسه؟! أتعجَّب من أمره، كيف يعاشرها طيلة عمره ولا يوجد في قلبه مثقالُ ذرة من رحمة؟!

أهكذا يجعل أبناءه يتسوَّلون؟!
ألَا يحميهم من خطر وبراثن الشارع المميتة (فكما نعلم أن الضنى غالٍ)، ثم أتساءل، ولا ينتهي السؤال إلا بمغادرتي لهذا المكان الساديِّ، فأنشُد راحتي بعدها في بضع آيات من القرآن، ثم أتدبَّر أمري في الرجوع، وبالفعل كنت أرجع إلى البيت سالِمًا دون أن أدفع مليمًا واحدًا في مواصلة.

ظللت على هذه الحال لسنوات، حتى أتى اليوم وانتبهت للأسماء أكثرَ، ثم لقيمة العنوان والفهرست، والآن أتى وقت اكتشافي الأكبر (مكتبة الأسرة)، أول مرة وقع نظري عليها أحببتُها، بل عشقتُها؛ فكانت كل شيء بالنسبة إليَّ، أحيانًا كانت تأتيني في الحُلْم نتحدث، يُداعب بعضُنا بعضًا في خِفَّةٍ وظَرْفٍ، لن تجدهما حتى مع هذا الكائن البطوليِّ المسمَّى بالإنسان.

هي التي ربَّتني واحتوتني، وحفظتني من الذئاب الضارية المتربِّصة بأمثالنا نحن الصغار، لم أكن أصبر أسبوعًا، إلا وتجدني في باحات هذا الصرح العظيم، فلها النصيب الأكبر في تشكيل وعيي، اشتريت أمَّهات الكتب، وهذا بالطبع أيام كانت مكتبة الأسرة تطبع للعقَّاد، والحيوان للجاحظ، وللغزالي، وغيرهم الكثير.

ثم اتجهت إلى كتب التراث وجمَعتُ منها مخزونَ سنواتٍ من القراءة لا بأس به، كانت عيناي على المستقبل، أعلم أني سأنشغل كلما مرَّ بي العمرُ، ولن أجمع المكتبة التي كنت أحلم بها؛ لذلك كنت أدَّخر الكتب، وأنتهز الفرص، فيعارضني بعضُهم، وما أكثرَهم! فألتمس لهم العذر؛ لأنهم لم ينالوا شرف شغف حمل الكتاب، والنظر إليه كنظرة المحبِّ في ليلة مقمرة، وليتهم يعلمون.

لم يكونوا على علم بما تُكنُّه الكتب لي؛ فالكتب فرحتي الوحيدة التي سأخرج بها من الدنيا وأنا ظافرٌ منتصرٌ، الكتب رحلتي، طعامي، مأواي الوحيد، كتبي هي الشيء الوحيد المخلِص في الدنيا، كتبي لم تتنكَّر لي يومًا واحدًا، كتبي هي أخي وصديقي، وأبي وأمي، وكل ما لي في الدنيا، هي الخالدة والكل إلى زوال، كتبي هي شخصيتي، هي أنا.

أشعر الآن أني فقدت شغفي في مواصلة الحديث عن هذا المحبوب؛ لذلك أقول: وداعًا لكل كتاب لامسَتْه أطرافُ أصابعي على خجل، ولامس هو قلبي، لن أنساكم، وأعلم علم اليقين أني محبور بحبر عتيق على كل صفحة كتاب شاهدتْها عيناي يومًا ما.
وداعًا، فقد جمعتكم من المشرق والمغرب، والتقيتم جميعًا في بيتكم العتيق، الذي هو بيتي، لا أعلم كيف سأصبر على فراقكم! لا أعلم كيف سأرى هذه الجدران خاويةً بدون وجودكم! فالعادة أني وقتما أستيقظ لا بد أن ألقي نظرةً على هذه الكتب المتراصَّة في أدب جمٍّ، هذه عادة اكتسبتها مع الأيام، فكيف سيكون الحال بعد هذه الوحشةِ التي ستخلِّفونها، وهذا اليُتم الذي ستُلقُون تعويذته في قلبي الحنون بما اقترفته يداي من إثم بيعكم أيُّها الأحبة؟!

هل سيأتي اليوم الذي لن أرى فيه إلا حوائطَ أربعةً خاويةً؟!
أظن أني سأموت كمدًا وقتما تخرجون من هذه الغرفة.
تحاشت الأنظار، وخيَّم صوت السكون، وانقطعت الأنفاسُ والأحاسيسُ، الفرحة قد ذابت، وظلت طريحةَ الفراش مكتئبةً، الموت سكن وتعشش وتربَّع في المكان.

أهكذا تكون النهاية؟!
لا لا!
لن تكون نهايتي هكذا!
صرخت بأعلى صوتي، تذكَّرت أني لن أحيا إلا بهم.
صرخت، نعم صرخت في هذه الجمادات المتمثلة في قالب جسد إنسانيٍّ وما هو بإنسان.
أوقفت المهزلة، نعم أوقفتها.
لن تسلبوا مني روحي، لن أفعل، وإن كان آخر نفَسٍ في حياتي.
أخرجتهم بالقوة، وكانت لحظة النجاة التي أنعش القلب فيها بصعقات ووخزات أيقظت ضمير المحبة.
"لأنْ أعيشَ خالي الوفاض، أشرفُ عندي من بيع هذا الذخر الطيب الذي جمع أيام السبع العجاف".
كان حُلمًا قاحلًا، والحمد الله الذي أخرجني منه سالِمًا محتفظًا بروحي المتراصَّة جنبًا إلى جنب على أرفف مكتبتي.

الموضوع الأصلي: جدران خاوية || الكاتب: نسر الشام || المصدر: منتديات سهام الروح

كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مناضر, جوالات , حب , عشق , غرام , سياحه , سفر





 توقيع : نسر الشام



رد مع اقتباس