ويظل يعلو في المدى تلو المدى
وتظل تقصر في مداه الهام

أهدته للدنيا عزيمة عصبة
أموية هي صيقل وغمام

وهبته للدنيا عظيماً يجتلى
في زهوه والواهبوه عظام

من كل أروع كالحسام مضاؤه
وبلاؤه في الغاشيات حسام

من عبد شمس قد نمتهم دوحة
عربية كالشمس ليس ترام

فهم الليوث إذا ألمت عسرة
وهم الغيوث الغدق والإنعام

العدل فيهم ديدن وعقيدة
والحرب عشق والعهود ذمام

لبسوا لريب الدهر ما هو نده
نبل وسيف مصلت وسلام

وقبول عذر من مسيء عائد
وحِذار باغ أسكرته الجام

وسخاء كف كالغمامة سيبها
والعقل منه الريث والإقدام

فصبوحهم ما يتقيه عدوهم
وغبوقهم ما تشتهي الأحلام

عالون والعلياء طوع بنانهم
ولهم على شمس النفوس خطام

دانوا نفوسهم وراضوا صعبها
والتابعون هواهم أقزام

• • • •

مضت القرون وفي دمشق فخارهم
زاه وفي الزهراء منه مقام

والمسجدان مفاخر ومنائر
كانا وكان الدهر وهو غلام

فمن الجمال هما الوضاءة والسنا
ومن الجلال أعنة وزمام

شاب الزمان ولم يشيبا بهجة
للناظرين وجنة تشتام

المسلمون إليهما لعبادة
وعليهم الإخبات والإعظام

يمشون والتقوى رداء سابغ
وكأنهم في الساحتين حمام

والسائحون مواكب مطروفة
والصمت غاش والوفود زحام

ولهم خشوع الوامقين لصنعة
لم تبلها في مرها الأيام

• • • •

ومضيت أسبح في الزمان القهقرى
فإذا أمامي في علاها الشام

وعلى وجوه الناس حب صادق
ومهابة وسكينة وسلام

وعلى المآذن قد علون بلالها
وعلى المنابر مدره وإمام

ودنا الخليفة والجلال رداؤه
وإزاءه القواد والأعلام

وجثا لدى المحراب يبرق وعده
ووعيده، جبل أشم همام

نمت فضائله عليه حفية
والفضل من حسناته نمام

وأتت وفود الناس من كل الدنى
فإذا به فوق الجميع سنام

من متقين سعى بهم إيمانهم
العهد فيهم حرمة وذمام

أو آبقين تنكروا لعهودهم
فسطا عليهم حزمه المقدام

ضلوا سبيل الرشد حين توهموا
أن العيون عن العصاة تنام

نظروا فلاح السيف صلتاً عارياً
ولهم وقد غدروا عليه فطام

والنطع ظمآن الحشا لفرائس
وبه سعار للدما وأوام

والآبقون كأنهم من رعبهم
موتى لهم بالعيش بعد غرام

ولهم وقد خبروا الخليفة مطمع
فيداه سهل ممرع وغمام

عيناه آمرتان إمَّا أومتا
فالعفو دان والممات زؤام

• • • •

ورأيت مجدك يا شآم مواكباً
هي والمروءة إخوة وتؤام

إذ أنت أم المجد تاج فخاره
أنى يكن فالشام فيه زمام

ومواكب الفتح الجليل مظفراً
أنت المنار له وأنت إمام

وجنوده هبة الزمان كريمة
هشت لها الأصقاع والأقوام

حملوا الهداية برة ونقية
ما شابها ميل الهوى والذام

الصين في شرق البلاد بساطهم
ورواقهم في غربها يشتام

سنة صحوت فلم أجدك كما حكوا
لا الشام أنت و لا هشام هشام

وإذا المنابر قد علاها صمتها
والناس خرس والكلام حرام

وإذا المآذن في الدموع غريقة
فكأنهن من الأسى أيتام

وإذا الديار من الليوث خلية
وإذا البطولة جندل ورغام

وإذا الفتوح وخيلها وأمية
والفاتحون ومجدهم أحلام

• • • •

يا شام تعروني لذكرك هزة
أموية هي في العظام غرام

وأنا الذي شاقته منك عوارف
جلت ويشتاق الكرام كرام

قد أخلصتني نية ما شابها
شين فشين الطيبين حرام

عودي لمجدك حرة عربية
وعظيمة يرعى خطاك عظام

هذا الوليد وذاك مروان العلا
وهناك مسلمة الوغى الضرغام

وهم وإن كرموا وطابوا معدناً
فأشجُّهم[1] تاج لهم وإمام

لم تشهد الدنيا أجل جلالة
منهم فكيف إذا طربت ألام

مروا بها كالطيف نزر مكثه
وزيارة الغر الكرام لمام


يا شام يا أخت الخلود وصنوه
لا تجبني فالجبن منك حرام

فضي نيوب الغادرين وأسرجي
خيلاً أضرّ بها وطال جمام

صوني حماك وطهريه وأقدمي
فالحر من أخلاقه الإقدام

إن قيل دربك يا شآم مهالك
والخطب طاغ والغيوب ظلام

قولي لهم غضبى أصون كرامتي
ثمن الكرامة ليس فيه سوام

وليَ الجنون إذا المخاطر أحدقت
سيف وثأر حافز وضرام

يأبى علي الذل أني حرة
وحرائر الإسلام دوماً هام

• • • •

يا شام إن النصر دانٍ يومه
كونيه، كوني عرسه يا شام

قولي بعثت جديدة وهويتي
أعلو بها وأصونها الإسلام